هكذا يبدوالمشهد: نظام يتخبط، وشعب ذاهب دون إرادته إلي هوة سحيقة، محملاً بغضب ٍ مرٍّ ويأس أسود، ولكنه يقاوم، يتشبس بقطرات معدودات من الأمل، تتساقط علي مساحة شاسعة من الأرض البور، وكأنها الأرض الخراب التي حدثنا عنها إليوت في قصيدته الشهيرة. هي ساعات قليلة تفصلني عن صباح الغد، صباح يوم الثلاثاء الموعود، والذي لن يخرج عن أحد الاحتمالين، أن يعود الدكتور مرسي إلي نداء العقل والواجب ويحقن دماء الشعب المصري بقرار مسئول يلغي به الإعلان (غير) الدستوري الأخير، وإما أن يعيد السيناريو نفسه الذي كتبه وأخرجه الرئيس المصري المخلوع (المُحاكم) حسني مبارك، مع فارق وحيد، وهو إضافة نهر ممتد من الدماء المصرية بآياد مصرية علي إسفلت الشوارع المصرية، من أسوان إلي الإسكندرية، نهر لن ينجح أحد في إيقافه، ولن تفلح معه كل محاولات وألاعيب الساسة ومقامراتهم الكلاسيكية التي اعتادت علي التفاوض حتي آخر لحظة، لأن الحوار وقتها سينقطع ولن يسمع أحدٌ من أحد شيئًا، سيسمع كل منا وقتئذ صوته فقط ! وسيخرج الجميع من المذبحة الجماعية خاسرين، ويكون الدكتور مرسي وجماعة الإخوان المسلمين هم أكثر الخاسرين بالحسابات المادية البسيطة، والخاسرون الوحيدون بحسابات التاريخ التي لن ترحم من أخطأ وتكبَّر وعاند وغلَّب مصلحته الشخصية ومصالح فصيل واحد من المجتمع علي مصالح الوطن، بكل ناسه وتاريخه واقتصاده وأحلامه ودماء شهدائه التي سالت في سبيل الحرية والعدالة والشعور بالأمن! صحيح أن درس التاريخ يؤكد دومًا علي انتصار الشعوب في نهاية المطاف، إلا انه ايضًا يذكر لنا، في مواضع كثيرة، وجود أنهار دم طاهر، عادة ما تسبق ذلك الانتصارالحتمي ! هكذا يبدو المشهد: إحساس عميق بالفشل واليأس والإحباط، بعد ثورة عظيمة ظنناها جميعًا قادمة بخير كثير، وحلمنا خلال أيامها الأولي بدولة ديمقراطية مدنية تؤمن بسيادة القانون واحترام الإنسان والدستور والمؤسسات، فإذا بنا نستيقظ علي كابوس ديكتاتوري مرعب، أعاد إلي الأذهان وسرسب إلي الأرواح كل اللحظات الثقيلة في تاريخ البشر! هكذا يبدو المشهد مراوعًا ومكررًا وغامضًا في الوقت نفسه، وكأننا في مساء يوم الخامس والعشرين من شهر يناير 2011، فها هوالشعب المصري يحتشد ليطالب بإسقاط الإعلان الدستوري المعيب، فهل تستجيب يا دكتور مرسي قبل ارتفاع سقف المطالب، وصولاً إلي مطلب إسقاط النظام، أم أن مستشاريك سيفعلون معك مثلما فعل سابقوهم مع مبارك وأقنعوه بأن الوقت في صالحه؟! أنا شخصيًا يباغتني ظنٌ، كأنه اليقينُ، بأنني سأقرأ هذا المقال عند صدور »أخبار الأدب« يوم الجمعة القادم وأنا أحتفل في ميدان التحرير مع المحتفلين بسقوط الإعلان الدستوري وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، ومع رئيس دولة يغلِّب مصلحة الوطن علي كل المصالح، ويعلو فوق الحزبية ليصبح رئيسًا للجميع!! آمين..آمين..آمين !