اذا اتجهنا الي المشرق العربي ، سوف نجد ان الشكل التربيعي في الشعر الشعبي كان له نصيب موفور لدي الشاعر الشعبي (اي القْوّال) بنفس القدر الذي كان له عندالقوّال في المغرب العربي او في مصر والسودان، واذا اعتبرنا ان الموال الرباعي هو الذي كان سابقا علي باقي الاشكال التربيعية الاخري - كما يري البعض - فاننا يمكن ان نعتبر باقي الفنون الشعرية الشعبية الاخري هي ضمن فصيلة المواويل ، وعلي هذا الاساس تقول مجلة »الثقافة الشعبية« البحرينية في عددها رقم (13 ) ان الشعر الشعبي في بلاد الشام والعراق من اهم قوالبه فنون : (العتابا، والنايل، والسويحلي، والميجنا، والزجل والموال السبعاوي) .. واذا كانت الفنون الشعبية - بعامة - ترسم العادات والتقاليد والاعراف والخصال والشمايل ، وتقدم القيم الروحية والمادية في الزمان والمكان ، فهي من هذا المنطلق تفتح الباب واسعا نحو التمازج اللفظي والفكري والتعبيري والفني بين كل الفنون الشعبية العربية .. و لالقاء الضوء علي هذه الفنون الشعرية الشعبية المشرقية ،نبدا بأشهر ها، وهو فن »العتابا«. و فن »العتابا« - الذي يعتبر فنا وثيق الصلة بالريف والربوع العربية المشرقية - يقال انه قام بدور بارز في التعبير عن العادات والتقاليد الريفية الاصيلة، فضلا عن انه يتسم بجمال الاسلوب وقوة العاطفة، كما انه يعبرعن الشعور الصادق لاهل البيئة التي يعيش فيها الشاعر .. وهم يعتبرونه من اعرق واهم الفنون الشعبية في بلاد الشام والعراق ، وخاصة في الريف ومن حيث البناء الهيكلي لهذا الفن ، فهو( مثله مثل الموال الرباعي ومثل فن الواو) فن »مقطوعي« - اذا جاز التعبير - اي يتكون من مقطوعات رباعية ، كل منها مستقلة عن الاخري، ويسمون هذه المقطوعة الرباعية »بيْتا« ، وكل بيت منه يعالج فكرة متكاملة ، مثل »المبتدأ والخبر«، اي يحسن سكوت السامع علي كل بيت، وتكون المقطوعة - عادة - مصاغة علي وزن »البحر الوافر« وهو من البحور الخليلية الصافية ( اي التي تتكون من تكرار تفعيلة واحدة )، وتفعيلته هي »مفاعَلتُن« تتكرر ثلاث مرات في كل شطر .. اما طريقة تقفية هذه الاشطر، فهي تسير علي النحو التالي : تقفّي الاشطرالثلاثة الاولي بقافية واحدة تتسم بالجناس (التام او الناقص)، اما الشطر الرابع - اي القفلة الاخيرة - فيأتي بقافية مغايرة (اي حرة) ، لكن يشترط ان تكون منتهية ب »ياء« او »الف« .. ومنه قولهم : هَلي ما لبّسوا خادم سملْهم وبقلوب العدا با يت سم لْهم الناس النجم واهلي سما لْهم كواكب سهّرن ليل الدجي
و هذه العتابا من ابداع الشاعر »عبدالله الفاضل« الذي اشتهر ولمع نجمه في هذا الفن في القرن الثامن عشر، وهو احد رؤساء عشيرة الحسنة التي سكنت بادية »تدمر« ثم هاجرت الي سهول حمص وحماة (كما يقول الكاتب السوري سلوم درغام ).. والعتابا تغني بالحان مختلفة حسب المناطق ( البادية اوالريف ). وهذا اللون من الغناء الشعبي، سُمّي بالعتابا، نسبة الي اسم امرأة لها نفس الاسم، وقد كانت زوجة لاحد الفلاحين - المعذبين في الارض - الذين كانوا يعملون لدي مالك كبير في القرية ، وكانت هذه الزوجة فتية جميلة، وقد لاقت هوي من مالك القرية، فانتزعها من الزوج المغلوب علي امره.. هنالك ترك الزوج القرية، وانتهي به المطاف الي ان يهيم علي وجهه في البراري، وفي غمرة الامه أنشد هذه الاغنية الشعبية التي تقول : ( عتابا بين برْ مي وبين لفتي /عتابا ليش لغيري ولفتي / انا ما اروح للقاضي ولا افتي / عتابا بالتلات مطلّقا ). وظل الزوج يردد هذا اللون من الغناء الشعبي الذي عُرف فيما بعد بفن »العتابا« ..