مجدى العفيفى (1) أن يأتي بورقة وقلم وبخط خطابه محملاً بقصة أو مقالة أو قصيدة ثم يضع المظروف في صندوق بريد قرية نائية نائمة في الصعيد أو بورسعيد أو الشرقية أو البحيرة متأملا نشرها هنا. وأن يفتح »فايل« في الكومبيوتر ويكتب ابداعاته وينسقها ويبعث بها عبر البريد الالكتروني من سوريا أو الأردن أو المغرب أو تونس أو الجزائر أو السودان أو غيرها من الدول.. أن يتصل عبر الهاتف المحلي أو الدولي، ليجزل الشكر أن رأي إبداعه منشوراً بدون سابق معرفة وبدون تعب، ولا طول انتظار، ولا حذف ولا رقابة ولا منع ولا قيد علي رأي ولا حكر علي فكر. أن يحدث ذلك بيسر وسهولة وبمعايير الجودة الابداعية والنظرة النقدية الجمالية للنص والشخص فذلكم هو نوع من أرقي أنواع الحوار عن بعد، وأرقي شكل من أشكال العلاقة البريئة بين المبدع ووسيلته الإعلامية التي توصل إبداعه إلي جماهير القراء في كل مكان، وصولاً إلي إشعال ومضة فكرية ليستضيء بها البعض، أو قطرة إبداعية تتنزل في الوعي والوجدان برداً وسلاماً ونوراً وناراً وتغييراً وتعبيراً. (2) تنسال هذه التداعيات علي الخاطر وأنا أتلقي أكثر من خمسمائة رسالة بريدية خطيرة والكترونية عبر الكمبيوتر والهاتف، كلها عطشي للنشر، كلها محملة ببريق الإبداع، كلها أفتحها بحرية ورفق مهما كان مضمونها، اقرأها قراءة كاشفة وأتخيل لحظة كتابتها ولحظة إرسالها، وما يعتمل في خاطر صاحبها، فأتعجل الأيام لنشرها كما يتعجل هو، وأحيانا اتصل به مطمئنا إياه. أصحاب هذه الرسائل الذين يقيمون في مدن وقري مصر هم رهان ثقافي كبير.. أراهن بهم وعليهم، هم المواهب التي تتشرنق، وهم الجذور التي تنمو، ولا نمو بدون جذور، وهم الأقلام التي تريد أن تقول الكثير وتسكب المزيد، فقط نبحث عن الوسيلة إلي الغاية الأكبر.. هل أذكر بأستاذنا العقاد الذي كان يراسل الصحف والمجلات وهو في مقتبل العمر من أسدات حتي عرف واشتهر، وهل أذكر بمقالات طه حسين وهو لمايزل طالباً كان يبعثها للمجلات والصحف السيارة حتي كبر اسمه، وذاع صيته، وغيرهما كثر..! إن اهتمامنا بالمبدعين من الأدباء والشعراء والنقاد والباحثين في أقاليم مصر ومحافظاتها لا يعلو عليه اهتمام في هذا السياق، هم أيضاً كنوز.. فقط تريد الظهور لتراها العيون التي في طرفها شوق لتذوق الأدب الفن والثقافة، ووسائلهم هي الدماء التي تضخ في شرايين الجريدة فتجدد دورتها الدموية الصحفية والثقافية.. لابداعاتهم براءة.. ورحيق مختلف.. وحريق إبداعي جميل.. وعبير مضفر برائحة الأرض الطيبة التي لا تقبل أن تخبث إلا طيباً.. لا أقنعة ولا قبعة، لا إهتزاز ولا ابتزاز.. فقط لديهم أشواق وعذابات يسعون لطرحها وبسطها بين أيدي الناس، لعلها يوماً تغير وتطور، كما حدث من عمالقة الفكر والتنوير. (3) بعد صفحتين.. ستقرأ عبارة واقعية جاءت في سياق حديث د.صابر عرب وزير الثقافة إذ يقول: »إن كثيرين من أصدقائي في الدول العربية كانوا يتصلون بي لمعرفة طريق الحصول علي أي عدد من »أخبار الأدب«.. لم يصلهم«.. وأعتقد أن »أخبار الأدب« اضافت كثيرا سواء فيما يتعلق برصد الواقع الثقافي أو اتاحة الفرصة لكثير من المبدعين أو من خلال الترجمات التي شكلت وعياً جميعا في حياتنا الثقافية، والأمم غالبا تتطور بالتراكم«. نعم تأتينا رسائل تحمل نصوصاً من الأقطار العربية وننشرها علي الفور. نحن نحاول حل اشكالية أن الحديث عن الثقافة صار ينطلق من إطار قُطري ضيق، وهذا ما نسعي إلي كسره بتكسير الحدود الجغرافية وإن كانت لا توجد إلا في المطارات والحدود فقط! لكن المثقف في مصر يلتحم مع المثقف في كل أرض تتحدث العربية.. وفي العالم أيضاً، والثقافة المصرية تتداخل مع كل الثقافات فالجذر واحد.. هويتنا مصرية، وهوانا قومي، ونزعتنا إنسانية.. مافي ذلك شك لذي حجر! (4) أخصص يوم الجمعة لإجراء حواراتي مع الرسائل والخطابات شعرت بدوار ثقافي جميل، في تلك الليلة، إذ قرأت أحد عشر خطاباً ورسالة، أحسست ب »وحدة عربية« أخري مطبوعة لا مصنوعة، عقوبة »غير متكلفة، كأنني في ندوة جامعة فيها تعددية الأصوات الإبداعية، من سوريا كان صوت الشاعرة »غمكين مراد« والقاص فؤاد علي وغيرهما. ومن الأردن أرسل الكاتب الروائي فصلاً من روايته »علي باب الهوي« مختصاً به »أخبار الأدب« قبل أن تصدر الرواية. ومن تونس د. محمود الزوادي ورؤيته لمعالم النخب التونسية والهوية واللغة. ومن دمنهور الشاعر بهجت صميدة. ومن الشرقية: الشعراء والقصاصون عبدالعزيز رياض، وعاطف مدين وابراهيم عطية وعبدالله النادي وحمدي عبدالصادق ومن المغرب: د.سعيد بوخليفة ومقالاته المثيرة للجدل الايجابي ومن بورسعيد: رشاد حسانين ومجموعة من شعراء المدينة الغالية ومن أسوان: الشاعر جمال عدوي الهلالي ومن قنا: أحمد مصطفي سعيد، وعشرات غيره. ومن الأقصر: الضوي محمد الضوي ونخبة معه من المبدعين ومن القاهرة: أسماء كثيرة من جنبات المدينة ومن السودان: الروائي منجد أحمد مصطفي الفائز بالجائزة الأولي في مسابقة الطيب صالح للقصة 2012. ومن ليبيا ومسقط ولبنان والامارات وغيرها، أسماء كثيرة ونصوص فنية رفيعة ورغبة في التواصل الإبداعي عبر »أخبار الأدب«. العقاد - كارل ماركس - د . طه حسين (5) ذلكم هو قمر الإبداع.. القمر الثقافي الذي لا تحجبه الغيوم، ولا يخفيه الظلام ولا تطغي عليه الشمس والنهار.. قمر فكري.. والفكر ثورة في الأساس.. وكل مبدع هو ثوري، والإبداع لا يعرف إلا الثورة والتنوير. وكم هو ممتع وموجع أن تجلس إلي المبدع، عن قرب، وعن بعد، حوارات لا تهدأ ولا تريد.. ولا تعرف الجمود، ولا تعترف إلا بالعنفوان. لذة النص تكمن في فتح رسالة تحمله فتشعر أنك أول قارئ له لاسيما إذا كان نصاً مشحوناً بالطاقة الجمالية، ومسكوناً بالقيم الإبداعية، فتقرأه بعيداً عن الأحكام القيمية، وهذه معايير سقطت في جب النسيان وفي خزانة التاريخ، ولم يعد يتعاطاها النقد الثقافي. علمنا أساتذتنا في الصحافة والثقافة أن نثمن القاريء حتي لو كان حاصل جمع القراء هو... قاريء واحد! أهلا بكم.. وبين أيديكم العدد الأول بعد الألف من عمر »أخبار الأدب« التي هي للجميع.. لكل الشرائح.. لكل الأطياف.. للنخب والبسطاء.. للعامة والخاصة.. للمجتمع والناس.. كل المجتمع والناس! ثقافة الأسئلة كم مرة جلست الي نفسك وتحاسبتما؟كم مرة ناوشك ضميرك وتجاذبت معه أطراف الحوار؟ كم مرة نظرت الي وجهك في المرآة؟ كم مرة نزعت قناعك؟ وكم قطعة من وجهك تفتتت من كثرة لصق الأقنعة؟ كم مرة صافحت الانسانية بداخلك؟ وكم مرة صفعتك هي؟ وكم مرة أدخلت يدك الي جناحك وخرجت بيضاء من غير سوء؟ وكم مرة مارست الحياة في ضوء المضابيح؟ وكم وكم وكم ! حاول ان تلملم ذاتك المبعثرة، وتجمع أشلاءك المتناثرة، صدقني أنت لاتحتاج الي معجزة كما تقول فما نحن في زمن المعجزات، اعذرني فما أنا بالواعظ ولا بالذي يرتدي ثوب الناصح، فما أثقل النصيحة، اعرف ذلك لكن من لم تردعه ذاته، تردعه قوة المجتمع.. ومن لم يستجب لقوة المجتمع، تردعه قوة السماء! اعرف ان صوتي سوط، وان كلماتي شظايا، لكن لابد مما ليس منه بد!. إجابة تبحث عن سؤال! إلي الأخوة الماركسيين الذين يتساءلون عن مصدر مقولة كارل ماركس عن سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« وملائكته أقول لهم ان رؤيته الدينية قد نشرها المفكر الراحل د. رشدي فكار في حديث له لصفحة أخبار الادب عام 1980 أجرته الكاتبة الصحفية »حسن شاه« تحت عنوان «ماركس عاد إلي الله في آخر حياته« وهو نفس المعني المسجل علي موقع د. يوسف القرضاوي كما ان رأي ماركس موجود في عشرات المواقع الإلكترونية وفي العديد من الدراسات والبحوث، لمن أراد أن يقرأ بحيادية وموضوعية. لكن تشبعهم ب«نبي« الماركسية (!!!) يحول بينهم وبين الحقيقة.. مع أننا لسنا في حاجة إلي شهادة أحد، أي أحد، فأنا قوي بفكري وثقافتي وفي مواجهة أعتي العواصف فلماذا التهافت؟ وتهافت التهافت للأفكار !.