بعد وفاة البائع المتجول محمد البوعزيزي في تونس، لم تعد مسرحية الكاتب الأمريكي آرثر ميللر بعنوان وفاة بائع متجول ذات إدهاش كبير، رغم أنها حصلت علي جائزة زبوليتزرس و زجائزة نقاد الدراماس الأمريكية ، التي منحت لها، وترجمت إلي أكثر من عشرين لغة. ففي الوقت الذي لم تُقدِّر فيه السلطات العربية الحاكمة، بشكلها التقليدي التسلطي، القديم النزعة والتفكير، تطلعات الشباب العربي، الباحث عن لقمة العيش، والكرامة الإنسانية، والعزة الوطنية، والدفع الحضاري، الذي حققته مختلف شعوب العالم، بينما بقي الوطن العربي، الغارق في الذهب الأسود النفطي، يتراجع إلي الوراء، نجد أن مسرحية آرثر ميللر زوفاة بائع متجولس تتناول موضوع الصراع بين الأجيال بشكل عكسي، موضحة عدم تقدير جيل الشباب أو الأبناء، لتضحيات الآباء، أو الجيل الذي سبقه. ودعني أترجم لك موجز قصة المسرحية، بطريقتي الخاصة، أن زويلي لومانس أب يعمل بائعاً لأدوات مطبخية، متجولاً بعربته في الشوارع، فتجده يحقق إيراداً مالياً، يجعله يشتري بيتاً صغيراً، فيه معظم مستلزمات العيش.. بحيث يدفع ثمنه بالتقسيط، لمدة خمس وعشرين سنة. يتخيل الأب أنه بعد هذه المدة الطويلة، سوف يتخرج أولاده من الجامعات، ويعملون في مهن مرموقة، ويتحملون مسؤولية العائلة، فيتقاعد الرجل ويعيش بقية حياته بين أبنائه الذين سيفرح بهم، ويعتمد عليهم، وبالمقابل هم سيفتخرون به لتحقيق هذه الإنجازات الرائعة، فيعيشون معاً بسعادة تامة، حققها الأب بعمله بائعاً متجولاً.. ولكنه بعد الخمسة والعشرين سنة، التي تنتهي فيها أقساط البيت، يجد أن البيت قد صار قديماً ، فتصدع وتداعت جدرانه، وأن الثلاجة والغسالة وأدوات المطبخ والجلوس صارت مهترئة..وعندما يجلس مع أولاده الذين صاروا مهنيين متطورين، خاصة عندما يكون أحدهم مع زميله الجامعي، فيتحدث معه حول آخر مستجدات الهاتف المحمول، أو مخططات العمارات، أو العمليات الجراحية بالليزر، أو بالروبوت، فتجد الأب بالمقابل يتحدث معهم عن أدوات المطبخ، التي يبيعها بعربته المتجولة في الشوارع، وأن الصحون البلاستيكية ارتفع ثمنها، والقلايات الحديثة صارت لا تلصق أبداً، وهكذا..فوجد الأبناء أن أباهم دَقّة قديمة، مما يخجلهم وجوده مع رفاقهم، فطلبوا منه أن لا يجلس معهم عندما يكون مع أحدهم صديق، أو زميل،.. وهكذا يُحبط الأب الذي كان يعتقد أنه قد حقق أهدافه بالبيت والأولاد، فاكتشف أن البيت صار خرباً، والأولاد صاروا لايستنظفون الجلوس مع أبيهم، فلم يكن أمامه إلا أن يقوم، فيُحمِّل عربته بأدوات المطبخ، ويعود للشارع، يبيع كما كان من قبل، فيتحدث مع معارفه وزبائنه في الشارع، واستمر يدفع عربته هكذا، إلي أن وجدوه ميتاً في أحد الأزقة. وعلي كل حال، فإن هناك تدافعاً بين الأجيال، فالآباء لايفهمون الأبناء، والأبناء يريدون أن يتخلصوا من جيل الآباء، لتكون الحياة لهم وحدهم ، ولتحقيق رغبات الأبناء في العيش بسعادة من دون ولي أمر ، يقوم الأب زويلي لومانس بالانتحار، من أجل قيام أبنائه باستلام مبلغ التأمين علي الحياة، من شركة التأمين، مضحياً بنفسه، فقط بهدف الحصول علي احترام أولاده، ومحبتهم وتحقيق سعادتهم. وعلي الصعيد الوطني أو السياسي البوعزيزي، فإن أولياء الأمور من الحرس القديم لا يريدون أن يخلعوا، ويتركوا الطريق للجيل الجديد، أو علي الأقل، كما يقول المثل: (مُرّ، ودعهم يمرون)..فالصراع يستمر بين القديم والجديد بصور شتي، صارت تتصدرها المظاهرات الشعبية، بما يقابلها من الكبت الحكومي. فاحترنا كيف نتصرف. وهذه المسرحية لآرثر ميللر، المتوفي سنة 2005 ، والذي عُرف بمزجه للرمزية مع الواقعية في مسرحياته الاجتماعية، وهي عديدة، تعتبر أكثر المسرحيات الأمريكية شهرة، وهي تدرس الآن في مختلف أنحاء العالم ، بصفتها نموذجا كلاسيكيا للمسرح في القرن العشرين.روائي عربي من الأردن.