تمر مصر الآن بمنعطف تاريخي خطير لم تشهده البلاد من قبل بعد ازاحة النظام السابق الذي قضي علي الأخضر واليابس في الدولة في ظل نظام ديكتاتوري انتهازي كان كل همه الاستمرار في السلطة بكل السبل. فغير الدستور وأصبح الفساد مقننا بعد ان احدث انقلابا في كافة القوانين والتشريعات التي تنظم العمل في المؤسسات الفاعلة في الدولة بدءاً من عام 1972 كقانون تنظيم الجامعات وقانون العاملين المدنيين في الدولة وقانون النيابة الادارية وقانون مجلس الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات والاعلام والصحافة.. الخ وألغيت الرقابة الادارية ثم عادت صوريا وأصبحنا نسمع عن دخول للمحظوظين من القيادات العليا في أجهزة الدولة تتجاوز المليون جنيه شهريا. حسب المادة "26" من الدستور التي أقرت: "للعاملين نصيب في إدارة المشروعات وفي أرباحها.. "واصبح هذا الحق قاصرا علي القيادات العليا واتباعهم دون باقي العاملين في الوقت الذي لايتعدي فيه مرتب استاذ الجامعة كثيرا الالفين من الجنيهات والطبيب اربعمائة علي سبيل المثال في ظل انعدام أي رقابة حقيقية من قبل الاجهزة الرقابية المختلفة. ثم فرض العمل بأحكام قانون الطواريء وأصبح القضاء بالتوريث فأصبحت الاحكام برفض الدعاوي بزعم عيب في الشكل في الجنحة المباشرة ضد القيادات التنفيذية هي السمة المميزة للنظام البائد فانقلبت وبالا علي العدالة واخلالا كاملا بمبدأ المساواة بين المواطنين في المعاملة أمام القضاء. لتصبح المادة 123 عمليا في حكم العدم فأفقدت الاحكام القضائية جديتها وهيبتها وفعاليتها وشجعت المسئولين في مختلف قطاعات الدولة علي عدم تنفيذها فضلا عن مخالفة القوانين واللوائح حتي اصبحت أهمية المسئول تقاس بمدي قدرته علي مخالفة القانون أو اللوائح وعدم تنفيذ الاحكام فسادت الفوضي والوهن والانانية والاساليب الغير الشرعية في التعامل في أوصال الامة وانتشر الفساد في جميع أجهزة الدولة لتصبح نهباً ومغنما ومرتعا للقيادات في النظام وأعوانهم في حماية القانون ورجاله. ثم جاء الشباب في 25 يناير 2011 بثورة أبهرت العالم كما نعلم جميعا بطريقة لم تخطر علي بال بشر وكان نجاحها مفاجأة لكل الشركاء والاصدقاء والاعداء فانتشلت الامة والمجتمع من حالة اليأس والاحباط والقهر والجمود التي سيطرت علي الجميع خلال أكثر من أربعين سنة وازاحت رءوس الفساد واعطت الشعب لأول مرة في تاريخه حقه في اختيار النظام السياسي الذي يريده ويرضاه. وكان من المفروض ان يتم التغيير والتطهير بالسرعة والحسم الكافيين حتي تؤتي الثورة نتائجها المرجوة ولكننا دخلنا للأسف في دوامة من الضبابية وانعدام الشفافية من قبل المجلس العسكري الذي يملك القوة والسيطرة في ظل حكومات ضعيفة فشلت في تحقيق أي من مطالب الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والعدل والمساواة وتطهير القضاء والجهاز الاداري في الدولة بالرغم من مرور عام كامل علي قيام الشباب بثورتهم. فمازال القضاء كما هو ومازالت قيادات النظام البائد في أماكنها وشلة المستشارين من حولهم ومازالت دخولهم استفزازية حتي في ظل تحديد الحد الاقصي للأجور بأكثر قليلا من ثلاثين ألفا من الجنيهات شهريا!!!! ومازال العلاج علي نفقة الدولة في المستشفيات المملوكة للدولة مستمرا بالرغم من العجز الخطير في ميزانية الدولة في هذه الايام العصيبة وسعي الحكومة للاقتراض من المؤسسات والدولة الاجنبية بما يمثله ذلك من مخاطر وذلك بسبب غياب الرؤية الصحيحة وعدم وجود برنامج واضح لتنفيذ الاهداف التي قامت الثورة من أجلها. وهنا مكمن الخطورة. فبدأ أعداء الثورة يفوقون ويتجمعون ويخططون لوأد هذه الحركة الوليدة وبدأ شركاء الامس يتنافرون ويتصارعون كما هو حادث الآن وللأسف الشديد اتخذ الدين وسيلة لنيل المكاسب السياسية كما ظهر جليا في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية عندما اشاع المنتسبون لما يسمي بالتيار الاسلامي بين الافراد البسطاء من الشعب بحرمانية التصويت بلا للتعديلات الدستورية مستغلين طيبة المواطن المصري وتشجيعه وتعضيده وتحمسه للثورة الوليدة وحرصه علي دينه متناسين ان الاسلام لايعترف بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة بل ويرفض ذلك رفضا قاطعا كما بين رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله "ان الله طيب لايقبل الا طيبا" وقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا" "الآية 30 سورة الاحزاب" وقال تعالي "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب" "سورة النحل الآية 116" فحدث الانشقاق بين أطياف الثورة واصبحنا نسمع عن اسلاميين واخوان وسلفيين وآخرين علمانيين وليبراليين ثم الاقباط واصبح الشغل الشاغل لهؤلاء وهؤلاء هي مشكلة اختيار الشريعة الاسلامية من عدمه في الدستور الجديد غير عالمين ان النص بأن دين الدولة الرسمي هو الاسلام وان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع موجود في جميع الدساتير منذ سنة 1923 وحتي 1971 وليس لمن يتخذون الاسلام شعارا لهم أي فضل في ذلك ثم جاءت فتاوي قيادات سلفية بتحريم الخروج علي ولي الامر مهما حدث وعلي عكس ما أفتي به الازهر الشريف والشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. كذلك تحريم التصويت في الانتخابات للمرشح المسلم الذي لايصلي. والقبطي والعلماني والليبرالي الذي لم يتضمن برنامجهم تطبيق الشريعة الاسلامية. وفلول الوطني. واستثني من وصفهم بالشرفاء من رجال الحزب المنحل!!!!- ومنهم من حرم الانتخابات والعملية الديمقراطية بالكامل ونادي بالخلافة!!!- لتعطينا صورة عما حدث ويحدث في الانتخابات القائمة الآن في بلد الازهر الشريف!!!! فالاسلام ليس محل تقسيم في مصر. والتصنيف الموجود بالساحة حاليا الذي يقسم المصريين إلي مدنيين وعلمانيين واسلاميين انما هو دخيل علينا يراد به الفتنة والفرقة بين أطياف المجتمع وليس من الاسلام في شيء. قال تعالي:"والفتنة أشد من القتل" الآية 191 سورة البقرة وقال تعالي: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا" الآية 103 سورة آل عمران. وقال تعالي: ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم. الآيه 105 من نفس السورة ويقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: "ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء" الآية 159 سورة الانعام وقال تعالي: "فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم. الآيات 22.21 سورة محمد وقوله تعالي: "محمد رسول الله والذين معه اشداء علي الكفار رحماء بينهم" الآية 29 من سورة الفتح. وقال تعالي: "... أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.. " الآيه 13 سورة الشوري وغير ذلك من آيات. فضلا عن أحاديث الرسول التي تحذر المسلمين من التشرذم والفرقة والتباغض والقتال وأكتفي بقول رسول الله صلي الله علية وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".. ثم جاء النزاع علي السلطة بين المجلس العسكري من ناحية وبين المؤيدين للحكم المدني من ناحية اخري ليحدث الانشقاق بين جناحي الثورة ولايعلم إلا الله ما سوف تؤول إليه العواقب. ليبين إلي أي مدي وصل إليه التشرذم والتفتت بين الشركاء مالم يلتئم شمل الامة علي هدف واحد ومباديء ثابتة لايتعداها أو يزايد عليها أحد وتكون ملزمة لأي دستور قادم. وعلي ذلك فاني أري انه لاخلاص للأمة من المأزق التي نحن فيه والنجاة من الفتن التي نحن بصددها وتجنب ما حدث ويحدث في افغانستان أو العراق أو اليمن أو السودان والصومال إلا بالتمسك بوثيقة الازهر التي صاغها كبار علماء الازهر الشريف ولقيت قبولا من جميع اطياف الامة مسلمين ومسيحيين واعتبارها بمثابة هوية للمصريين وملزمة لأي دستور يتم اعداده في المستقبل مع النص الواضح الصريح القاطع بأن الازهر الشريف هو المرجعية الاسلامية الوحيدة للأمة وذلك من خلال استفتاء عام مصحوب بحملة من الشباب والنشطاء السياسيين من كافة الاطياف مسلمين ومسيحيين لحشد التأييد الشعبي الكامل لها وكشف حقيقة أطماع الطامعين الساعين لزعزعة استقرار هذا البلد وأمنه. كما يمكن ان يكون ضمن هذا الاستفتاء طلب الحصانة لافراد المجلس الاعلي للقوات المسلحة ضد أي اتهام قد يوجه اليهم في المستقبل عن عملهم في هذه الفترة وتوجيه الشكر لهم علي ما قدموه للأمة خلال هذه الفترة العصيبة.