د.ىحىى الرخاوى للشعور بالذنب قصة طويلة مصاحبة لظهور الوعي عند الكائن البشري، وله خلفيات عميقة وعريقة، قديمة، وحديثة، من أول خروج آدم عليه السلام وأمنا حواء من الجنة حتي صلب سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام، ثم مقتل الحسين رضي الله عنه...الخ، ثم زادت وفاضت المسألة حين أضيف إلي ذلك عملية خبيثة مصنوعة ومغرضة هي »التأثيم« وهي بمثابة صناعة الذنب وإقحامه علي من لا ذنب له، مثل زعم الهولوكوست، الذي وظفوه لتمكين أهل الظلم من أصحاب الحق ثم تداعيات ومضاعفات مؤامرة البرجين (11سبتمبر).. الخ. كتبت كثيرا في هذا الموضوع، لأبين للناس ومرضاي خدعة توهم ذنب لم يقع أصلا، وكذلك تصور من يقر بالذنب أنه نال العفو بلا قيد ولا شرط، فيمضي إلي ذنوب جديدة بلا ألم حقيقي أو تغير، كما علمنا مولانا »النفري« وهو ينقل لنا استلهامه من ربنا وهو يقول له في موقف »الصفح الجميل«: »لا ترجع إلي ذكر الذنب فتذنب بذكر الرجوع«،»وأن ذكر الذنب يستجرّك إلي الوجد به، والوجد به يستجرّك إلي العود فيه« علي أن الشعور بالذنب هو أعمق من مجرد تذكر ذنب معين والاستغفار له، إذْ يبدو أنه أصل غائر في الوجود البشري كما يتجلي الإبداع، نستمع أولا إلي صلاح جاهين وهو ينهي قصيدة »المرافعة« قائلا : »دفاعي بسيط، كلامي ماهواش غويط ، ماهواش عبيط. بسيط، بساطة هدوم الغلابا الفقاري الحُفاه. ...سيادي الحدادي اللي حايمه علي رمِّتي، حأقول كلمتي لكن قبل ما انطق واقول كلمتي، قولوا انتوا ..إيه تهمتي« في حين يغوص بالمسألة نجيب سرور ويرجعها إلي أصلها قائلا: »خطايانا علي أكتافنا صلبان ، ولكن فيم أذنبنا؟ لماذا دون ما ذنب تعذبنا ؟ خطايانا - ويا للعار - أنا من بني الانسان .الينا أيها النسيان ..فليس لخاطئين بغير ما ذنب سوي النسيان« أما سارتر، فهو يجسدها في مسرحية »الذباب« هكذا: »انني أندم يا إلهي .. وابنتي أيضا نادمة، وصهري يضحي كل عام ببقرة، وحفيدي يناهز السابعة، وقد ربيناه علي الندم، إنه عاقل كالصورة، وهو ممتليء بشعور الخطيئة الأصلية« وفي ديواني »سر اللعبة«، وهو عرض تشريحي للنفس، في الصحة والمرض، قلت: »كانَ عليَّ أن أضغط روحي حتي ينتظمَ الصفْ، فالصفُّّ المُعْوَجُّ خطيئهْ، حتي لو كانت قبلتنا هي جبل الذهب الأصفرْ، أو صنم اللفظ الأجوفْ، أو وهْج الكرسِيِّ الأفخمْ وفي نفس الديوان تفسير لمواصلة فعل الانكار بالقهر قلت: »وصعدت إلي جبل الوحدة أنحتُ في حجر الصبر أداري سوأة فعلي ووضعتَ الصخرةَ فوق الصخرهْ وبنيت الهرم الأكبرْ، علَّ السخرةْ، تغفرُ ذنبي لماذا كل هذه الذنوب الوهمية منغرسة هكذا في عمق وعي البشر؟ حين كتبت ديواني سر اللعبة كنت أحاول أن أجيب علي هذا السؤال في المقدمة قائلا: »ألقيت بحيّاتِي السبعهْ تلتقطُ الديدانَ المرتجفةَ في أيديهمْ وحملتُ أمانة عمري وحدي وشهرتُ السيفَ أكفّر عن ذنبي الوهميّ « أما كيف قدمت هذه القضية للأطفال في أراجيزهم، وما هو البديل عن الشعور بالذنب، وما هو عكس الشعور بالذنب، وأين يقع الذنب في حياتنا الآن : كيف ثم ماذ؟ فلهذا حديث قادم.