يعرف علم الاجتماع الأسطورة بأنها طفولة التاريخ، والحقيقة أن هذا التعريف وافقه الصواب إلي حد بعيد، فالأسطورة تتصف بالبراءة والبساطة إلي حد السذاجة، ومع ذلك فإنها أحد مصادر كتابة التاريخ الكلاسيكية، وندين لها بالكثير والكثير من المعرفة التاريخية عن عصور سحيقة في القدم. ليس في مصر فقط بل في سائر الأمم التليدة. ولا يعرف التاريخ المصري القديم اسطورة أكثر عمقا في التاريخ الإنساني وأكثر تأثيرا علي حياة المصري القديم من أسطورة أوزيريس، والتي تمثل الصراع الأزلي والأبدي بين الخير والشر، ونجد أن المعبودات فيها تشبهوا ببني الإنسان، فهم يتعاملون ويحبون ويكرهون، ومن ثم فقد خلع عنهم في ذلك الرداء الذي يجعلهم بعيدين عن متناول يد الإنسان، وألصق بهم صفات لا تتفق مع جلالها وعظمتها، ولعل في سرد الخطايا الأخلاقية الكبري لتلك المعبودات الأقرب للبشرية أو المؤنسنة، كذا علي أن تقديس المصري القديم لتلك المعبودات لم تصل لحد التنزيه. كما لا يمكننا أن نعتبر كثرة المعبودات إلا دليلا علي أنها مظاهر متباينة وتجليات لإله واحد (كزهرة الأوركيد متعددة الأطياف) ولكن معرفته كان يجب أن تمر بمراحل ثلاث : التعددية ثم التميز ثم الوحدانية، ونحن نتحدث عن المرحلة الأولي من تاريخ البشرية (الطفولة). 1 خطيئة القتل تبدأ الأسطورة بمقتل أوزيريس علي يد أخيه ست، أيا كانت طريقة القتل، فتارة تشير النصوص إلي أن ست ألقاه أرضا في أرض "جحستن وفي نصوص أخري في "نديت Ndyt" وتارة إلي إغراقه أو ذبحه في dAt أو نديت التي ربما اشتقت من فعل (ndi ) بمعني يذبخ أو يضرب. وعلي ما يبدو، طبقا لتطور أسطورة أوزيريس أنه قد مات اثنتين : 1 غريقا، وعضدتها فكرة مباركة الغرقي لتشابه مصيرهم بمصير أوزيريس والعديد من النصوص والمصادر وارتباط الغرق بأوزيريس كإله للمياه والفيضان، وترتبط هذه المياه أيضا بمياه العالم الآخر، وقد توحد أوزيريس في صورة المياه العظيمة المستديرة والتي تجعل من دور المعبود كتمثيل للمحيط الأزلي. وربما كانت الإشارة إلي العثور عليه ملقي علي جانبه علي الضفة إشارة إلي إغراق ست له. 2 قتيلا، عندما طرحه أخوه أرضا وقد تم تقطيعه ثم بعثرة أوصاله عن طريق أخيه ست وعضدتها فكرة جمع الأعضاء وتحنيطها. ولا نستطيع أن نحدد الأسباب التي دفعت ست لقتل أخيه هل حقدا وطمعا في سلطان أوزيريس أم لاكتشافه العلاقة غير الشرعية بين أوزيريس ونفتيس والتي أثمرت عن أنوبيس، وخوفا من زوجها ست ألقت بابنها من أوزيريس في الأحراش؟؟؟ وهناك تلقفه إيزيس ورعته. ولقد كان يوم السادس والعشرين من شهر أخت يحظي بسمعة سيئة جدا، وكان ينصح بالامتناع عن عمل أي شئ خلاله، حيث أن حورس وست كانا يتقاتلان فيه، وقد نزلا تحت الماء في صورة فرس النهر، وكانت إيزيس أم حورس تريد أن تساعد ابنها، فأطلقت خطأ رمحها نحوه، وحينها قام حورس بقطع رأسها البشرية. 2 خطيئة الشذوذ في أحد فصول الأسطورة نري قصة أول حالة للشذوذ بين المعبودين حورس وست، فعلي الرغم من معرفة "حورس" بميول عمه "ست" الجنسية الشاذة إلا أنه قبل اقتراح الأخير بالذهاب للنوم معه في منزله، واستغل "ست" وجود "حورس" في فراشه وقام باغتصابه، وبعيد عن التفاصيل الجنسية الكثيرة الواردة في القصة، تنتهي القصة بأن رد حورس بالمثل علي ست، والمغزي من القصة هو محاولة إظهار كل منهما سيطرته علي الآخر، إذن فالشذوذ الجنسي هنا يبدو وعلي وجه الخصوص بمثابة تأكيد للسيادة علي من هو أقل منزله. 3 خطيئة قبول الرشوة وفي فصل آخر من الأسطورة نفسها، قرر المعبود الأكبر "رع حور أختي" أن ينقل محاكمة الفصل بين "حورس" و "ست" علي أحقية ميراث ملك "أوزيريس" والتي وفقا للأسطورة استمرت ثمانين عاما إلي الجزيرة الداخلية، وذلك للنطق بالحكم، وأمر ملامح الجزيرة المعبود "نمتي" بألا يسمح بعبور أية امرأة للجزيرة، ولكن المعبودة "إيزيس" اتخذت شكل امرأة عجوز وطلبت من الملاح أن ينقلها إلي جزيرة حيث يرعي ابنها الماشية، ولكن الملاح قد فطن لماهية المعبودة ومع ذلك قبل عرضها عليه بأن ينقلها مقابل خاتم ذهبي كان في إصبعها، وبعيدا عن السرد القصصي المطول للدور التي قامت المعبودة به بعد عبورها فإننا أمام معبود سال لعابه أمام الذهب، واستغل منصبه لتحقيق مكسب شخصي، وهذا بالضبط التعريف العصري لمصطلح فساد، وقد عوقب علي خطيئته هذه (العقاب يدل علي مدي الرقي في هذه المرحلة) بقطع أصابع قدميه، ورد الذهب. 4 خطيئة السرقة ولقد ثار نزاع بين كل من المعبود "تحوت" مستشار المعبود الأكبر "رع" ومعبود صغير الشأن يدعي "بابا" والأخير كان له سمعه سيئة (بسبب تطاوله بالسباب علي كبير المعبودات" رع" من قبل ) وقد نعت بالفاسق، والعنيف، والفظ، وربما ارتبطت تلك الصفات بوظيفته وهي "جلاد الهالكين"، وقد اتهم "بابا" المعبود" تحوت" أمام مجمع المعبودات بأنه أي تحوت يسرق القرابين الخاصة ب "رع"، وعلي تبرئة تحوت من هذه التهمة إلا أن هناك قصة تؤكد زعم بابا، حيث كان تحوت معبود الليل، وقد عالج الزمن الفعلي بحيث يكون القمر الشهري المعتاد المكون من ثلاثين يوما، وبمثل هذه الوسيلة يستطيع أن يختلس لصالحه القرابين غير المخصصة خلال فترة الزمن التي تعادل الفرق بين الاثنين، وبذا فإن بابا لم يخترع شيئا، (ومفيش دخان من غير نار) كما نقول. وختاما، أتمني أن يكون الهدف من هذه الرؤية قد أضاف بعدا جديدا في تفسير بعض أحداث الأسطورة، ولا ينجرف البعض إلي النظرة السطحية اللاأخلاقية في الأحداث والتي تعمدت عدم الخوض في تفاصيلها بحيث يخرج متهما لأصحاب الأسطورة بالمجون والولع الجنسي، بل يجب تناول تلك الموضوعات الأسطورية تناولا يتسم بتقدير روح العصر الذي عاشت فيه، مع تأكيد ما ذهب إليه جان جاك روسو بأن العصور البدائية أرفع حضارة ومدنية من العصور الحديثة.