أنظر خلفي لأري أيام العام الماضي تتراص وكأنها أيام ضائعة من العمر بلا انجاز سوي اسقاط حسني مبارك وانهاء ملف التوريث، وأجد الدماء تزين أول أيام العام بأحداث كنيسة القديسين التي لم نسمع عن متهم واحد قام بها، وجاءت أيام الثورة في نهاية يناير لتضيف التوتر المصحوب بالقرف الشديد من أسلوب تعامل حسني مبارك مع الشباب الثائر، وأنظر إلي القوي السياسية التي تلعب علي الساحة لأجد الحزن والقلق قد سبقها جميعا وجعلها مجرد أقزام لا تستطيع تلبية أو تفهم ما تعني شعارات الثورة، وجاءت حكاية الاعلان الدستوري لتزيد الفرقة وتقسم المجتمع إلي "إسلاميين" و"علمانيين" ونسي الجميع الوضع البشري، فهؤلاء يصورون أولئك بأنهم شياطين، وأولئك يصورون أنفسهم بأنهم ملائكة، وبما أن الجميع بشر.. مجرد بشر، فالشيطان يجتمع مع الملاك داخل أي انسان، وليس كل علماني كافرا، كما أن أي إسلامي بقادر علي أن ينفي حقيقة واضحة في التاريخ الإسلامي، الحقيقة التي تقول أن محمدا صلي الله عليه وسلم قام بتغيير إسم "يثرب" وصار اسمها "المدينةالمنورة" وكان هذا اعلانا صريحا عن اقامة دولة يشع منها تطبيق صحيح الإسلام الذي لا يتناقض مع مصالح البشر، فحيث توجد مصلحة الناس يوجد شرع الله، أما حكاية العودة بالحياة إلي ما قبل قرون بدعوي أن ذلك هو تطبيق للشريعة، فهذا لون من الجمود الذي يتطابق مع جمود من يظنون أن العلمانية هي إنكار للشرائع السماوية أو أنها قادرة علي أن تكون "دينا جديدا". وهكذا دارت أيام العام، صراع يتبعه صراخ، وصراخ يعبر عن صراع، أما شحن الطاقة لتوليد أمل جديد بحد متكامل من رصد مزايا كل الفرق السياسية، وبين أحلام الجيل الشاب، تلك الأحلام المركزة في العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية، فهي أحلام مؤجلة تم تجاهلها بصورة صارخة عبر المناوشات السياسية، وصارت الفرق السياسية تبحث عن كنز غير موجود وهو كنز حكم هذا البلد، وهو بلد يصعب حكمه مالم نزرع فيه الأمل ونرصد فيه الطاقات القادرة علي تحقيق هذا الأمل. وأقر وأعترف أن حكومة عصام شرف قد أبلت بلاء حسنا في ظل ظروف صرفها لها تناحر وتنافر الفرق السياسية، فضلا عن بقايا أصحاب المصالح من "حزب عصابة علي بابا" كما أسماها الدكتور الجنزوري. فهل يسمح المصريون لأنفسهم بالتوقف عن صرف الصراخ الذي يفجر الحزن المصحوب بدموع متجمدة علي واقع شرس؟ وهل يمكن أن نصرف لأنفسنا درجة من التآلف تتيح لنا درجة من التقدم لمواجهة صعاب الأيام؟