كم كان رائد النهضة الفكرية المعاصرة (مالك بن نبي) ملهما الي غير حدود حين جهر بمخاوفه في مطالع القرن الماضي من زحف (الروح الذكوري) الي جسد الامة علي نحو يتهدد هذا الجسد الضاوي بمخاطر (الجفاف والعقم والتحجر) مؤكدا في ثنايا رؤيته ان توازن الحركة بعطاء الانثي يعني تبرعم دلالات (الخصوبة والتغير السريع والشاعرية)! ولا جدال ان رؤية هذا المفكر النهوضي الكبير ،بمفرداتها الحضارية، تحفزنا، من بعض الوجوه، الي تقييم عطاء الروائيات، بخصوبته وشاعريته، بعد ثورة 25 يناير وما شهدته الحركة الادبية، باجمال من ازاحة في مراكز الثقل وتغيير جذري يطال العمق. ولن يكون مقبولا في منطق التجرد النقدي ان ننسب للحركة القصصية التي ثبّت قوائمها روائيات مصريات في العامين الماضيين، ارهاصات تحول فكري طليعي غائر في الرؤية والادوات ومقومات النوع الادبي المعني، علي النحو الذي طالعناه، مثالا لاحصرا في مشروع (لطيفة الزيات) (1923-1996) الذي تفتقت اكمامه بنضارة مع «الباب المفتوح» و«الشيخوخه» و«صاحبة البيت». بيد أن هذا المدخل المتشح بالتواضع لن يحول بيننا وبين ان نتفاءل بغيث قصصي خصيب يستعيد للمنجز القصصي قسما معتبرا من ريادته، ويرد للروائية المصرية المعاصرة مساحة مرضية رحيبة من العطاء و الدور. وبمقدورنا ان نلحظ ،بعيدا عن صخب الجوائز والميديا والتربيطات المقيتة حركة قصصية وليدة تواصل النماء والمضي في رافدين. فثمة رافد يمضي بنا الي قوالب سردية خاصة تدنينا من السير والتراجم واليوميات. من الملحوظ ان في الترجمة الذاتية واليوميات بلغ أعلي سقوفه بعد 25 يناير بما اتسم به من مرونة وقدرة مجلية علي استيعاب الجزئيات والتفاصيل وما يشهده الواقع السياسي من تغير طيفي متصل يتسم بالسيولة الشديدة. وهنا نجحت «ميرال الطحاوي» في ان تضمن لمشروعها القصصي رقعة فسيحة في موجات التغير المنداحة حين اخترقت الصمت بسيرتها الذاتية الجديدة «امرأة الأرق». وهي سيرة ذاتية ثقافية تقع في نحو مائة وأربعين صفحه تجسد رحلتها مع الفلسفات والأفكار والرموز والكتب المؤثرة. ويجمع نصها بين الروح الغنائي وتقنية الاستطراد المتعمد والتقافز الطليق بين الموضوعات والماثورات والشواهد والتأصيل للترجمة الذاتية ذات المنحي الكشفي الشامل القائم علي (هتك الذات) وفي الرافد الثاني يتواصل القالب الروائي الخالص. وفي تقديري ان الروائية الموهوبة «منال القاضي» قد حصدت ارصده لافته من رهانات السباق بروايتها الجديدة «حكايات المدينه السرية». وهي رواية تقع في نحو مائة وعشرين صفحة وتجمع بين الروح الفانتزي والرصد البانورامي التاريخي الشامل لثورات مصر منذ 1919 وحتي 25 يناير . من خلال رحلة مفترضة قام بها البروفسورفهدفي قلب الواحة الغامضة ذات السمه الاسطورية. وما تزال الروائية المصرية المعاصرة في قلب المشهد الثوري تستوحي نماذجه بلا توقف وتتواصل بخيوطه المنسوجة، نورا ونارا.