في العهد الغابر الذي قامت عليه ثورة يناير، كان الشعار المرفوع (مصر أولاً) فتبعه شعار (الأردن أولاً ) ثم (تونس أولاً) وهكذا تم (تأويل) الوطن العربي إلي (أويلات) أو إلي (ويلات) إذا جاز التعبير، وذلك بعد أن جزأه من قبلهم (سايكس وبيكو) إلي (دويلات). ولكن في هذا العصر الذي برزت فيه تعبيرات (الاتحاد الأوروبي) و(الدول الثماني)، والدول (ستة + واحد)، وتجمع دول (الترويكا) وتجمع دول(بريكس) ، وتجمع شرق آسيا المعروف باسم (آسيان) وغيره من التكتلات، فلماذا لا يكون لنا تجمع دول (الوطن العربي)، الذي ينهي مرحلة جامعة الدول العربية، مُنتَج وزير الخارجية البريطاني مستر إيدن، الذي أرادها أن تبقي علي شكلها الحالي الذي لا داعي لوصفه، وليكن اليوم شعار(مصر- السودان أولاً)، بدل شعار(مصر أولاً). وفي روايتي (الإسكندرية 2050) الصادرة طبعتها الثانية من روايات الهلال في القاهرة، لهذا الشهر مارس - إبريل في الأسواق، والتي كتبتُها قبل الثورة بخمسة أعوام، وصدرت طبعتها الأولي عن دار الفارابي اللبنانية آنذاك، يقول سارد الرواية: « في منتصف شهر حزيران1967 يقف شاب سوداني في مقصف (كلية الهندسة جامعة إسكندرية) يبدو أنه قيادي طلابي، وفاهم درسه، ويتحدث بهدوء في حشد من الطلاب الذين يتجمعون، ليفهموا ماذا حصل، وماذا سيحصل...فيقول: «هذه الجهود العظيمة التي قامت بها مصر في الوحدة مع سورية، وحرب اليمن، وحرب تحرير فلسطين، لو استبدلتها بتوحيد (مصر والسودان)- وقد استلمتها ثورة يوليو من ملك مصر والسودان موحدة- لكانت قد حققت دولة عظمي مثل إيران، أو الهند أو تركيا. ومن دولة وادي النيل، نستطيع أن ننطلق لتحقيق الوحدة العربية، ويتم ذلك بالتعليم، وبالتفهم، وبالتدريج. ولو ابتدأت جامعة الدول العربية بتوحيد الاقتصاد والعملة العربية، وفتحت الأبواب للعمالة والصناعة والتجارة البينية داخل الاسواق العربية، دون حدود، ومن ثم مجلس نواب عربي موحد، يقرر مساراً موحداً للعرب، وهذا لا يتعارض مع بقاء الحكام، كل في موقعه. كل رئيس أو ملك عربي، يظل كما هو، في سدة الحكم، دون انقلابات أو مذابح علي كراسي الحكم، علي أن تتم انتخابات ديمقراطية فعلية للنواب، ولرئيس الوزراء، وأن تتحدد أعداد الوزراء وأطيافهم، حسب أوزان أحزابهم، أو قوة اتحاداتهم في الانتخابات النيابية، ومجالس البلديات والاتحادات المهنية والطلابية. ولا داعي لاعتماد عبارة (من هالشنب يا ريس!) لتقود معركة....» يصغي الحضور للرجل بكل انتباه، بينما يضيف السوداني قائلا: « لو اعتُمِدت هذه التجربة الثورية الفتية، للتخفيف من التعقيد والترهل الإداري العام، وعدم ملاحقة المفكرين، حتي ولو كانوا حزبيين معارضين، وتم التخطيط لتوفير الأمن الغذائي العربي..السودان وحده أيها الإخوة يطعم بخيراته ويروي بمياهه كل شعوب الوطن العربي، فالحروب القادمة هي حروب مياه. وأما عن معارك التحرير، فالحقوق العربية لا تتحقق بأفضل من أسلوب المقاومة الشعبية، وليست بقوة العسكر، نظراً للتقنية المتقدمة التي يستخدمها الأعداء المحيطون بنا من بقاع لا حصر لها في العالم، ولا قدرة لنا علي مجابهتها عسكرياً! لم يكمل السوداني حديثه، فلقد جاء ثلاثة رجال أمن، وساقوه إلي جهة غير معلومة. ولدي استفسارنا في اليوم التالي، قالوا إنهم سفروه، وأُخرِج ولم يعد!» هذه الفقرة من رواية (الإسكندرية 2050) توجز ما نأمله من سعي مصر اليوم بين مصر والسودان لتحقيق الأمن الغذائي والمياه المتآمر عليها، وتعزيز الصناعة والتجارة والعمالة العربية، متجهة منها إلي دول عربية مجاورة، مثل ليبيا وتونس، ثم يتسع الطبق ليؤسس اتحاد دول عربية ديمقراطية تتعايش فيها الأكثرية مع الأقليات بالمساواة التامة، في الحقوق، والواجبات، وذلك مع تعاون متكافيء مع باقي الدول العربية، ومختلف دول العالم، غير المعتدية علينا.. ولو تحقق هذا الهدف، لشعرنا أن هناك ثقة بين الشعب وحاكمه الذي يوجه عبّارته لتمخر في عباب البحر الأحمر، فتعود بخيرات كثيرة، ولا تغرق كما غرقت في البحر الاحمر العبارة المصرية «السلام 98» التي كانت تقل نحو 1400 حاج، فراحوا ببلاش! روائي عربي من الأردن.