الحضارة الفرعونية التي علمت العالم تُداس بالأقدام. يحدث هذا في عاصمة النور »باريس« وفي أشهر جامعاتها »السوربون« ومنذ عام 1875 وحتي يومنا هذا، يتكئ تمثال يجسد العالم الفرنسي الشهير جون فرانسوا شامبليون (1790 ذ 1832) بإحدي قدميه علي رأس فرعوني يعتقد أنه للملك إخناتون. التمثال المهين نحته المثال الفرنسي المعروف فردريك أوجست بيرتولدي، ويقع في باحة الكلية الفرنسية بالجامعة العريقة التي زارها وتخرج فيها آلاف من أبناء مصر والجاليات العربية، وظل في مكانه هذا طوال هذه السنوات، دون أن يثير أي مشكلات إلا قليلاً، بسبب بعض من انتبه إلي دلالته المسيئة لتاريخ مصر قبل نحو 20 عاماً، قبل أن تنفرط عناقيد الغضب لدي أبناء الجالية المصرية في فرنسا، وتصدح أصواتهم مطالبة الحكومة الفرنسية بإزالة التمثال وتنطلق من بعدها، وتحديداً في بدايات العام الجاري، مسيرات ووقفات احتجاجية، وُوجِهت جميعها بالصمت من الجانب الفرنسي، ولم يكن رد الفعل المصري ممثلاً في السفارة المصرية بباريس أفضل حالاً! الأزمة التي انفجرت مجدداً بعد سنوات من الصمت، كان سببها »هشام جاد« وهو فنان مصري يقيم في باريس منذ 23 عاماً، استفزه التمثال المسيء حين زار جامعة السوربون في 7 فبراير 2012، فأخرج كاميرا الفيديو الخاصة به وصوراً فيلماً قصيراً، بثه علي موقع »يوتيوب« الإلكتروني، مع تعليق صوتي قال فيه: »إن هذا التمثال لا يليق بأعظم حضارة عرفتها البشرية.. ولابد من أن تتدارك الحكومه الفرنسية هذه الإهانة البالغة للإنسانية ممثلة في الأم مصر«، وما إن رفع الفيلم علي الموقع حتي أثار مشاعر غاضبة لدي قطاع عريض من المصريين حول العالم، كون التمثال يمثل إهانة للتاريخ المصري وملوك الحضارة الفرعونية. وقال جاد في تصريحات ل»أخبار الأدب«: أرسلت نسخه من الفيلم إلي المستشارة الثقافية في باريس الدكتورة أمل الصبان، والتي قررت بدورها وقتذاك رفع الأمر إلي السفير المصري في باريس.. ولكن دون جدوي، فلم يحدث جديد ومازالت القضية مفتوحة. »فردريك أوجست بيرتولدي«، هو اسم الفنان الذي نحت هذا التمثال. وُلد في مدينة »كولمار« الفرنسية في 2 أغسطس عام 1834 وتوفي في 3 أكتوبر عام 1903، ما يعني أنه وُلد بعد وفاة شامبليون بعامين فقط، في حين انتهي بيرتولدي من صناعة التمثال المثير للجدل عام 1863، أي وقت كان عمره 29 عاماً، وقد عُرض هذا التمثال للمرة الأولي في معرض تشكيلي في باريس عام 1875، وبعدها وخلال العام ذاته وُضع في مكانه الحالي في ساحة كلية باريس. وخلال نفس العام أيضاً انضم بيرتولدي إلي الماسونية العالمية في باريس. ويحمل التمثال عبارة منحوتة علي الرأس الفرعوني ترجمتها بالعربية »أنا من أجل مصر ومصر من أجلي«، وهي العبارة الشهيرة التي كان بالفعل يرددها شامبليون، من فرط عشقه بالحضارة والآثار الفرعونية، ولا يختلف أمر العشق لمصر كثيراً لدي النحات بيرتولدي، الذي كان مهتماً هو الآخر بعلم المصريات. أما المفارقة العجيبة فتكمن في أن صانع هذا التمثال الذي يجسد نظرة استعلائية استعبادية، هو ذاته صاحب أشهر تمثال في العالم يدعو إلي الحرية.. وهو »تمثال الحرية« القابع في العاصمة الأمريكيةنيويورك، والذي كان مقرراً وضعه في مدخل قناة السويس ليظهر للمرة الأولي في حفل افتتاح القناة عام 1869، لولا اعتذار الخديو إسماعيل وقتذاك عن عدم قبول فكرة هذا المشروع، نظراً لتكلفته الباهظة، وقد صمم بيرتولدي تمثال الحرية، بينما صمم هيكله الإنشائي جوستاف إيفل مصمم برج إيفل، الذي يزين العاصمة الفرنسية باريس. بداية التحرك لرفض تمثال شامبليون المسيء، انطلقت قبل أشهر قليلة علي يد بعض المصريين والعرب المقيمين في فرنسا، والذين ربما لم يكن لديهم علم بحقيقة هذا التمثال القابع في مكانه هذا منذ 138 عاماً! حيث نظم بعضهم وقفات احتجاجية للتعبير عن رفضهم للتمثال. وفي حين، أصدرت حركة »6 إبريل فرنسا«، بياناً دانت فيه التمثال ووصفته ب »الفعل المشين«، والمهين للتاريخ المصري وحضارة المصريين، دشن ناشطون مصريون في فرنسا صفحة علي موقع »فيس بوك« بعنوان »حملة لا للتمثال الفرنسي المسيء« هدفها جمع أكبر عدد من توقيعات المصريين في الداخل والخارج لرفض وجود تمثال شامبليون في فرنسا. وتبنت القضية وقتذاك الدكتورة جيهان جادو رئيس الرابطة الدولية للإبداع الفكري والثقافي بباريس، ووعدت ببذل قصاري جهدها لإبلاغ الأمر إلي المسئولين في مصر وفرنسا لعمل اللازم تجاه هذا التمثال المسئ، وأكدت »لن نرضي إلا بإزالة التمثال وتقديم الجهات الرسمية في فرنسا اعتذاراً رسمياً لمصر«. وأرسلت جادو، التي اختيرت أخيراً لمنصب سفيرة النوايا الحسنة للجنة الدولية لحقوق الإنسان، خطاباً في صورة »التماس« إلي الدكتورة أمل الصبان المستشار الثقافي لسفارة مصر في باريس، جاء فيه: »نلتمس من سيادتكم اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه التمثال المسيء لنا جميعا نحن أبناء الجالية المصرية بفرنسا.. تمثال شامبليون الموجود أمام (كلية دي فرانس) وأحد مداخل السوربون، والذي يُجسِّد شامبليون وهو يضع قدمه علي رأس فرعوني مكسور، مرجح أن يكون للإله إخناتون«. وقالت جادو في تصريحات خاصة ل»أخبار الأدب«: لابد من شن حملة موسعة للضغط علي المسئولين الفرنسيين للتحرك، وهذا لن يأتي إلا بتحرك قوي من الدبلوماسية المصرية في باريس، وكذا وزارتا الثقافة والآثار في مصر، مشيرة إلي أن الدكتورة أمل الصبان أكدت أنها ستبذل قصاري جهدها لإيجاد حلول للمشكلة عبر التواصل مع الجهات المختصة. وتابعت جادو: أبناء الجالية المصرية من الشباب في حالة غليان، وينتظرون تحركاً فعَّالاً في هذه المسألة، لأنهم لا يريدون تخطي الجهات العُليا المسئولة، وهم علي أهُبة الاستعداد للخروج في تظاهرة حاشدة للتعبير عن غضبهم، كما أن الجاليات العربية في باريس تتعاطف معنا في هذه القضية، مؤكدة انحن علي تواصل دائم مع المكتب الثقافي في باريس لمتابعة المستجدات، ونأمل أن تئول جميع الجهود إلي إزالة هذا التمثالب. وفي حين لم تتمكن »أخبار الأدب« من التواصل مع وزير الثقافة الجديد الدكتور علاء عبدالعزيز، الذي يواجه أزمة منذ توليه المنصب، علي خلفية اعتصام بعض من الأدباء والمثقفين داخل مقر الوزارة مطالبين بإقالته رداً علي ما وصفوه ب »مخطط أخونة الثقافة المصرية«، كان وزير الثقافة السابق الدكتور محمد صابر عرب، قبل من التشكيل الوزاري الأخير، وعدنا بمعالجة المشكلة، وقال: »سألجأ بشكل شخصي إلي التواصل مع بعض أصدقائي في باريس للتعرف علي هذا التمثال، وهذا لا يعد إجراءً سياسياً، بقدر ما يجب حل المشكلة بالتفاهم والحوار وفتح قنوات للتواصل في هذا الشأن مع الجانب الفرنسيا، لكن يبدو أن يمهله الفرصة لتحقيق وعده، وبقيت المشكلة قائمة.. وكذا التمثال! (غضب الآثاريين) التمثال المسيء لمصر أثار غضب علماء الآثار المصريين، واعتبروه إهانة للتاريخ المصري القديم والحديث، ولا يليق أبداً الاحتفاء بشامبليون بهذه الطريقة المهينة حتي لو كان صاحب الفضل في فك رموز اللغة المصرية القديمة التي سجلها أجدادنا علي حجر رشيد، كما انتقدوا بيع آثار بلادنا في عواصم العالم الغربي، وكذا وضع صلبان ونجوم سداسية وبوصلات اتجاه الريح علي رؤوس المسلات الفرعونية التي تزدان بها العاصمة الإيطالية روما وباريس. يقول د.عبدالحليم نورالدين عميد كلية الآثار جامعة مصر: لست مع هذا التصور الذي بناء عليه قام الفنان »بيرتولدي« بصناعة تمثال شامبليون المسيء، فشامبليون أعلن عن فك رموز حجر رشيد في نفس المكان بالكلية الفرنسية في جامعة السوربون عام 1822 وهو نفس المكان الذي وضع فيه التمثال عام 1875، لافتاً إلي أن المصريين يقدرون الدور الذي قام به شامبليون في فك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة، وقد تم الاحتفاء به من خلال وضع اسمه علي أحد شوارع القاهرة والأسكندرية، ولكن هذا لا يعني أبداً أن يكون المقابل هو تمثال يطأ بإحدي قدميه رأس تمثال فرعوني يرمز للحضارة المصرية. وأكد نور الدين في تصريحات ل »أخبار الأدب: لا يوجد تحرك دبلوماسي في هذه القضية منذ أعيد فتحها مؤخراً، ولكني أعتقد أن طرح الموضوع وتناول القضية إعلامياً ربما يشكل ورقة ضغط علي الجانب الفرنسي لإزالة التمثال، لافتاً إلي أنه سبق وطرح قضية هذا التمثال وعبَّر عن استيائه منه في أحد المؤتمرات المتخصصة في باريس، وناقش الأمر مع آثاريين فرنسيين، وكان مبررهم أن التمثال يعبر عن هيمنة شامبليون علي اللغة عبر فكه رموز اللغة المصرية القديمة، لكنه قال لهم وقتذاك إن هذا التمثال يمثل إهانة للكرامة المصرية وفيه عبودية، مهما كان حسن النية. (بيان الأثريين المصريين) وتابع عالم المصريات الشهير: أصدرت بياناً لإدانة هذا التمثال من اتحاد الأثريين المصريين الذي أترأسه ولكن دون جدوي، لكنني أعد بفتح الموضوع مع وزير الآثار الجديد أحمد عيسي، إلي جانب التواصل مع السفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، في محاولة لإزالة هذا التمثال. وفي سياق ذي صلة، وفي ما يتعلق بالآثار التي تباع في الجاليرهات الفرنسية وعدد من الدول الأوروبية، تُهرب إلي خارج حدود مصر من خلال عصابات محلية ودولية، قال نورالدين: االحل الوحيد هو أن تشتريها مصر لأن فرنسا دولة تبيح تجارة الآثارا. إلي ذلك، حصلت »أخبار الأدب« علي نسخة من بيان اتحاد الأثريين المصريين في شأن تمثال شامبليون والذي كشف أيضاً عن إهانة آثار مصر عموماً في بعض دول العالم، وجاء في البيان: إذ نعترف جميعاً بفضل شامبليون وغيره في فك رموز الكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية) وقد عبَّر المصريون عن ذلك بتسمية أحد الشوارع في وسط مدينة القاهرة وكذلك في العاصمة الأسكندرية باسم شامبليون ومن حق فرنسا أن تمجد هذا العالم الفذ كأحد أبناءها، لكن ليس من حق أحد أن يُمثل شامبليون في تمثال ضخم يطأ بأحد قدميه رأس أحد ملوك الفراعنة وهو ما يمثل إهانة للحضارة المصرية ولأحفاد المصريين القدماء. وتابع البيان: نرجو أن يُعاد تشكيل رأس الملك لتبدو مجرد كتلة حجر ويمكن وضع بعض العلامات الهيروغليفية حرصاً علي مشاعر المصريين في مصر وفي فرنسا وفي كل مكان والشئ بالشئ يُذكر، فلو تفحصنا ميادين مدينة روما لوجدنا أنها تزدان بحوالي 13 مسلة مصرية نقلت في عصر الرومان وفي عصور تالية وتعلو القمة الهرمية لهذه المسلات صلبان أو النجمة السداسية (نجمة داوود) أو علامة تبدو كبوصلة أو تشير إلي اتجاه الريح وهو أمر غير مقبول، لأنه لا صلة للمسلة بالمسيحية ولا باليهودية ولا بأية ديانة أو وظيفة متعلقة باتجاه الريح، وإنما هي رمز من رموز إله الشمس في مصر القديمة، وهي تبدو كهريم صغير، وليس من حق أحد أن يُغير من وظيفة المسلة التي أبدعها المصريون القدماء، فهل يجوز أن نضع في مصر أو في تركيا أو في أي مكان في العالم الإسلامي حيث توجد المسلات هلالاً فوق قممها، وبذلك نربط بين المسلات وبين الأديان السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام)! (حرية الإبداع) في حين يؤكد الدكتور علي شاهين عميد كلية الآثار السابق في جامعة القاهرة، أن اللوم في هذا التمثال المسيء لا يقع علي شامبليون كونه كان عاشقاً للحضارة المصرية القديمة، وله الفضل في فك رموز لغتها، ولكن المشكلة في المفهوم الأوروبي لحرية الإبداع، فربما ذ من الناحية الفنية ذ وقت صناعة هذا التمثال كان المقصود به ترويض شامبليون للغة المصرية القديمة، بينما هذا المفهوم يختلف الآن، ومن هنا لن يفيد تدخل الجهات الرسمية في فرنسا لحل هذه المشكلة، وهذا ما يجب وضعه في الاعتبار أثناء التعامل مع هذا الموضوع. ويشير شاهين إلي ضرورة مخاطبة الجانب الفرنسي بنفس مفهومه عن الإبداع، فإذا كانت فكرة التمثال تجسيد للسلطوية الفرنسية ضد المصريين نقول لهم إن هذا مسيء لحضارتنا ويجب إعادة النظر في هذا التمثال، ويمكن حال تفهم الجانب الفرنسي لهذا الأمر أن نطالب بنقل التمثال إلي مكان منزوِ، بحيث لا يكون واضحاً بهذا الشكل الموجود عليه الآن أمام آلاف الطلاب والزائرين لجامعة السوربون، مع وضع لافتة عليه توضح أنه لا يمثل إهانة للمصريين أو حضارتهم العريقة، وأعتقد أن هذا الحل سيكون مُرضياً لكلا الطرفين المصري والفرنسي، وبخاصة أن الفرنسيين مولعون بالتاريخ والحضارة المصرية، كما أن هذا التمثال هو جزء من التراث الحضاري لفرنسا، ومن الصعب أن توجه دولة دعوة إلي دولة أخري تطالبها بتحطيم جزء من تراثها. (تحركات قانونية) وفي تطور لافت لأزمة التمثال المسيء، انطلقت بعض الأصوات المنادية في الآونة الأخيرة باللجوء إلي القضاء الدولي لحسم هذه المشكلة بالطرق القانونية. ما دفعنا لاستطلاع رأي خبراء في القانون الدولي للتعرف علي الخطوات القانونية التي يمكن أن يتخذها الجانب المصري لإنهاء هذه المشكلة. يري الدكتور جميل حسين أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام وعميد كلية الحقوق في جامعة بنها، أن هناك مجموعة من الخطوات القانونية التي يمكن اتباعها حيال التمثال المسيء في فرنسا، ولكن في الحقيقة تحتاج المسألة إلي تدخل واضح من جانب وزارة الخارجية المصرية، لأن تحريك دعاوي قضائية في فرنسا، أو تقديم شكاوي إلي منظمة الأممالمتحدة، يستلزم أولاً تحرك الخارجية في هذا السياق، ومثل هذه المسألة قد يُنظر إليها من أبعاد أخري، فقد يؤثر تحرك من هذا النوع علي مصالح مصر مع فرنسا، لذا يتطلب الأمر تمهيداً دبلوماسياً، من خلال التنسيق بين الجهات المصرية المعنية، مثل وزارة الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء، لدراسة كيفية التحرك. يضيف الدكتور جميل، الحاصل علي الميدالية التقديرية العالمية للخدمات الجليلة للبشرية جمعاء من إنجلترا: تبدأ الخطوات الدبلوماسية بتوجيه وزارة الخارجية المصرية تحذيراً إلي الجانب الفرنسي قبل تحريك الدعوي القضائية، وتطلب في هذا التحذير ضرورة إزالة التمثال المسيء، وإذا لم يستجب الجانب الفرنسي، يتم اللجوء إلي القضاء الثلاثي (يضم الجانبين الفرنسي والمصري والتحكيم الدولي) بحيث نطلب تحكيماً دولياً في هذه القضية مع فرنسا، أو علي الأقل نلجأ إلي الأممالمتحدة من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة. ويؤكد الدكتور جميل عدم قدرة مصر علي تصعيد القضية إلي مستوي المحكمة الجنائية الدولية، من منطلق أن هذا التمثال يجسد حالة ازدراء للشعب المصري لا يقل من وجهة نظره عن ازدراء الأديان، لأن مصر ليست طرفاً في هذه المحكمة، حيث لم تنضم مصر بعد إلي ميثاق إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في روما. وحال فشل المحاولات الدبلوماسية في إنهاء الموضوع يري الدكتور جميل أن الحل الوحيد يكون في الضغط الشعبي، وهنا يبرز دور الإعلام المصري في طرح القضية وتوعية المصريين بها بما يساعد في تشكيل ورقة ضغط علي الحكومة والوزارات المعنية فيها مثل الثقافة والآثار والخارجية حتي تتحرك بشكل قوي. (التحكيم الدولي) أما د.إبراهيم أحمد، أستاذ القانون الدولي في جامعة عين شمس ورئيس الغرفة العربية للتوفيق والتحكيم الدولي، فيقول: لا شك أن هذا العمل الذي قامت به فرنسا يعتبر إهانة للحضارة المصرية التي هي من أعظم حضارات العالم وأعلاها شأناً، ويمثل هذا التمثال اعتداء علي مصر واستهانة بالمصريين عموماً، الممتد عطاؤهم الحضاري علي مدي التاريخ، ومن هنا يجب إزالة هذه الإهانة من جانب الحكومة الفرنسية، كون هذا التمثال يمثل اعتداء مستمراً وهو ما يوصف في القانون بأنه جريمة مستمرة لأنه ثابت في مكانه (في ساحة جامعة السوربون) من العام 1863، أي منذ ما يزيد علي 150 سنة، كما أنه اعتداء علي القيم والموروثات الحضارية التي لا ينكرها أحد، وهذا يعتبر مخالفاً لاتفاقية اليونيسكو التي أبرمت عام 1972، ومصر عضو في هذه الاتفاقية وكذا فرنسا من أهم الدول الأعضاء، وهذه الاتفاقية تحرم الاعتداء علي أي قيم أو موروثات تاريخية لها قيمة أو المساس بها بأي صورة من الصور. وفي شأن التحرك القانوني يوضح الدكتور إبراهيم: يتم التعامل مع هذه المشكلة كأي مشكلة بين دولتين أعضاء في الأممالمتحدة، وفقاً لميثاق الأممالمتحدة الصادر في العام 1945، ويقضي بأن المنازعات بين الدول يتم حلها بطريقتين: الوسائل السلمية والوسائل غير السلمية (الحربية)، ووسائل تسوية النزاع سلمياً تشمل المفاوضات والوساطة والمساعي الحميدة والتوفيق والتحكيم. ويبدأ الأمر في كل الأحوال بإجراء اتصالات دبلوماسية بين البلدين للمطالبة بإنهاء هذه المشكلة وإيقاف الاعتداء علي القيم والحضارة المصرية، وهنا يكون دور وزارة الخارجية المصرية، ويمكن أن يتبع ذلك وسيلة أخري مثل إجراء مفاوضات بين الجانبين، بحيث يتم تشكيل لجنة من الدولتين للجلوس معاً والتوصل إلي محاولة تسوية سلمية للمشكلة تكون مرضية للطرفين، ويمكن هنا دخول طرف ثالث في هذه المفاوضات يبذل »مساعي حميدة« للوصول إلي نفس الهدف، أو اللجوء إلي »الوساطة« عن طريق وجود وسيط بين البلدين في حالة صعوبة التفاهم المباشر فيما بين الدولتين المتنازعتين، وهناك أيضاً ما يعرف بسأسلوب التوفيقس في حالة وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر، ويتم من خلال اتفاق الطرفين علي شخص (أو أكثر) اسمه زالمُوفقس يقوم بجولات مكوكية إلي البلدين لتقريب وجهات النظر. أما الوسيلة الأخيرة بحسب الدكتور إبراهيم - فهي اتفاق الطرفين المتنازعين علي اللجوء إلي التحكيم، بحيث يتم تشكيل هيئة تحكيم بالاتفاق بين الطرفين توازي المحكمة ويعرض عليها كل طرف وجهة نظره، وكل طرف يبدي أسانيده وأوجه دفوعه وما لديه من وسائل إثبات لحقه، وفي النهاية وبعد سماع الطرفين لهيئة التحكيم، تقوم الأخيرة بإصدار حكم يكون ملزماً للطرفين.