3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الدولار ب50.56 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 16-6-2025    خلال عودته من الديوان العام للاستراحة.. المحافظ يتجول بدراجة هوائية بشوارع قنا    ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين بعد انتشال جثتين من موقع سقوط صاروخ إيراني بمدينة بات يام    الأمن الإيراني يطارد سيارة تابعة للموساد الإسرائيلي وسط إطلاق نار| فيديو    الآن.. ارتفاع عدد القتلى في إسرائيل بعد الهجوم الإيراني الجديد    بعد نهاية الجولة الأولى| ترتيب مجموعة الأهلي بكأس العالم للأندية    مفاجآت في تشكيل السعودية ضد هايتي بكأس كونكاكاف الذهبية 2025    لحظة انتشال الضحايا من أسفل مدخنة مصنع طوب بالصف (فيديو)    ننشر حالة الطقس اليوم الاثنين ودرجات الحرارة المتوقعة بالمحافظات    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    مجموعة الأهلي - بورتو وبالميراس يتعادلان في مباراة رائعة    "بعد لقطة إنتر ميامي".. هل يلقى حسين الشحات نفس مصير محمد شريف مع الأهلي؟    كأس العالم للأندية.. الأهلي يحافظ على الصدارة بعد تعادل بورتو أمام بالميراس    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    ترامب: سنواصل دعم إسرائيل للدفاع عن نفسها    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    الأكل بايت من الفرح.. إصابة سيدة وأبنائها الثلاثة بتسمم غذائي في قنا    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    إيران.. الدفاعات الجوية تسقط مسيرات إسرائيلية في مناطق مختلفة من البلاد    نشوة البداية وخيبة النهاية.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستعاني منه تل أبيب إذا نفذت إيران خطتها    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    ملخص وأهداف مباراة بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد فى كأس العالم للأندية    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    علاقة مهمة ستنشئ قريبًا.. توقعات برج العقرب اليوم 16 يونيو    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رياضة ½ الليل| الأهلي يفسخ عقد لاعبه.. غرامة تريزيجيه.. عودة إمام عاشور.. والاستعانة بخبير أجنبي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبدالحكيم راضي أستاد النقدبجامعة القاهرة وعضو مجمع الخالدين
أدعو إلي تجفيف منابع الخطأ
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 07 - 2013


د. عبدالحكيم راضى
الوجاهة السياسية الاجتماعية آفة مصر الحقيقية
نعيش مرحلة الجوارب الصالحة لكل العصور والأقدام
الدكتور عبدالحكيم راضي أستاذ النقد الأدبي والبلاغة العربية بكلية الآداب، وعضو مجمع اللغة العربية.يأتي في طليعة جيل خاص من النقاد المعنيين بفك شفرات الابداع، وهو أيضا ضمن المجموعة التي أسست لنظريات جديدة في مجال النقد، ولم يقتصر عطاؤه في مجال الأدب، بل تجاوز إلي السياسة والهموم الثقافية المتعددة الطابع النقدي في النظرة إليالحياة.
وللدكتور عبدالحكيم راضي دور كبير في خدمة الثقافة العربية فقد أبدع في الكثير من أعماله، ومؤلفاته التي أصبحت تدرس ، ليس في مصر ، فحسب، بل في الجامعات العربية، كما حظي باهتمام الباحثين والدارسين الذين تابعوا مؤلفاته النقدية، واستفادوا من خبرته الواسعة، وكان ذلك سببا في ترشيح البعض له لعضوية مجمع اللغة العربية، وفاز بثقة أعضائه ليكون واحدا من القائمين علي شأن اللغة العربية وآدابها.
د. عبدالحكيم راضي يتحدث إلي الزميلة مني نور
يري أنه مواطن مصري، يحب وطنه، وأمته العربية، ويؤمن بهما، ويري أن كلا منهما يمر في الوقت الحاضر بظروف حرجة، ويسعي قدر طاقته إلي الإسهام في أن يخرج الوطن والأمة من هذه الظروف سالمين، وهو كباحث يسعي قدر طاقته أن يكون جديرا بهذا الوطن.
مهموم بعذابات اللغة عليالمستوي الخاص والعام..
في هذ الدائرة المتداخلة جري هذا اللقاء..
المشهد الثقافي
كان سؤالي الأول عن: كيف يري د.راضي المشهد الثقافي الآن بعيون الأستاذ الجامعي، التي تحدق خارج الحرم الجامعي ؟
- المشهد الثقافي حالة من حال مصر، ومصر كما نعلم مضطربة في مهب الكثير من العواصف من مختلف الجهات، وكذلك المشهد الثقافي، فهو جزء من حال الأمة المصرية، فأصابه ما يصيب المجتمع كله، اضطراب وعدم وضوح رؤية، وتناحر بسبب أو بغير سبب، وخلافات قد يكون لها موضوع مفهوم، وأحيانا لا، يوجد هناك من يختلف لمجرد الاختلاف، وبعض الناس يهمهم هذا الاختلاف، في أحيان كثير يشعر الإنسان كأن الجدية مفتقدة، خاصة حين يبرز في الساحة بعض من لا يستطيع الإنسان أن يحدد له موقفا.
يوجد بطبيعة الحال أناس، يقال عنهم، أنهم جوارب تصلح لكل العصور، وكل الأقدام، وأأسف لهذا التعبير، هناك مَن يستطيعونأن يتلونوا حسب كل الظروف، وهؤلاء هم المستعدون للتضحية بصالح البلد مهما كانت الظروف، المهم هو المنصب، الوجاهة السياسية، الاجتماعية، وهذه هي آفة مصر الحقيقية، فأنا لا أعادي إنسانا كان من أتباع العهد الماضي، ولا أعادي، ولا أحابي إنسانا يريد أن يقنعني أنه ثوري، المعيار هو العمل من أجل هذا البلد،فالحق بيَّن، والضلال بيَّن، كما أن الاستقام بيَّن، والفساد بيَّن.لا يقنعني هؤلاء الذين يفتعلون الخلاف للخلاف، نحن قد نختلف، نختلف حول أمور موضوعية تتعلق بصالح هذا البلد.
دبلوماسية الاعتراف
كيف تري بناء مصر الجديدة المنتظرة وسط هذه المتغيرات المتلاحقة؟
- مصر الآن تقف علي أرضية مهتزة، والسبب في ذلك هذه التغيرات المتلاحقة بغير دراسة أو أسباب واضحة وأنا أتصور، أن هناك مجالات يجب أن يتمتع العاملون فيها بحد أدني من الطمأنينة والثقة، لكي يتمكنوا من الاستمرار في أعمالهم التي قد يكون لها طابع المشروعات طويلة المدي. أما الذي يحدث الآن، فهو التغيير المتلاحق بغير أسباب واضحة ودون مراعاة لطبيعة المرحلة التي لا تحتمل هذه الزلزلة المتواصلة التي لا يمكن للمرء أن يطمح في ظلها إلي قيام استراتيجية ثابتة، طويلة المدي في أي موقع من مواقع النشاط في الدولة المصرية. هذا الكلام ينطبق علي كل مناحي الحياة في مصر، الثقافي والتعليمي، والاجتماعي، وغيرها من وجوه الحياة.
تعبرعن وجهة نظره، بطريقة دبلوماسية عن المشهد الحالي أليس كذلك؟.
- في الحقيقة أنا لا أملك، إلا هذا الأسلوب من التعبير، ولكن من حقك كقارئة أن تستشفي منه المسكوت عنه، وهو أنني أشعر شعورا شديدا بالاحباط، واليأس، مع أنني - بطبيعتي - لا أحب اليأس، لكن الموقف العام الذي نعيشه يفرض علي الإنسان هذه الحالة.
لماذا؟
- عندما يشعر الإنسان أن عينيه مغمضتان، وأن أذنيه لا تسمعان، وأنهما إذا سمعتا، فلا يستطيع صاحبها أن يثق بصدق ما تسمعاه، وحتي إذا فتح عينيه ليري ما حوله، فإنه لن يستطيع أن يفهم ما يراه،ولا أن يجد له توجيهاً مبشرا، فكل الأخبار متضاربة وكل القرارات ينقض بعضها بعضا،وكل المستجدات محبطة دائما، وكلام المسئولين في واد، وناتج الفعل في وادٍ آخر، في مثل هذا الوضع، وحين يكون الإنسان في مثل سني لا يملك لنفسه تعبيرا عن حبه لوطنه، وأهل هذا الوطن، إلا أن يتشبث بأداء عمله وواجبه علي المستوي الخاص والعام كأحسن ما يمكن أن يؤدي هذا الواجب، فهذا هو الجانب الذي أملكه، والذي استطيع أن أديره كما أحب.
في مجمع الخالدين
هل ثمة مجالات أخري لنشاطك تحاول فيها تطبيق هذا المبدأ الذي تنادي به الي جانب أنك أستاذ في كلية الآداب فأنت عضور بمجمع الخالدي.. هل يتكامل الدوران؟
- وأنا كعضو في هذا المجمع، أحاول أن أقوم بدوري ، قدر استطاعتي، سواء في جلسات المجمع، أو في لجانه المتخصصة، وكذلك في النشاط العام الذي يساعد في تفعيل دور المجمع، ومعروف أن الدور الرئيسي للمجمع هو الحفاظ علي اللغة العربية والعمل علي نشرها، ورفع مستواها، ومستوي المعرفة بها، وفي هذا الجانب، أنا شديد الحريص علي حضور جلسات المجمع، ولجانه، والقيام بالواجب فيها، ومن هذا المنطلق، أجدني مهتما - أيضا - بمشاكل التعليم في المرحلة ما قبل الجامعة، وخاصة أنا عضو في لجنة اللغة العربية في التعليم بالمجمع.
أشرت الي مدي اهتمام أعضاء المجمع - وأنت واحد منهم - فيما يخص الحفاظ علي اللغة العربية والعمل علي نشرها ورفع مستواها ومستوي المعرفة بها، كيف تري مستوي العربية الآن، وربما يكون سؤالي هذا سؤالا ساذجا من كثرة طرحه علي المختصين؟
أريد أن أعزز سؤالك، وأنفي عنه صفة السذاجة، ذلك أن الواقع حين يكون صادما بدرجة لا يمكن التغافل عنه، يصبح التغافل هو السذاجة، وليس السؤال عن سوء الواقع.
لماذا؟
لأن الإنسان لا تستطيع أن يتخلص - في أي لحظة من اللحظات - من متابعة
أمور معينة، والتساؤل عنها، وتفقدها، وحتي ولو كانت هذه الأمور في وضع سييء، وميئوس منه، لا يستطيع الانسان مثلا أن يتغافل عن تفقد حالته الصحية، أو يتغافل عن التخطيط لاحتياجاته المعيشية مثلا، لا يستطيع أن يتغافل عن حاجته إلي شرب ماء نظيف، وأن يبحث عن طعام مناسب، مع أن هذه الأمور كلها من الضروريات المسلم بها.
هنا أعود إلي سؤالك عن حال اللغة العربية، هذا السؤال الذي لا يكشف عن جديد في حال اللغة العربية، ولكنه - في الوقت نفسه - يستمد أهمية خاصة من التذكر بأن مشكلة اللغة العربية في مصر قد طال بها الأمد، وأن المجتمع المصري، وهو مجتمع عربي إلي جانب المجتمعات العربية الأخري، قد أصبحوا وكأنهم يعملون ضد لغتهم، إلي الحد الذي يمكن وصفه بأنه عمل علي قتل هذه اللغة أو علي وأدها، هذا جانب من أهمية السؤال، أما الجانب الآخر الذي يفرضه السؤال - تلقائيا - فهو حتمية التفكير في انتشال اللغة العربية من هذه الوحدة التي انحدرت إليها في مجتمعها، وبين مَن يفترض أنهم حُماتها، المتعصبون لها والمدافعون عنها!
الانحسار والعزوف
ما هي الأسباب - في رأيك - التي أدت إلي هذا الوضع من انحسار العربية، والعزوف عنها، وعن التعامل بها بين أفراد المجتمع؟ وهل يمكن أن يكون هناك ما يعود إلي قصور في اللغة نفسها كما يدعي البعض؟
- سؤالك - في الحقيقة - خاصة الجزء الأخير منه علي غاية الأهمية، وقد يكون من المناسب أن أبدأ بالإجابة عن هذا الجزء الأخير، وكما قلت فعلا، هناك مَن يري أن ثمة عيوباً في اللغة العربية ذاتها هي التي نفَّرت المتحدثين بها، وأبعدتهم عنها، حديثا وكتابة، والجواب علي هذا، أن هذا كلام يكذبه التاريخ وواقع ما كانت عليه اللغة العربية في عصور سابقة علي العصر الذي نعيشه الآن.
ولو شئتُ أن أرد علي السؤال بسؤال، لقلت: إذا كانت هناك في العربية عيوب ذاتية أدت إلي انحسارها، والعزوف عنها، ففيم كانت نشأتها أولا، ثم فيم كان انتشارها واستعلاؤها علي لغات البلاد التي فتحها المسلمون، وانتشرت فيها العربية، حتي أصبحت لغة المواطنين في تلك البلاد، ولغة العلم عندهم، وحتي امتدت المساحة التي يتكلم أهلها بالعربية إلي حدود الصين شرقا، والأندلس غربا، كما امتدت إلي بلاد كثيرة في أفريقيا وغيرها، لماذا كان ذلك حتي أصبحت في وقت من الأوقات لغة عالمية؟
الشاهد علي ذلك أن الانجليز في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كانوا يرسلون أبناءهم إلي صقلية والأندلس لتعلم العربية، بل أن من ملوكهم من كان يعرف العربية، وينظم الشعر بها، وحتي في جزيرة مثل صقلية، بعد أن انحسر عنها الحكم الإسلامي وحكمها النورماديون، ظلت العربية فيها إلي جانب اللاتينية، لغة رسمية تكتب بها الوثائق والمكاتبات، ناهيك عن العلماء والشعراء والأدباء من أبناء البلاد المفتوحة الذين اتقنوا العربية، وملكوا زمامها إلي حدٍ ذهب معه ابن خلدون إلي أن أكثر المشتغلين بالعلم في الدولة الإسلامية العربية، كانوا من غير العرب، وذهب إلي أن الأعاجم منهم أمثال: سيبويه، وأبي علي الفارسي، وابن جني، وان كانوا عجماً بالمولد والنسب، فأنهم كانوا عرباً باللغة والثقافة، هذا إلي جانب الشعراء الذين لا يمكن حصرهم أمثال أبي نواس، بشار، وابن الروحي، كل ذلك يثبت أن العربية بريئة من أية عيوب ذاتية، تمنع معرفتها، والتكلم بها والتفوق فيها إلي حد الابداع الفني والعلمي فيها،ومن هنا يجيء الدور علي الجزء الأول من سؤالك الخاص بالأسباب التي أدت إلي هذا الوضع من تدهور العربية، وانحسارها، والعزوف عنها وفقدان الاعتزاز بها؟!
اجتماعي و تعليمي
هل اللغة سلعة تتراوح بين القبول والرفض؟
- في البداية أتصور أن الأمر لا يمكن أن يعدو عاملين أساسيين أحدهما اجتماعي والآخر. اما عن العامل الاجتماعي فأتصور أنه الأقدم والأكثر تأثيرا، وهنا لابد من العودة إلي مرحلة تاريخية كان فيها تخريج معلم العربية شبه مقصور علي الأزهر بمعاهدة المختلفة، بينما كان معلمو المواد الأخري من خريجي مؤسسات التعليم المدنية، وربما كانت هناك دواعي من بينها الأستعمار، أفضت إلي نوع من النظرة الدونية إلي معلمي العربية من خريجي معاهد الأزهر، ليجري نوع من الربط غير الواعي بين اللغة العربية، ومنزلة القائم بتعليمها، ممن جري العُرف علي مَن يتزيون بزي مشايخ الأزهر، وبمرور الوقت، ظهرت أعراض هذه النظرة في الاعلام، وفي الأعمال الفنية التي صور فيها مدرس العربية بصورة غير لائقة ثقافيا واجتماعيا، وتبع هذا بداية عدم الاقبال علي الالتحاق بالمعاهد، والكليات والأقسام التي تدرس فيها اللغة العربية، وواكبه مقابلة الطبيعي، وهو الاعتزاز بمعرفة اللغات الأجنبية، واحترام العارفين بها، ومن يعملون بها تدريسا وتعاملا، وهو ما أوجد المقابل الطبيعي لهذا السلوك من الاقبال في الالتحاق بمدارس اللغات والجامعات الأجنبية، وأقسام التعليم باللغات الأجنبية في الجامعات المصرية، وعزز هذا قيام المنشآت والمؤسسات الاقتصادية - خاصة التي جعلت من اللغات الأجنبية ، أداة لتعاملاتها مع اهمال اللغة العربية بطبيعة الحال.
ويمكن أن نضيف للمسألة بُعداً آخر بالنظر إلي اللغة باعتبارها سلعة تروج في المجتمع وتكسو، بحسب حاجة المجتمع إليها أو احساسه بالاستغناء عنها، وبتطبيق هذا المقياس، نجد أن اللغة قد آل أمرها إلي منهج العرض والطلب، وكأي سلعة لها هذا الوصف، يدير الناس لها ظهورهم ولا يقبلون علي تعلمها.
مرة أخري لا عيب في اللغة وانما احساس أهلها بامكان التعامل والعيش بدونها، مشيرا إلي أن المسلك المماثل علي مستوي التعليم في سماح الدولة لحاملي بعض شهادات الثانوية الأجنبية بدخول الجامعة المصرية دون عبور امتحان اللغة العربية، وفي هذا اقرار من الدولة مواز لاقرار المجتمع بامكان الاستغناء عن اللغة العربية في المعاملات اليومية علي مستوي التواصل الاجتماعي أو مستوي التعليم.
تجفيف منابع الخطأ
هنا يأتي السؤال عن كيفية الخروج من هذه الحلقة المفرغة، ووصف العلاج لهذا الداء، ان جازت التسمية؟
- لا أوافق علي ما يراه البعض من أن تحل المشكلة بطريقة رسمية، يري البعض أن بالدستور الأخير مواد تنص علي أن العربية لغة الدولة ويجب الاهتمام بها ونشرها والعناية بها في مؤسسات التعليم، والعمل علي تعريب العلوم تدريسها بالعربية كثيرون يتصورون أن هذا الحل الرسمي يمكن أن يفضي إلي نتائج مرضية، والذي أراه أن ذلك مع صدق النوايا لا يمثل حلاً ناجعا، ولا حتي مجرد حل بأي درجة من الدرجات واعتقد أن لغتنا ستصبح بخير، وستنتشر ويتعلمها الناس، ويتعاملون بها، ويحترمون مَن يتعامل بها ويقوم بتدريسها أيضا،حين يصبح لدينا المواطن المؤمن بكرامته وتاريخه وثقافته، ومكونات هويته، ومن بينها لغته وهذا ما ينبغي السعي إليه بجهود مضنية،، وإذا تصورنا أن مظاهر الاهمال اللغوي، والاستهتار بها، والتهاون بشأنها، والعزوف عنها، وعدم احترام المتعاملين بها والقائمين علي تعليمها تمثل حلقة خبيثة، فإن علينا السعي في نفس الوقت للعمل علي اختراق هذه الحلقة في نقطة من نقاطها، نخترقها في الاعلام بمنع التدني في لغته إلي حد الابتذال خاصة في الاعلام المرئي الأكثر انتشارا، واختراقها في الاعلام المكتوب، بالبعد عن الكتابة بالعامية المبتذلة، والارتقاء بمستوي اللغة للارتقاء بمستوي المتلقي، والأخذ بيديه إلي المستوي الأعلي، لا إ
التدني بحجة الاقتراب منه، والنزول إليه، لأن الحقيقة الغائبة عن هؤلاء، أن المواطن البسيط، بغرض أنه لا يستطيع أن ينتج اللغة الفصحي، فإن المؤكد أن بمقدوره الاستماع إليها وفهمها والتجاوب معها، وهذا المبدأ ينسحب علي كل قنوات الاعلام المختلفة، ويلحق بهذا، ضرورة القيام بما أسميه تجفيف منابع الخطأ في كل صور الاعلام الهابطة التي يتخذ بعضها من العبث باللغة نطقا وكتابة وتأليفا وسيلة لجذب متلقي هذه الاعلانات.
ويواصل د.راضي طرح رؤيته للخروج من هذه الأزمة فيقول: فإذا جئنا إلي مؤسسات التعليم - المسئول الرئيسي عما حدث للغة، كما أنها المسئول الرئيسي عن وصف العلاج -وجدنا أن ثمة اجراءات واجبة التنفيذ، تبدأ بسن البدء في تعليم الطفل اللغات الأجنبية، فهناك قرارات تنص علي ألا يبدأ في تعلم اللغات الأخري، إلا بعد سن معينة حتي لا تزاحم لغته الأم، وهناك أيضا اجراءات حيال تعدد مدارس اللغات، ونسبة اللغة العربية والمواد التي تدرس بها بين مقررات هذه المدارس، فضلا عن ضرورة العمل علي تعريب التعليم في الكليات التي تستسهل التعليم باللغات الأجنبية.
عملية التعريب
معني ذلك أنك توافق علي تعريب تدريس العلوم؟
- نعم.. وحتي إذا لم تكن عملية التعريب ممكنة علي نحو كامل في الوقت الراهن، أو في وقت قصير، فيجب أن نجعلها هدفا قوميا وعلميا بعيد المدي، واجب التحقيق وأن امتد به الوقت!!
قد يقول البعض أن هذا يحد من اتقاننا للغة الأجنبية التي هي لغة العلم الحديث؟
- أن تعريب التدريس، وتعريب العلوم، واتقاننا للغتنا، وتحدثنا بها، ليس مضادا بأي حال لاتقاننا للغات الأجنبية، أيا كان عددها، فهذا أمر، وذاك أمر آخر، بل انني من الذين يحدون علي ضرورة اتقان لغة أجنبية أو أكثر لمن يريد أن يرتقي في مجال تخصصه، حتي وإن كان هذا المجال هو اللغة العربية.
وهنا أطالب - اكمالا لعملية تجفيف منابع الخطأ - بتقديم الرسائل الجامعية في كل كليات الجامعة باللغة العربية حتي ولو كانت في أقسام اللغات الأجنبية، وضرورة انشاء جهاز أو مكتب في الجامعة، مهمته الاشراف علي مراجعة تلك الرسائل، والاطمئنان إلي سلامة كتابتها باللغة العربية، كتابة صحيحة.
دور المجمع الخالدين
يبقي أن نتحدث عن دور المجمع، كمؤسسة معنية بشأن اللغة في هذه القضية المجتمعية؟
- يجب الاعتراف بصدق التشبيه الذي يحمله المثل الشائع والقائل: أن اليد الواحدة لا تصفق وحدها!! أعني أن المجمع إحدي مؤسسات الدولة المعنية باللغة العربية نشرها والحفاظ علي مستواها، واحسان التعامل بها.
ولكن منذ نشأة المجمع حتي الآن لم نر له الدور المنوط به تأديته تجاه الحفاظ علي اللغة وسلامتها فماذا أنت قائل؟
- يجب أن نعلم أن المجمع جهة مهمتها التخطيط وابداء المشورة في المقام الأول، ومن أجل ذلك فإن لجان المجمع المختلفة تعمل في اعداد مجموعة كبيرة من المهاجم في التخصصات المختلفة، كما تعمل لجان المجمع علي النقاط الأساليب والتعبيرات التي يمكن أن تدرج في الفصحي، ونتبناها، وتدفع بها إلي ساحة الاستعمال الصحيح.
كما يعمل المجمع أيضا في مجال تحقيق التراث ونشره ، وكذلك في متابعة مسيرة اللغة العربية في مؤسسات التعليم.
ما البرهان علي ذلك، علي مستوي الواقع الذي نعيشه؟
- لكي تؤتي جهود المجمع أكلها، يجب أن يقوم التواصل بينه وبين مؤسسات التعليم، ومؤسسات الاعلام، وشتي المؤسسات التي يعنيها الارتقاء بمستوي الفصحي. ولكن دعيني أن هذا التواصل ليس علي ما يرام، بل لعله لم يتحقق بنسبة مرضية حتي الآن، وسأقول لك شيئا علي مسئوليتي الخاصة، وهو أنني عندما شرفت بعضوية المجمع منذ ثلاث سنوات، فانني حملت معي مشروعا أراه جريئا لتدعيم وتقوية أواصل الصلة بين المجمع، وبين كل المؤسسات التي يعنيها اللغة العربية سواء التي تتعامل بها أو التي تسعي علي الحفاظ عليها، والارتقاء بها، ومن بين مقترحاتي في هذا المشروع تكوين ما أسميه جماعة أصدقاء المجمع والتي أتصور أن عليها السعي إلي عملية طرق أبواب مؤسسات التعليم والاعلام والاعلان، وسائر المؤسسات المعنية بالعربية لمساعدتها في تحسين مستوي العربية فيها.
تصور صادم
ألا تري أن أعضاء المجمع علي مر السنوات يعيشون في برج عاج، بعيدين تماما عن المجتمع بمؤسساته العلمية وهذا ما يقف علي النقيض من مشروعك الذي تحلم به؟!
- ان هؤلاء الزملاء يقومون بنشاطهم في لجان المجمع، واجتماعاته المختلفة، ظنا منهم أنهم يعدون الوظيفة التخطيطية والاستشارية المنوطة بالمجمع، وأن مشروعي الذي أحدثك عنه يعد من زاوية النظريات التي يتبنونها نوعاً من التصور الصادم، لأنه يحاول زحزحة المجمع عن التشبث بوظيفة التخطيط، وتقديم المشورة، وجره إلي النزول إلي المجتمع ومؤسساته التعليمية والاعلامية، وشتي المؤسسات التي يجب التعامل فيها بالعربية لنتحسس عن قرب وعلي نحو مباشر مشاكل العربية، بل انني اقترح قيام المجمع بمتابعة برامج تعليم اللغة العربية في مستويات التعليم المختلفة، ومتابعة الاعلاميين، ومحو الأمية العامة للمواطن الذي لم يصبه الحظ من التعليم، ومن ثم محو الأمية اللغوية لدي هذا المواطن، وقد يصل الحلم إلي حد المساعدة في صياغة نماذج المراسلات الرسمية للمصالح الحكومية وتصحيح الكثير من الأخطاء فيها، إلي جانب ما أسميه تجفيف منابع الخطأ.
ألا تري أن الابداع بعيد تماما عن فكر أعضاء المجمع لحل هذه القضية الأزلية؟
- لا أوافقك علي دعوي إبعاد الابداع من تفكير أعضاء المجمع، بل لعلي أتحفظ علي طريقة السؤال، ولكن ما يبدو في الظاهر، وكأنه بطُ في الحركة، وابتعاد عن اقتحام المشاكل المجتمعية التي تمس اللغة، كل هذا في الحقيقة مرجعه التصور القديم لمهمة المجمع، التي تقتصر علي التخطيط وبذل المشورة والنصح.
ما تقوله ليس له رد فعل ايجابي في واقعنا التعليمي والثقافي وأخيرا أين دور المجمع؟!
- أنت تتحدثين عن دور المجمع، وأنا أتصور أن آثار جهوده يمكن أن تظهر في مدي قريب، كأنك تتحدثين مثلا عن تشغيل جهاز تكييف، نشعر بأثره في تبريد الجو بعد دقائق، فعمل المجمع له أبعاده العلمية والتخطيطية والمجتمعية، وغيرها من الأبعاد التي تؤثر في مدي الاستجابة بمقترحات هذه المؤسسة.
نحن بصدد الحديث عن دور مؤسسة عمرها الزمني أكثر من ثمانين عاما ومع ذلك لا نري لها دورا ملموسا في المجتمع، حيث أنها تضم كوادر معزولة تماما؟!
- ما تتصورينه عزلة، انما هو الطابع المميز للدور المنوط بهم، لطبيعة عملهم، ولك أن تعلمي أن في كل توصيات مؤتمرات المجمع السابعة، كان المجمع يبلغ قراراته لوزير التعليم العالي الذي يفترض انه سيبلغها للجهات العلمية التي تقوم بالتنفيذ، وأنت تعلمين ما الذي يحدث في مصر حين يبلغ قرار غير ملزم من مسئول إلي مسئول ليبلغه إلي مسئولين ليبلغوه بدورهم إلي جهات يفتقد أكثرها الحماس لهذا الدور المعنوي الذي تلعبه اللغة في حياة المجتمع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.