صعوبات وصول الكتاب ليد القاريء ليست خاصة فقط بالدول العربية، لكن الدول الأخري أعدتْ الدراسات والأبحاث وأقامتْ مؤتمرات الناشرين لتخطي هذه الصعاب، فإسبانيا كمثال فصلتْ تماماً بين دور النشر ومؤسسات التوزيع، وقام الموزعون بتحمل مسئولية وصول كتب الدور التي يمثلونها للمكتبات ومنافذ البيع، وقصرتْ الدور الكبري تعاملها علي موزع واحد يغطي إسبانيا بأكملها لتقليل التكلفة والاحتياج لعدد أقل من الموظفين، وتناولتْ بجدية مشكلة قلة عدد المكتبات حتي وصلت لمكتبة لكل عشرة آلاف نسمة، هذا غير منافذ البيع الموجودة بكثرة في كل مكان. ولأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدول أمريكا اللاتينية المتحدثة بلغتها، تجاوزت أزمة النقل والشحن بفتح مكاتب لها في معظم هذه الدول وعقدتْ دور النشر الكبري تحالفات فيما بينها لتقليل التكلفة، فقامتْ بعضها بتوزيع كتب بعضها الآخر في البلدان التي لا مكتب لها فيها. إلا أن أمريكا اللاتينية تواجه صعوبات توزيع هي الأكثر تكراراً في سلسلة إنتاج الكتاب وفي الوقت نفسه أقلها دراسة، وسبب ذلك نقص المعلومات الإحصائية حول إنتاج النشر الخاص والمبيعات، فرغم التطور الملحوظ في مجالات أخري إلا أن خريطة المنطقة الكاملة لا زالتْ بعيدة، لكننا بنظرة بانورامية ومن خلال قراءة المؤتمر الأمريكي اللاتيني الأخير للناشرين يمكننا التعرف علي ما يحدث هناك. عن التوزيع في حد ذاته لم تكن المعلومات المتاحة كثيرة، أما عن مشاكل التوزيع فقيل إنها مرتبطة بجغرافية القارة المتسعة وحصر التوزيع في المدن الكبري ونقص المكتبات ومنافذ البيع في كثير من الأراضي والمحافظات بما فيها القريبة من المدن الكبري، بالإضافة لعدم الإقبال علي الكتاب في ظل المرتبات الضئيلة ومع سكان لا يتميزون في الأساس بعادات القراءة. ومن هنا نلاحظ مدي تشابه أمريكا اللاتينية مع الدول العربية، وربما يفيدنا بشيئ بعض الحلول التي قدمتها مؤتمراتهم، حيث اتفقوا أن أولي الصعوبات هي تكاليف النقل، واقترحوا أن تقتصر كل دار علي موزع واحد يكون لديه المقدرة علي الوصول للمكتبات ومنافذ البيع، وأن تتفق المكتبة مع هذا الموزع الذي يتعهد باحضار الكتب المطلوبة، وأن يتعامل مع عدة دور نشر ليستطيع تحقيق ذلك، فتكون الحصيلة توفيراً في أوراق الفواتير واليد العاملة وتوافر كتب متنوعة في المكتبة بأسعار معقولة. للموزع فائدة أخري هي تحمل مسئولية وصول هذه الكتب خارج البلد، وعمل كتالوجات بالتعاون مع الدور لتوزيعها علي منافذ البيع، بما فيها الكتب قيد النشر التي تقوم المكتبات بدورها بعرضها علي روادها بما يفيد ذلك في تحديد عدد النسخ التي ستطبع. ولعل أكثر المستفيدين من كل ذلك هي دور النشر المتوسطة والصغيرة حيث ستحتل مكانها بين أرفف المكتبات. وجود موزع، أو مؤسسة توزيع بمعني أدق، يجمع الكتب لدور النشر المختلفة سيسهل الوصول للمعلومات الخاصة بسوق الكتاب، حيث ستتضح أمامه المعلومات الخاصة باتجاهات القراءة والأنواع المطلوبة ومعدلات بيع كل منفذ، الفائدة ستعم الدور والمكتبات لأن ذلك سيقلل من كم المرتجع. فقائمة الطلبيات والبيع في المكتبات يفيد في تكوين فكرة صحيحة عن عدد النسخ التي تباع في المنافذ المختلفة. ومن خلال ذلك يمكن عمل دراسة عن السوق يمكن من خلالها وضع خطط جديدة مناسبة. خلال مؤتمرات الناشرين المتعددة، وردتْ أفكار حول مستقبل الطبع في أوروبا، وتم التأكيد علي فكرة النجاح الأوروبي المبني علي أسس علمية منها النظام الإداري الذي يسمح بعمل تنقيب في السوق وتغطية واسعة لمنافذ البيع الجديدة والحصول علي أماكن ممكنة ومناسبة، والاعتناء بأماكن التخزين وسياسة الوكلاء والاهتمام بالكتاب كسلعة من حيث الطباعة والدعاية، التي هي إحدي أهم أعمدة التوزيع. وكانت سخريتهم واضحة من بعض الدول التي تقوم فيها المكتبات بدور دار النشر ليس فقط لملء فتارينها وإنما أيضاً للتوزيع علي منافذ بيع أخري. هذا يحدث عادة في دول لم تتطور في صناعة النشر حيث تقوم المكتبة بالنشر والتوزيع والبيع. من جانب آخر، في أمريكا اللاتينية منتشر جداً أمام غياب الموزعين الكبار أن تقوم الدور بعملية توزيع منتجها وفي بعض الأحيان توزع لدور أخري صغيرة داخل نفس القطر. ومع قوة الإنتاج المحلي للدور الإسبانية في بعض دول المنطقة يزداد هذا الاتجاه، ليتضاءل بذلك النشاط اللاتيني أمام الرأسمالية الإسبانية حسنة التنظيم والتمويل، التي أحدثتْ دمجاً بين بعض الدور لتواجه أي أزمة محتملة أو تحالفات في النقل والشحن والتوزيع. هنا يمكننا أن نعقد مقارنات بين إسبانيا وكل دول أمريكا اللاتينية، تجعلنا نعرف بوضوح سر لجوء كاتب أرجنتيني لدار إسبانية حتي لو لم يكن لها فرع في بلده. في الدولة الأوروبية تقوم مؤسسات التوزيع بتوزيع كل منتجات دور النشر، بينما في أمريكا اللاتينية لا يتعدي عمل الموزع 30٪، باستثناء كوبا التي نظراً لنظامها الإقتصادي تتبع كل دور النشر والتوزيع والمكتبات ومنافذ البيع للحكومة. كل دور نشر أمريكا اللاتينية التي يصل عددها إلي 1520 داراً، معظمها متوسطة وصغيرة (الأرجنتين: 267، البرازيل: 510، المكسيك: 216، كولومبيا: 94، شيلي:66، الخ) أصدرتْ سنة 2006، 19 ألف كتاب، في حين أصدرتْ إسبانيا وحدها في نفس العام 20 ألف عنوان. والسبب في ذلك لا يمكن ارجاعه فقط للحالة الإقتصادية، خاصة مع نهضة الكتاب في السنوات الأخيرة، بقدر ما يرجع لحسن الإدارة والدعاية اللازمة وقوائم البيست سيلر. في إطار متصل يؤكد الموزعون أن مشكلة التوزيع ترجع لقلة منافذ البيع، ففي الوقت الذي تحتوي فيه إسبانيا علي 4280 مكتبة (جدير بالإشارة أن عدد سكانها نصف عدد سكان مصر) تغطي البلد بأكمله، نجد أن المكتبات في كولومبيا 564، وفي المكسيك 1261، وفي البرازيل 1015، وفي شيلي 157، والأرجنتين 800. من المفيد أيضاً ذكر استغلال التكنولوجيا الحديثة لترويج الكتاب، فاسهامات الإنترنت واسعة في هذا الصدد، سواء في التوزيع من خلاله أو عمل الدعاية اللازمة، هكذا نجد أن مستخدمي الإنترنت في الدول الثماني الكبري في أمريكا اللاتينية يصل إلي 46 مليون مستخدم، 3 ملايين منهم يشترون سلعاً عن طريق النت، و100 ألف منهم يشترون الكتب، والعدد في تزايد مستمر. وأخيراً، فالتجربة الإسبانية التي تجاوزتنا بمراحل تصح أن تكون مثالاً لنا، والنظر للتجربة الأمريكية اللاتينية هو بمثابة النظر في المرآة.