مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    قوات الاحتلال تطلق النار على سيارة خلال اقتحام مدينة طولكرم    الجيش الأمريكي: الحوثيون ألقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر الأحمر وأصابوا إحداهما    أحمد فهمي يحتفي بصعود الأهلي لنهائي إفريقيا    الأرصاد تحذر المصريين من طقس اليوم: الأمطار الرعدية والسيول تضرب هذه المناطق    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    بشرى في العرض الخاص لفيلم "أنف وثلاث عيون" بمهرجان مالمو للسينما العربية    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي د.زين عبد الهادي : أنا أسد قصر النيل
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 04 - 2013

قالوا عن الروائي د.زين عبد الهادي إنه أشبه بصانع قطعة فريدة من النسيج الشرقي الثمين , التي تخرج من تحت يديه متقنة بعد جهد لتصبح غير قابلة للتكرار، حتي لتتضاعف قيمتها بمرور الزمن.
تجلت هذه الرؤية لاسيما في روايته الأخيرة (أسد قصر النيل) كإرهاصة مبكرة لعنفوان الواقعية السحرية الجديدة , لذلك يؤكد في هذه الحوارية المسافرة في أعماق هذا العمل الروائي، ان الموهبة هي الباقية، وأن المناصب زائلة.
والسفر في عالم كاتب روائي هو أيضا ترحال في العالم والمجتمع والناس والزمان والمكان والشخص والشخصية وكل العناصر التي تتضافر للتكون: تشكيلا ودلالة.
من أجواء العمل الإبداعي تنطلق التساؤلات، والسؤال ينجب جوابا ، والجواب يستدعي ثقافة الأسئلة..
المشهد والمرآة
لا يمكن أن تبدأ حوارية ما ، خاصة مع مبدع ، إلا وتنظر معه وتناظر وتحدق في المشهد الراهن بتجلياته وتداعياته.. أليس كذلك دكتور زين عبد الهادي ؟
- في ظني أن مصر تقدم للعالم ثورة جديدة بعد أن قدمت منذ عشرة آلاف عام ثورتها الزراعية، علي الرغم من أننا مازلنا نقدم بنجاح منذ سنوات هذا النموذج الفوضوي العبثي الرائع، لكنه ليس نهاية النموذج وانما نحن في بدايته، سنحتاج مجموعة من السنوات لترسيخ النموذج الجديد الذي ستقدمه مصر للعالم، انه سيبني علي الفوضي الهائلة التي يعيشها المجتمع المصري منذ الستينيات، سيبني علي اللامبالاة واللاقانون وعلي حزب الكنبة وعلي القيم التي تم قتلها مرارا وتكرارا وعلي الفساد الذي استفحش، وعلي الدولة التي قدمت بنجاح منقطع النظير وتحاول تقديم النموذج العثمانلي، علي أنقاض كل ذلك سيأتي هؤلاء الذين يمثلون الحزب الأوليجاركي الجديد ( شباب الثورة) ليمنحوا العالم كله نموذجا جديدا لمصر الخالدة التي لن تنسي أبدا أنه منوط بها عبر التاريخ أن تقدم نموذج الدولة الجديدة عبر الحضارات.
من قلب العناء
من هذه الومضات المشهدية ننعطف علي روايتك الأخيرة ا اسد قصر النيلب؟
أن تصدر لي رواية في ظل هذه الظروف، فهذا شئ رائع، لكنها أتت من قلب هذا العناء الذي نعيشه جميعا في هذه اللحظة الفارقة من عمر مصر، ستصدر الطبعة الثالثة منها قريبا بإذن الله، واحتفي بها كثير من الكتاب والنقاد علي رأسهم د. صلاح فضل، ود. حسين حمودة ود. هيثم الحاج علي، ود. محمود الضبع، ومنير عتيبة ود, ثائر العذاري وشوقي يحيي وغيرهم، من ناحية أخري فأنا استعد لطرح روايتي الجديدة في منتصف العام المقبل، وقد كتبت الكثير منها وأنا في ميدان التحرير أو جالسا عند محمد هاشم، لكنها رواية ليست عن الثورة، إنها عن أشكال هذا الكائن الرهيب المسمي الديكتاتورية الذي نخلقه بشكل مستمر مع سبق الإصرار والترصد.
مهموم بالقاهرة
(أسد قصر النيل) رواية ضخمة تتحدث عن المهاد الاجتماعي والفكري للثورة من خلال عالم متخيل أسميته طيبة.. هل هو استعادة أو إستنساخ لمصر؟
لايمكنني ولا أتصور أن أكتب شيئا بعيدا عن مصر، أنا مهموم بالقاهرة تحديدا، مهموم بالخزعبلات التي تسكن المصريين، الأحلام لايحققها الله للجالسين علي المقاهي والمتعبدين في المساجد والكنائس، ولا يحققها للمتربعين علي الكنبة، وانما تتحقق لمن سيتقدم ليحقق أحلامه، حينها يسانده الله، لكن إن كانت الأحلام مرتبطة بفصيل أو حزب أو مجموعة فمآبها الفشل، الأحلام تتحقق إذا كانت للمصريين ، جميعهم بكل ماتحمله الكلمة من معني، تتحقق إذا وسعنا جانبا لأحلامنا الحزبية الضيقة أن تتراجع، تتحقق في أن يكون الجميع أبناء مصر، أما الآن فالكثير من اللقطاء يبحثون عن تحقيق أحلام غير شرعية، أحلام مقضي عليها بالفشل، الكثير لم يقرأ ولم يع التاريخ، ولم يقرأ المستقبل، إنه يقرأ من تجربته الخاصة فقط.
الوهم عشقا
تقول في بداية الرواية جملة ذات دلالة: ا الحياة مجموعة من الأوهام نخلقها لأنفسنا أو يخلقها لنا الآخرونب.. هل تتحدث عن حياة المصريين؟
الوصول للب الحقيقة دائما مرعب ومتعب ومنهك.. أعيش في القاهرة منذ 45 عاما،
عشت في كل أحيائها تقريبا وحواريها وبيوتها، قابلت وعشت مع الكثيرين، المصريون يعشقون الأوهام ، في أنه سيأتي اليوم الذي يتخلصون فيه من كل مشاكلهم، قابلت الكثيرين الذين عاشوا وماتوا بنفس الأمل، أجيال كثيرة حصدها الوهم في أن تتغير الحياة، حصد الوهم أرواح الملايين، ومازال ناثروا الأوهام يعبثون، الوحيدون الذين خرجوا من عباءة الأوهام اشباب الثورةب والبقية مازالوا يرقدون علي وسادة الأوهام، ويأتون بأمراضهم النفسية، سواء من جيل قديم لم يفعل شيئا سوي ترسيخ واحد من أهم مبادئ الحياة في مصر أن ايبقي الوضع علي ماهو عليه»، والجزء الثاني من الجيل ينتظر النفحة الإلهية ويقدم نفسه علي اساس أنه مبعوث هذه العناية الإلهية، الله لايمنحنا ذلك، الله يمنحنا الإيمان به، الله يمنحنا الحب ولايمنحنا الانتهازية، الله منحنا الرسول كقدوة متسامحة عظيمة، ومن جانب آخر منحنا ماكيافيلي، ومنحنا حق الاختيار، لايمكن الوصول للشعب بالماكيافيلية، والرسول منحنا الحب والنصيحة، أما الجهلة وأتباع الأوهام فلن يحصلوا إلا علي الرماد في النهاية. لأننا شعب حكاء
الرواية تكتظ بالشخصيات وتقدم لغة مختلفة، كأنك لاتلقي بالا لدعاوي الاقتصاد في اللغة أو الجمال بها.. ؟
دعيني أقل لك بمنتهي الصراحة، المصريون شعب حكاء، يحب الرواية والحكي، منذ ماقبل التاريخ وسنوحي يلقي لنا بملماته، إنه يحكي ويعيد الحكاية كل مرة بشكل مختلف، اللغة تعبير عن الروح الإجتماعية للشعب المصري، اللغة هي كل مايملكه المصريون، تراثهم البديع الذي تفننوا فيه، الكلمة لها ألف معني، اللغة تعبير عن روح الشعب، أنا أعود للمدرسة البدائية الجمالية، الرواية واللغة تعبير كامل عن روح شعب من الشعوب، يعيش حالة ثنائية، دائما وليس حالة واحدة، فهو يعيش للدنيا ويعيش للآخرة، إن هذه الحالة في دمائهم، وهي ليست حالة مؤقتة تنتهي بالتعليم والثقافة، إنه نسيج عضوي وراثي، يعيدون دائما الحكاية بألف طريقة مختلفة، هذا هو الخيط الأول، الخيط الثاني أننا في لحظة فارقة من عمر الإنسانية اسمها ثورة المعرفة والمعلومات، من يطلع علي اللغة سيجد الكثير من الأفعال الجديدة التي أصبحت تعبر عن ذلك، وهي ظاهرة يرصدها كثير من الأساتذة والأكاديميين، السؤال : هل يمكنني الانفصال عن ذلك؟بصفة عامة لكل منا أسلوبه، نجيب محفوظ بحث عن لغة وسيطة، وهيمنجواي كان مقامرا مشبعا بروح المقامرة فتأتي كتابته من هذه الروح، وابراهيم اصلان ينحت ويختصر ويجرد لأن عمله في التلغراف منحه هذا، فلايمكنه كتابة رسالة طويلة، إنه يسعي لهدفه من أقصر الطرق.أنا أري أن الروح المصرية مزدوجة وحكاءة، لايمكن أن أغض الطرف عن ذلك. الأمر الآخر متعلقة بمفهومي للفن، دعينا ننظر للوحات المدرسة التأثيرية الفرنسية علي وجه التحديد،هل تقدم اللوحة تاريخا نفسيا وعضويا للانسان، بالطبع لا وانما يخرج كل منا بنصيبه من الخيال منها، هكذا أفهم الرواية، أقدم عالما كبيرا ضخما في لوحة، تحتاج إلي أن أضرب بالفرشاة في كل مكان لكي أستطيع قراءة العالم، وعليك بعد مشاركتي قراءتها أن تبتعدي قليلا عنها لكي تستطيعي رؤية العالم الذي قمت بتخطيطه علي الورق، هذه وجهة نظري، بالإضافة لعملي في عالم المعلومات، حيث تصبح قضيتي كلها البحث عن اليقين، وتنظيم الفوضي علي الانترنت، وأري أن المجتمع الذي أعيش فيه يحتاج لهاتين الفرصتين، أحاول عن طريق الرواية أن أقدم رؤية مغايرة للمجتمع.
مشاركة الأفكار
تعتقد ماذا كان يقصد الناقد منير عتيبة أن تلك الرواية ليست للقراءة المسترخية؟
(يبتسم) آه.. منير عتيبة كاتب رائع لم يكتشفه أحد بعد.. لكنه أيضا صاحب رأي نقدي في غاية الأهمية.. الحقيقة أنني لاأريد مناقشة رأي لكاتب لأن هذا يغلق الطريق أمام بصيرة قراء الرواية.. أحترم رأي الجميع ضد أو مع العمل.. لكنني لا أسعي لكتابة رواية تقرأ بغرض الاستمتاع، حتي لو كنت أريد هذا، لكني أريد من القارئ أن يشاركني في الأفكار التي أكتبها، أريده أن يكمل الحكايات الناقصة، أريده ان يبحث في تفاصيل العمل الصغيرة، أن يري الأفخاخ الداخلية، الرواية غابة مظلمة تحتاج من القارئ أن يبحث عن مصابيحها الداخلية. وأعتقد أن ذلك مطلوب الآن، أن يشارك القارئ الروائي في مشقة الإبداع.
الذي هو فتحي السيد
من هو فتحي السيد الذي نسبت إليه أنه كاتب الرواية في الستة الأسطر الأخيرة؟
- (يبتسم مرة أخري).. فتحي السيد بن الصياد بن العبد هذا هو اسمه كاملا، وهو بطل عملي السابق االتساهيل»، وهو بطل بعض رواياتي، وكذلك روايتي القادمة، لأنه الشخص الذي يماثلني في الأدب، أو في كتابة الرواية، أنا زين عبد الهادي أمثل الجانب المنهجي الصارم والجاد، الذي تربي علي المنهج والعلم، أما فتحي فيمثل جانبي الإنساني والسياسي، المثقف الانعزالي الذي تعرض لكراهية الدولة، اعتبريه نوعا من انفصام الشخصية الحميد. حقيقة اخري لقد تعلمت حب الرواية من ألفريد هتشكوك وأجاثا كريستي وألكسندر دوماس الأب والابن وحافظ نجيب وشورلوك هولمز، قبل أن أنتقل لمحفوظ وطه حسين والعقاد، ثم أعود للأدب الغربي كله، هكذا كتاب الرواية البوليسية يحبون البطل الواحد. لكن استخدامي له هنا جاء كتعبير عن المثقف ابن الأسرة المتوسطة الذي يعاني كل مايعانيه المصريون ، والذي يكون اسمه جزءا من التاريخ والحضارة الانسانية التي بناها المصريون.
لكل مقام مقال
تعددت الأصوات السردية أو الرواة في روايتك فماذا كنت تقصد من ذلك؟
كما في الحياة ففي الرواية لكل مقال مقام، أو العكس، الرواية تحتاج في عرفي الأدبي إلي مايعرف ب(كيمياء الرواية) هناك شخصية أقابلها تترك في أثر ما، فأحولها لعدة شخصيات وليس شخصية واحدة، وهناك عدة شخصيات يمكنني صهرهم في شخص واحد، وهناك حالات من الحكي داخل الرواية تحتاج إلي من يسردها لكن ليس الراوي أو الشخصية الرئيسية، ربما يمكن لحيوان أن يقوم بذلك، ويمكن للسارد العليم أن يؤدي هذه المهمة، و كذلك المؤلف الضمني، ويمكن كذلك للكاتب نفسه ودون أي ادعاء. إنه الموقف الروائي الذي يحكم علي الروائي بأن يقدم حلولا من نوعية تعدد الأصوات، كحيلة فنية في المقام الأول، ولأسباب كثيرة أخري يمكن ببعض التمحيص في العمل أن يكتشفها القارئ.
الإبنة المخلدة
احتار البعض في مدي إمكانية تصديق الأشخاص والوقائع في تلك الرواية نصدقها تارة وتارة أخري نشعر أنها غير ملموسة فلماذا كانت تلك الحيرة؟
دعيني أطرح عليك أنا سؤالا: ما هو الواقع؟هل هو كل ملموس؟ ولماذا إذن يمتلئ الواقع بالعديد من الأشياء والأشخاص والأفكار غير الملموسة.. سأجيبك.. لأن الواقع قد يتم تخيله.. والخيال يمكن مزجه بالواقع.. بمعني آخر الرواية هي الابنة المخلدة للخيال الإنساني.. بعض البشر يعيشون حياتهم مع أشياء وأشخاص في أحلامهم.. يعيشون من أجل أن تأتي تلك اللحظة التي تتحقق فيها أحلامهم.. كثير.. مليارات من البشر تفوتهم الحياة الحقيقية بسبب الإفراط في الأحلام.. أو بالأحري الأوهام.. العالم ياسيدتي مجموعة من الأوهام.. ثم ما الجمال في أن أقدم الحقيقة.. ألا يمكن أن تكون الحقيقة فيما أكتبه بعيدة عن الواقع.. الرواية مرة أخري هي الابنة الأخري للجمال الفني. إن محاولتي للتفكيك وإعادة تركيب العالم هي محاولة مستمرة تستمد طاقتها من الخيال، من العلم ومن الفن، فتعريف علم الذكاء الصناعي مثلا أنه تفكيك الأشياء وإعادة تركيبها مرة أخري بشكل يمكننا من محاكاتها علي الحاسب الآلي، ألا نفعل ذلك في الرواية منذ قديم الأزل.
أدعو للجديد
نفي عنك في تلك الرواية أن تكون إمتدادا لعالم السريالية والذي يتحرر فيه المبدع من كل قيود الواقع رغم أنها مليئة بما يمكن أن نسميه بالتجرد من الواقعية أحيانا وتذهب معظم أجزائها إلي العالم السحري، كيف التزمت بتلك الشعرة؟
أنا أدعو في كتابتي للجديد.. لكني لايمكن أن أفعل ذلك دون دراسة جيدة لكل مدارس الرواية السابقة.. لايمر عام دون أن أقرأ غالبية مايتم انتاجه من روايات جيدة في الشرق والغرب.. هل يمكنني أدعو لما أعرفه برواية الواقعية السحرية الجديدة.. بمعني أننا في العالم نمر بتحول مخيف اسمه ثورة المعرفة والمعلومات التي تفجرت من قلبها ثورات الربيع العربي.. أليس هناك تأثير ما لهذه الثورة المعرفية علي الرواية.. أنا أعمل أستاذا لعلم
المعلومات.. أصبحت الحدود ضيقة الآن بين عالم المعلومات والعالم الواقعي.. بين الخيال التكنولوجي وبين الواقع.. كيف يمكن أن أقدم هذا لبلدي الذي يعاني من الأمية والفقر وعدم العدالة والفوضي واللاقانون.. هذا هو ماأحاول أن أقدمه، ربما أفشل .. ربما أنجح.. ربما لايهتم أحد.. ربما يهتم أحد ما.. لكني دائما ما أحاول - وكما قلت - أحاول الحفاظ علي هذا الخيط الواهي بين العقل وبين الجنون.. بين الخيال وبين الواقع.. بين السحرية وبين دمامة الحقيقة!.
منحتني الفرصة
تقلدت عدة مناصب مثل رئاستك لدار الكتب والوثائق القومية وعملك كأستاذ جامعي.. فهل تري هذه الوظائف قد أثرت عليك كروائي وعلي نوعية انتاجك؟
ربما.. لا أملك الحقيقة إجابة شافية علي هذا الموضوع، لكن دعيني أنظر للمسألة من جانب آخر، الاختلاط بالبشر علي كل المستويات هام للغاية لعمل الروائي، لقد منحنتني فرصة العمل في أماكن مختلفة وفي دول مختلفة فرصة شديدة الخصوبة لمعالجة قضايا إنسانية عديدة، د. صلاح فضل يري أن وظيفة أستاذ الجامعة أبعدتني كثيرا عن الرواية، ربما يكون ذلك حقيقيا من جانب وغير حقيقي من جانب آخر، بمعني أنني لم أكن مخلصا للرواية في فترة استغراقي في العمل الجامعي- ومازلت - لكنها من جانب آخر منحتني الفرصة للتطلع لكل أشكال الإنسان في الوطن في مجتمع محدد هو الجامعة، وربما يمنحني الوقت الفرصة لأكتب عن هذا المجتمع الذي يعاني كل مايعانيه الوطن من أمراض اجتماعية، فلم تفلت أي مؤسسة مما حدث من تجريف للعقل علي مدار السنوات الماضية كلها، كما أن عملي في دار الكتب منحني الفرصة للاطلاع علي نماذج انسانية غاية في الجمال تحتاج للكتابة عنها.
أعمال مباشرة
كيف تري الرواية الآن في ظل تلك الأحداث الجارية وهل تراها استطاعت أن تلاحق تلك المتغيرات أو تصطبغ بها؟ أم مازالت مجرد حالة إبداع خاصة بأصحابها؟
أعتقد أن هذا حديث سابق لأوانه، لطبيعة مفهوم الثورات وزمنها التاريخي، لايمكنني الحكم الآن علي المنتج الروائي، لأن أغلب الأعمال التي ظهرت كانت أعمالا مباشرة للغاية تفقد قيمتها الروائية بعد فترة، الثورة تحتاج لفترة من التخمر الوجداني في عقول وقلوب الروائيين، هذه الفترة قد تطول وقد تقصر بحسب الاتجاهات التي ستسير نحوها الثورة، لأن الحراك مازال مستمرا ولم ينته بعد، من جانب آخر فإن هناك أيضا كثيرا من الروايات التي تتناول الواقع التاريخي للاسلام السياسي علي سبيل المثال، كما أن هناك كثيرا من الروايات عبرت عن فساد المجتمع قبل الثورة، الثورة تحتاج هنا لمرحلة استقرار ليقيم فيها الروائيون الوضعية التي انتهت إليها، وكذلك لتقييم اتجاهات السلطة السياسية وقياس مدي تعبيرها عن العقل الجمعي للمصريين علي مختلف اتجاهاتهم السياسية.
الابنة الحقيقية
جملة قالها الناقد الكبيرد. جابر عصفور أثارت جدلا شديدا وهي (إننا الآن في زمن الرواية) اتفق واختلف معها الكثير.. كيف تري الجملة من وجهة نظرك؟
الرواية هي الإبنة الحقيقية للعصر الصناعي، وربما في عصر المعلومات والمعرفة الآن، وربما أيضا هي الابنة الشرعية للطبقة الوسطي في العالم وليس مصر وحدها، وسيظل للرواية بريقها مادام الألم الانساني موجودا، هكذا أري الأمر ببساطة، كما أظن أن تعقد العلاقات الإنسانية وتزوير التاريخ المستمر بلا هوادة، أفكار الاستبعاد والاستقواء والتعالي، وبقاء مفهوم الوظيفة المبجل الذي ألقاه لنا تشيخوف والذي نراه فصيحا ومفضوحا لدي الانسان المصري الآن، والتي انتهت بظهور هذا المثل العظيم والمبهر في حياة الأمة المصرية اإن فاتك الميري اتمرغ في ترابهب واستتبابه لدي قطاع عريض من المصريين، كل هذه الأسباب ستجعل من الرواية عملا دائما يصلح لكل زمن، وكما قلت في اأسد قصر النيلب موجها كلامي للمفكر الكبير جابر عصفور (إنه ليس زمن الرواية) .. (الرواية هي الزمن) يادكتور جابرب وليس أننا في زمن الرواية، لأسباب عديدة تتعلق بالمجتمع المصري، وعلي الرغم من حديثي عن المجتمع الصناعي وعلاقة الرواية به، إلا أنني أري بذور الرواية في شكاوي الفلاح الفصيح، الرواية في مصر شكوي من الحاكم والسلطان والسلطة، علي المستوي المادي وعلي المستوي الفكري، لانستطيع ككتاب أن نهرب من ذلك! لكن هناك مقولة لجابر عصفور أيضا تقول ا نحتفي بالإبداع لأننا نحتفي بالحياة»، هذا هو المهم، أن نقدم شيئا يدعم الحياة، أن ندعم الحياة المقيتة التي نعيشها بخيال خصب يساعدنا علي الدخول في حيوات أخري!
تقلبات وقلاقل
ثورة يناير أثارت نهم المبدعين سواء الشعراء أو الروائيون، هل تري أن ابداعاتهم كانت بحجم الثورة أم مازالت مجرد محاولات ووجهات نظر ولم يستطع الابداع حتي الآن أن يكون بحجمها؟
هناك مقولة سائدة في النقد الأدبي المعاصر تقول بأن القصة القصيرة تنتشر حين تكون هناك تقلبات وقلاقل اجتماعية أما الرواية فإن مرعاها الحقيقي هو الثورة وغالبا ماتسبق الثورة، وأعتقد أن أية احصائية رقمية عن عدد الروايات في مصر خلال السنوات القليلة التي سبقت الثورة تؤكد ذلك.. يمكنني القول باطمئنان أن الموسيقي والغناء والقصيدة الغنائية ظهر مبدعوها بقوة علي الساحة الثقافية، فقد قدمت الثورة الكثير من هؤلاء، ربما لأن الثورة تحتاج لصوت جميل تردد وراءه الجماهير هتافاتها إلي جانب اثارته الشديدة للوجدان. وهناك شعراء جدد ظهروا علي الساحة الشعرية خاصة شعراء العامية المصرية، بأصوات جديدة خلاقة بالفعل. الرواية وما ظهر منها حتي الآن هي محاولات لتفسير ماحدث، لكن كما قلت القليل منها للغاية هو من نجح، ربما رواية عز الدين فشير الأخيرة تقدم لنا خريطة لطريق المشهد السياسي القادم، بكثير من السياسة، وهناك رواية صبحي موسي ( أساطير رجل الثلاثاء) وهي رواية رائعة عن رموز الإسلام السياسي وتاريخه، وعلينا أن ندرك هنا أن الرواية ربما تتحول عن طريقها لدعم قضايا التنوير في مصر، لأنني أظن أنه أصبح واجبا وطنيا لكل مثقف متعلم في مصر، والكثير من أصدقائي الروائيين قد يخالفونني الرأي ، بمعني أن الرواية هي بحث دائم عن الجمال والمتعة للكاتب والقارئ والمجتمع، ولكي أي متعة يمكن أن تجلبها الرواية إن أشاح بوجهه عما يحدث علي أرض الشارع، الإبداع الحقيقي في ظني المتواضع يحتاج لوقت ليعبر عن الثورة، ولأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، فإن الإبداع سيظل لصيقا بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.