" لجنة صياغة الدستور" تنتمي إلي زمان غير زماننا، لغتهم ميتة، ولا تُستخدم إلا في الزوايا والمساجد والفضائيات التي يسيطرون عليها، وبعد الثورة انتقلت من فضائياتهم التي لم نكن نشاهدها إلي الشاشات الأكثر متابعة، والتي كانت تتعامل معهم كما تعاملت أمريكا مع العرب والمسلمين بعد أحداث سبتمبر، بطريقة كيف يفكر هؤلاء؟، وهكذا انفجرت لغة الذقون في وجوهنا، لغة لا علاقة لها بالعصر، وإنما بعصورهم الذهبية المتوهمة التي يحنون إليها، وهذه اللغة انتقلت للأسف إلي مسودة الدستور المصري.. سيطر " تيار الإسلام السياسي" علي التأسيسية، ودانت لهم الأغلبية بمباركة رئاسية إخوانية، وطوال ستة أشهر، هي عمر تلك اللجنة، ما بين حل، وإعادة تشكيل، وطعون أمام المحاكم، عمل الإسلاميون علي تطفيش ممثلي القوي الأخري، وانهالت انسحابات الليبراليين وممثلي الكنائس والوطنيين عموماً، حيث تأكدوا أن الدستور يتم تفصيله علي مقاس جماعة معينة، هي جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر أن بقية الشعب المصري أقلية، لا تستحق التواجد في الدستور، وهكذا أصبح الإسلاميون بمفردهم، يمارسون ديمقراطية عجيبة، حيث تتم قراءة بنود المسودة ويبدأون في التصويت عليها، مع أنهم لا يحتاجون إلي ذلك في الحقيقة، لأنهم يشكلون عصبة واحدة متحدة، يرأسها المستشار حسام الغرياني، الذي قدم مثالاً بارزاً إلي العالم والتاريخ، في كيفية سلق المواد في وقت قياسي كان يستحق أن يدخل عنه موسوعة جينيس للأرقام القياسية. ليست هذه حدوتتنا، وإنما لغتهم التي كان من الطبيعي أن تطفح علي مسودة الدستور، وهي لغة خطابية ركيكة وإنشائية، ومفرداتها ميتة منذ قرون، ولو أنه تم تمرير تلك المسودة علي »ديسكمان« مبتدئ لرفضها أو أعاد كتابتها بالكامل، والمشكلة ليست في الأخطاء النحوية أو الإملائية، ولكن في استخدام المفردات المندثرة، والصياغة الركيكة، وأنت لا تحتاج إلي هنا إلي الشرح، وتكفي الإشارة إلي بعض ما ورد في المسودة كمثال: يحدثك السلفيون والإخوان دائماً ومرجعياتهم عن كيفية »الالتجاء إلي الله«، لا »اللجوء إليه«، كما يحدثونك في دستورهم عن »الالتجاء إلي الدولة«، أكثر من مرة: »يضمن القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلي القضاء، والدفاع أمامه عن حقوقهم«، و»تمنح الدولة حق الالتجاء للأجانب المحرومين في بلادهم من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور«، وفي تعريف المرأة »النساء شقائق الرجال«، وكمثال صارخ علي الركاكة »حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول«، يعني إيه؟. كما يعشق الإسلاميون كلمة »عبق«، وفي تاريخ الإكلشيه فإن تلك الكلمة مرتبطة ارتباطاً وثيقا ب»التاريخ«، وهكذا يكتبون »استعدنا أجواء حضارتنا العظيمة وعبق تاريخنا الزاهر«، ويشيرون إلي أن »الحرية من فطرة البشر»، وبالتأكيد فإنها ليست من فطرة الحيوانات، أو هي من فطرة الحيوانات ولكن ليس ذلك موضوعنا، فالدستور خاص بنوع من البشر، نوع اسمه »المصريون«، وهناك تعريف عظيم للأمن، من المؤكد أن عبقري الصياغة بكي بعد صياغته نظراً لفرط عبقريته، يقول »الأمن نعمة كبري«، وفي الحديث عن الوحدة العربية يعرفها هكذا "نداء تاريخ ودعوة مستقبل وضرورة مصير يعضدها التكامل والتآخي». المادة الثالثة نموذج حي لركاكة الصياغة »مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية«، وهناك أيضاً فيما يتعلق بالإنشائية الشديدة التي تقترب من رءوس موضوعات التعبير »وتلتزم الدولة بتيسير سبل التراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع»، و»يهدف الاقتصاد الوطني إلي تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوي المعيشة وتحقيق الرفاه«، و»القوات المسلحة درع البلاد الواقي«.