وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة القدم حينما تكون لعبة ثقافية

جرت العادة أن يكون موضوع كرة القدم موضوعاً رياضيّاً، لكن ينبغي أحياناً أن نتأمل كرة القدم كلعبة للتأمل الثقافي وأداة للإبداع الأدبي، فما الذي يميز كرة القدم عن باقي الرياضات الأخري، حتي تحتل هذه المكانة في قلوب الملايين، ومنهم المفكرون والأدباء؟!
منذ نشأة كرة القدم وهي مرتبطة بالجماهير والمناصرين برابط وثيق العلاقة، إذ لا يمكننا أن نتخيل كرة القدم من دون جماهير تضيف الكثير بطقوسها التشجيعية المتنوعة -بحكم الاختلاف الاجتماعي والتعددية الثقافية- إلي لعبة كرة القدم. إن الجماهير باختصار هم ملح كرة القدم، ولولاهم لما تربعت هذه الرياضة علي العرش، بوصفها الرياضة الأكثر عالمية، متخطية الوصف الشعبي اللصيق بها إلي آخر لا يخلو من تعقيد، حتي استحالت إلي ظاهرة واسعة الانتشار بقدر ما هي شائكة وملغزة.
ومما لا شك فيه أن كرة القدم، وبعد المكانة التي بلغتها، لم تعد مجرد جلدة منفوخة بالهواء تُركل بالأقدام، بل أصبحت من أكثر الوسائل استغلالاً وأيسرها تطبيقاً لتحقيق أهداف تبتعد أحياناً كل البعد عن الرياضة وروح التنافس، فقد باتت ظاهرة كونية تسيل اللعاب لما تنطوي عليه من إمكانات استثمار واستغلال قصوي لجهة حجم التأثير الممكن إحداثه، وهذا ما يفسِّر إقحام جوانب عديدة فيها؛ سياسية واقتصادية واجتماعية، علي أيدي أطراف ذات أطياف وأجندات متنوعة، يسعي كل منها إلي غاياته وأغراضه، غير الرياضية بالضرورة!
وفي حين أن كل أنواع الرياضة تحظي بجماهير متحمِّسة لفريق دون آخر، فإن مستويات هذه الحماسة وأشكال التعبير عنها تختلف من رياضة إلي أخري. ولكن مما لا شك فيه أن كرة القدم تبقي الميدان الذي يؤجج عواطف الجماهير بشكل أوضح بكثير من غيره، وعلي المدرَّجات المحيطة بملاعب كرة القدم نجد أكبر الأمثلة (وأسوأها) عن حالات انقلاب الولاء إلي تعصُّب يقلب أحياناً الوعد بالبهجة والاحتفال إلي مصائب وكوارث.
والحقيقة أن هناك سؤالا شغلني كثيراً. وهو: لماذا استعصت لعبة – كرة القدم – علي الأدب؟ بفروعه المختلفة، هل لأنها لعبة غير قابلة للتدوين؟ ولما فشلت في الحصول علي إجابة لهذا السؤال، بحثت عن الكرة في الأدب والتراث العربي حتي عثرت علي هذه السطور والتي أردت أن أشرك القراء الكرام في مطالعتها.
كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم. واللعبة المعشوقة للتفرج واللعب، التي يمارسها الأطفال والشيوخ، والتي تمارس تلقائيا منذ الصغر.
فقد خرجت كرة القدم من نطاقها الضيق كلعبة مثيرة إلي حد الجنون، شعبية إلي حد الهوس العالمي، وأصبحت نشاطاً اقتصاديا له رجاله. وثقافة لها أهلها وفرسانها، لها مفرداتها ولغة في إطار أدبيات كروية تتجاوز أخبار اللاعبين ووصف المباريات إلي فلسفة اللعبة، وأصبحت ظاهرة اجتماعية حقيقية ثابتة المعالم، وعضوا ثقافيا في سلم المجتمع.
ومع أن الكرة هي قطعة من الجلد المنفوخ، لا جمال فيها ولا فتنة، لا تصلح حتي أن توضع في ركن بالبيت. ومع ذلك تصنع الأفاعيل في الأجيال. وأجناس البشر.
ومع أن قانون لعبة كرة القدم لم يرتفع أبداً إلي قانون الشطرنج، أو أي لعبة فكرية. أو بدنية، إلا أنه يحفظ قواعده الفقراء والأغنياء، والنساء والشيوخ، والسياسي، وغير السياسي، بل يحفظه كل الناس من البشر.
وكرة القدم هي الأثيرة لدي الكثرة الغالبة من الشعوب شرقاً وغرباً أكثر من الرياضات الأخري، مما حدا بالاتحاد الدولي لكرة القدم – الفيفا- إلي دعوة نخبة من الكتاب والأدباء مثل الأديب البرازيلي باولو كويلهو، والكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو لحضور مباريات كأس العالم (المونديال)، شأنهم شأن نجوم السينما والمسرح الذين يحظون بحب الجماهير، ولا يقل عنهم لاعبو كرة القدم وربما كانوا أكثر جاذبية، لما تسببه هذه اللعبة من إثارة وما تصدر عنه من رغبة في التنفيس عن المشاعر المكبوتة في عالم سمته الصراع والتنافس في سبيل إحراز النصر.
ولعبة كرة القدم تمثل القوة لكن ما يُخاف منه أن تتحول من رياضة يسعي أربابها إلي بناء الأجسام والسمو الأخلاقي إلي حرب ضروس يسقط فيها بعض اللاعبين صرعي أو جرحي وهم في شرخ الشباب فتفقدهم الملاعب وتفقدهم شعوبهم وهم عُدَّة المستقبل. كما يُخشي أن تتحول هذه الرياضة إلي مطية لعتاة الرأسماليين دعاة نظرية اقتصاد السوق أو السوء وهو الجانب المظلم للعولمة، فيستغلونها في كسب المزيد من الأرباح عن طريق الإعلانات والمراهنات والدعاية التي تخلب الألباب. والخشية أيضاً أن يُستبدل بالكفاح التنافسي الشريف الصراع الدامي لا بين الفرقاء من اللاعبين بعضهم وبعض فقط، بل بين شعوب ينتمي إليها هؤلاء اللاعبون، فيتحول الأشقاء إلي أعداء أشقياء، وحينئذ تذهب أدراج الرياح أهداف الرياضة، وتطغي الهمجية علي التعاون والإخاء بين البشر، وتُشغل الشعوب لاسيما في العالم الثالث عن تحقيق مطالبها المشروعة باللهاث خلف كرة القدم، هذه الساحرة المستديرة التي جُنَّ بها مشاهدوها، وألهمت أفانينها الأدباء المبدعين، كما وجدت فيها الشعوب المغلوبة علي أمرها ملاذاً لها تمارس فيه حريتها الوحيدة دون إكراه أو رقابة أمنية، فأصبح ولاؤها لهذه الرياضة وحدها، وغدا بعض لاعبيها في نظر الجماهير المتعطشة وبعض رجال الإعلام أيضاً لا عباقرة فقط بل أبطالاً.
ولقد عرفت هذه اللعبة أمم كثيرة ولكن بصورتها البدائية. من تلك الأمم: الصين والهند واليونان والرومان وغيرها، وقد وجدت نقوش فرعونية علي جدران معبدي الأمير “خبتي” والأمير “باكت” لنسوة يلعبن بكرات مستديرة. وأكد العلماء أن هذه النقوش تعود إلي العام 2040ق.م، وكتب هيرودوت أبو التاريخ عام 448 قبل الميلاد يقول: “عندما زرت مصر وجدت هناك لعبة تسمي لعبة الكرة، يصنعها المصريون من جلد الماعز، ويحشونها بالقطن أو القش، ويركلها اللاعبون بالأقدام بين فريقين يتنافسان حتي تصل الكرة إلي نقطة نهاية لتحتسب بعد ذلك هدفا”.
وعن المصريون القدماء نقل الفينيقيون ألعاب الكرة، فانتشرت في اليونان ومنها أخذ اللعبة الرومان وعبروا بها المانش إلي بريطانيا.
ومن الثابت تاريخيا أن تراث الأدب العربي مليء بأنواع شتي من الرياضة البدنية منها علي سبيل المثال: العدو، الفروسية، اللعب بالعصا. حتي الرياضة الذهنية: الشطرنج والألغاز والمسائل الحسابية.
أما بخصوص كرة القدم. التي هي أهم وأشهر اللعبات الرياضية في العصر الحالي. فإننا إذا نظرنا في صفحات تراثنا الأدبي من شعر ونثر لوجدنا عنها الشيء الكثير. جاء في لسان العرب. الكرة: التي يُلعب بها أصلها كروة فحذفت الواو. كما قالوا قُلة: التي يلعب بها والأصل قُلوة- وجمع الكرة كرات وكرون. وقال الجوهري: الكرة أصلها كرو والهاء عوض، وتجمع علي كرين. وكرين أيضا بالكسر، وكرات.
وتسمي في بعض المجتمعات العربية: الكِلَّة وجمعها كِلِل.
ويَعتبر البعض العرب والمسلمين أول من وضع قواعد عامة لكرة القدم ونظموها وابتكروا لها وسائل تجعلها لعبة جميلة ومسلية في آن واحد.
كانت الكرة في أول الأمر تصنع من الحجارة والآجر. ثم الخرق، وكانت الكرات المصنوعة من الخرق تسمي (اللوثة) وجمعها (لوثات) وكانت تصنع أحيانا من مادة لينة تشبه المطاط وإن لم تكن منه وكانت تُكسي أحيانا بالجلود أو الفراء وخاصة فراء الأرنب فتبدو مثل الكرة المعروفة حاليا.
أما عن الكرة في الأدب العربي شعره ونثره فلها الكثير من الذكر.
يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:
يدهدهون الرؤوس كما تدهدي
حزاورة بأبطحها الكُرينا.
يدهدهون: يدحرجون، الحزاورة: الغلمان الغلاظ الشداد، الأبطح: الملعب – مكان مطمئن من الأرض، الكرينا: الكرات أو الأكر(جمع كرة)
ويقول شاعر آخر يصف الكرة إبان مبارة بقوله:
كرة طرحت بصوالجه
فتلقفها رجل رجل.
كما تقول ليلي الإخيليه (ت:42ه) وهي تصف قطاه تدلت علي فراخها:
تدلت علي حصي طماء كأنها
كرات غلام في كساء مؤرنب.
الحصي: جمع أحصي أي أفراخ لا ريش عليها. الكرات جمع كرة. الكساء المؤرنب: غلافها المنسوج من الغزل المخلوط بوبر الأرنب لنعومتها وكونها نفيسة.
ويقول أبونواس في وصف كلب صيد يلعب بأرنب مثل لعب صغير بكرة الدبوق (كرة القدم)
انعت كلباً ليس بالمسبوق مُطهماً يجري علي العروق
جاءت به الأملاك من سلوق
كأنه في الموقد الممشوق
إذا عدا عدوة لا معوق
يلعب بين السهل والخروق
بأرنب وثابةٍ عقوق
لعب وليد الحي بالدبوق.
ومن أبلغ ما قرأت حول الكرة من كتاب محاضرات الأدباء! وهو تصوير بديع لحالة حبها ثم ركْلها قول أبي قريش بن أسوط يصف الكرة:
يحبُّ دنوَّها لهفاً إذا
ما دنتْ منه بكدٍّ أي كدِّ
قلاها ثم أتبعها بضربٍ
وأعقب قربها منه ببعدِ.
وبديع التشبيه قول أبي بكر ناصح الأرجاني المتوفي سنة 544ه يصف غلاما يلعب الكرة مع أقرانه:
يهتز مثل الصعدة السمراء
فقده من شدة التواء
تراه من تمدد الأعضاء
كأنه كوكب الجوزاء.
ومن الظريف أن بعض علماء التربية العرب الذين كتبوا الرسائل في توجيه الناشئة لم يكونوا يستحسنون لعبة كرة القدم، من هؤلاء العلماء: الفقيه العربي بن محمد المساري صاحب كتابه سراج طلاب العلوم (ت: 1185ه) الذي يقول شعراً:
ولعب الكرة ليس مذهبي
إذ فيه للقتال أقوي سبب
يُدنسُ المروءة المُحصنة
ويطرد الوقار والسكينة
فما رأيت فيه شيئاً يحمد
فترك فعله لدي أحمدُ.
الفقيه المساري يري أن لعب الكرة فيه أقوي أسباب القتال كالمدافعة والمخاصمة والمضاربة، وأن لعبها يُخل بالمروءة التي ينبغي تحصيلها، وذلك لأن اللاعب بها يكون كثير الوُثوب والجري والطيش والهرج، وهذا ليس من أخلاق ذوي المروءات، وبالتالي كان ترك لعب الكرة- في نظره- هو الرأي السديد. وقد خالفه بعض الفقهاء، مثل أحمد بن المأمون البلغيثي في كتابه الابتهاج بنور السراج، الذي قال بعد أن شرح الأبيات المذكورة شرحاً لغوياً: “لعب الكرة أباحها بعضهم، كصاحب كتاب مختصر الإفادة وذكر كيفية لعبها، فانظره، وهي من لعب العرب الأقدمين كما يُؤخذ من القاموس والصحاح والمصباح وغيرها من كُتب اللغة. وبها فسروا ما في الحديث: “كُنا نُعطي الصبيان يوم عاشوراء اللُعبة من العهن، نُلهيهم بها عن الطعام”. وكأن من أباحها نظر لما فيها من التدريب علي القتال والشجاعة وخفة الحركة والرياضة، والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأعراف والعادات فرُب قوم لا وَصَم عليهم في لعبها”.
كما يقول أحمد الصافي النجفي عن كرة القدم:
لعب الكرات كالدنيا لنا
فيه تنازع وزحام
كرة تطير بلا جناح في الهواء
فتطير تابعة لها الأحلام
الكل يعشقها وعنه يصدها
فكأن بينهما اللقاء حرام.
وللشاعر معروف الرصافي قصيدة بعنوان- في ملعب كرة القدم- صور فيها الملعب وكأنه ساحة للمعركة والأسلحة فيه الأرجل والأقدام، كما وصف فيها اللاعبين بأنهم وقفوا مستعدين في الملعب لضربة البداية فلما ألقيت إليهم أخذوا يتبادلون ويتناوبون عليها ضربا بالأقدام، وإذا علت تستعد الرؤوس لضربها فمن اللاعبين من هو مهاجم ومنهم مدافع فليس هناك حالة من الاستقرار بل تتحول من الهجوم إلي الدفاع والعكس يقول الشاعر مادحا كرة القدم:
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرةُ تُراض بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمَّرين فألقيت
فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في
ساحة للسُّوق مُعترك بها وصِدام
رَفساً بأرجلهم تساق وضربُها
بالكف عند اللاعبين حَرام
ولقد تحلَّق في الهواء وإن هوت
شرعوا الرؤوس فناطحتها الهام
وتخالها حيناً قذيفة مدفَع
فتمر صائتةً لها إرزام
ولربما سقطت فقام حِيالَها
للضرب عَبل الساعدين همام
فتخالها وتخاله كفرسة
سقطت فزمجر دونها الضرغام
لا تستقر بحالة فكأنها
أمَلٌ به تتقاذف الأوهام
تنحو الشمالَ بضربة فيردّها
نحو الجنوب مُلاعب لطَّام
وتمر واثبة علي وجْه الثرَي
مَرًّا كما تتواثب الآرام
وتدور بين اللاعبين فمُحْجم
عنها وآخر ضارب مِقدام
وكأنها والقوم يَحنو شونها
قلْب عليه تَهَاجَمُ الآلام
راضوا بها الأبدان بعد طِلابهم
علماً تراض بدرسه الأفهام
أبناء مدرسة أولاءِ وكلهم
َفَع مَرير المرفقين غلام
لا بدَّ من هَزل النفوسِ فجدّها
تعَب وبعضُ مُزاجها استجمام
فإذا شغلت العقل فالُه سُويعة
فاللهو من تعب العقول جِمام
والفكر مَنهكة فباستمراره
تهِنُ العقولُ وتهْزَل الأجسام
إن الجسوم إذا تكون نَشيطة
تقوي بفضل نشاطها الأحلام
هذي ملاعبهم فجسمك رُض بها
واسلك مسالكهم عَداك الذامُ.
أما الشاعر محمود أبوالوفا فقد بترتْ ساقُه وهو في العاشرة من عمره إثر عملية جراحية فاشلة ولكنه مع ذلك كتب قصيدة لكرة القدم التي تلعب بالأقدام قال فيها:
كرةُ القدم كرةُ القدمِ
هي لعبتُنا منذُ القدمِ
يا ابن النيلِ يا ابن الهرمِ
العبْ العبْ كرةَ القدمِ
للكرة نداءٌ يُشجينا
ويطيرُ بنا صوبَ الهدف
وكأنَّ صداهُ ينادينا
سيروا سيروا نحو الشرفِ
في العالم نحن لنهضتنا
أصحابُ الرايةِ والعلمِ
ومتي كنَّا في ساحتِها
كُنَّا الحرَّاس علي القيم
أما الأستاذ علي الجندي فله قصيدة بعنوان – ملاعب الكرة – منها:
لم أنس موقفهم وقد شاهدتهم
يتجالدون بحومة الميدان
يتلقفون بحكمة ومهارة
كرة تطير كحائم العقبان
كل لها مترقب متربص
كالقط يرصد سانح الجرذان
يتنازعون الفوز فيما بينهم
وقلوبهم خلو من الأضغان.
أما الشاعر هاشم الرفاعي (شاعر مصري التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل علي الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل علي الشهادة الثانوية سنة 1956م ثم التحق بكلية دار العلوم وتوفي قبل أن يتخرج سنة 1959م). فقد كان مولعاً بكرة القدم ولكن حظه العاثر أوقعه في تشجيع فريق ديدبانه الهزائم الصارخة فكان دائم هجوه وله أكثر من قصيدة في هجائه نورد منها:
- تعاليَ- يا فريقُ هنا – تعاليَ-
فذمُّكَ بيننا أضحي حلالاَ
لمن أُهدي القصيدةَ؟ لست أدري
أَأُهديها –حبيباً- أم –هلالا-
كلا البطلين فِرقتُه تبارت
فما ساوت لدي اللعب العيالا
لنا في – الباسكت- اختاروا فريقا
يحاكي في ضخامته البغالا
وفي - الفوتبولِ- أفرادٌ تبدَّوْا
عِراضاً في ملاعبها طوالا
إذا ما صوّبوا كرةً يمينا
ًلخيبة أمرهم طلعت شمالا
وليس لهم بها علم ولكن
خَدُوهَا بالتلامة والرّذالا
أيصلُح للرياضة فيلُ قومٍ
إذا ما سار تحسبه الجبالا
يحرّك جسمه المكتظَّ لحماً
ويحسب نفسه فينا غزالا
إلي المحراث شُدُّوهم
وإني سأفتِل كي نَجُرُّهُمُ الحبالا.
وقال أيضا بعد أن توالت الهزائم علي فريق معهد الزقازيق الرياضي الذي كان يشجعه:
قِفوا هذا الفريق غداةَ خابَا
طويلاً إن لي معه حسابَا
فريق لو عدمِنا لاعبيه
إذا واللَّهِ قد فعلوا صوابا
همُ نالوا الخيابة بامتيازٍ
وأعطوا كل دلدول مَنَابَا
إذا ذهبوا إلي النادي نراهم
علي خوفٍ بهم بلُّوا الثيابا!
يظل هنالك المحروس منهم
يبرطع مثلَ عجلٍ فيه سابا
ويبرع في الهيافة كل فَلْقٍ
يعرِّش حجرةً ويسد بابا
ولا ينبيك عن سر المخازي
كمن في – جوزةٍ- شرب -الهبابا-
شبين الكوم تهزمنا وطنطا
يقصِّرُ يومُها منا الرقابا
وفي الإسكندرية جاء منها
وقد ملأَتْ هزيمتُه جِرابا
لنا المنصورةُ اكتسحت وعادت
وقد مسحتْ بسمعتنا الترابا
فلوس من – جرايتنا- عليه
لوجهِ الله نصرفها احتسابا
وفي -الهاف تايمِ- يطفح برتقالا
شَرَوْهُ له بأموال -الغَلابا-
أريحونا فإِنا قد شبعنا
كسوفاً واكسبوا فينا ثوابا
عليكم بالشوارع والحواري
وفيها فالعبوا كرةً - شرابا-.
ثم يقول تخليدا لهزيمة فريقه وسخرية من أفراده:
يا خيبةًً قدّروها بالقناطير
جاءت لنا في نهارٍ كالدياجير
إني ذهبتُ إلي النادي فطالعني
مقطِّب الوجه مُغبرُّ الأسارير
يبكي ويندبُ من خابوا بملعبه
وفي المباراة صاروا “كالطراطير”
من كل “شحطٍ” أطال الله قامتَهُ
يكادُ يصلُحُ في جرِّ “الحناطير”
ما كان مُنتظراً هذا المُصاب لكم
يافرقةً كوّنوها من “خناشير”
ما للغبي” وللفتبول” يلعبها
ياليتهم عَلَّقوكم في الطنابير
أخزاكم الله قد جئتم لنادينا
بالعار يا فتيةً مثل “المواجير”
في “الماتش” لم تلعبوا لكْن رأيتكمو
في البرتقال نزلتم كالمناشير
لو كنتُ أعلم أن الخيبةَ انقسمت
من حظكم في سجلات المقادير
لكنتُ جئتُ “بطبال” يزفكم
ورحتُ أتلو علي لحن المزاميرِ
“لا بأس بالقوم من طولٍ ومن غلظٍ
جسمُ البغالِ وأحلام العصافير”.
ويقول الشاعر صلاح دبشه في إحدي قصائده القصيرة:
أنتبه
عند الأشياء التي أحبها
بعد أن رأيت هؤلاء
الذين يحبون الكرة كثيراً
ولا يتعاملون معها
إلا بأقدامهم.
وعن كرة القدم في تراثنا النثري نجد قول ابن خلدون في تاريخه يصف معركة دارت بين فريقين: “ولأنهم علي ما يظهر كانوا يواجهون القتال أبدا كأنهم يواجهون ساحات الصوالج والأكر”.
كما ورد في كتاب نثار الأزهار في الليل والنهار وأطايب الأصائل والأشجار لابن منظور صاحب لسان العرب المتوفي (711ه-1311م): “الدبوق كرة شعرية ترمي في الهواء ثم يتلقاها الغلام ضاربا لها تارة بصدر قدمه وتارة بالصفح من ساقه اليمني راداً إياها إلي العلو علي الدوام”.
وكرة القدم كانت من ألعاب الأطفال بالمغرب والأندلس بالقرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، فقد ذكرها ابن هشام اللخمي الإشبيلي (توفي 570ه) في كتابه: المدخل إلي تقويم اللسان (تحقيق خوسيه بيريث لاثارو، مدريد 1990م) حين قال: “والكرة التي يُلعب بها، فيها لغتان: كُرِةُ وأُكرةُ، علي ما حكي أبو حنيفة فأما قول عامة زماننا كُورَة فخطأ”.
وقد أوجز العقاد في أحد مقالاته، مدارس كرة القدم في عصرنا الحديث- كأنه أحد مدربي كرة القدم الكبار فقال ما نصه: “يعرف خبراء كرة القدم، أربع مدارس مشهورة لهذه اللعبة العالمية وهي:
المدرسة الأيقوسية: وهي التي تعتمد علي الضربات القريبة مع ملاحظة أساليب الشخصيات اللاعبة التي تنتقل الكرة منها وإليها لحظة بعد لحظة.
المدرسة الإنجليزية: وهي التي تعتمد علي الكرة نفسها وعلي اللاعب الذي يصادفها بعد وصولها إليه، ولو ابتعدت المسافة بين من يرسلها ومن يتلقاها.
المدرسة الأوربية: وهي تجمع بين الطريقتين – الأيقوسية والإنجليزية- علي حسب المناسبة، وتضيف إليها شيئاً من ألاعيب الرشاقة والمناورة.
المدرسة الأمريكية: ويشرحونها علي وجوه كثيرة أقربها إلي الواقع أنها توزع الحركة نصفين متعادلين بين خطة الدفاع وخطة الهجوم وبين الابتداء بالسرعة أو تأجيل السرعة إلي الأشواط الأخيرة”.
للمفكّر المغربي عبد الله العروي رواية مستلهمة من كرة القدم بعنوان: الفريق، وكتب الروائي المغربي عبدالكريم الجويطي فصلاً في روايته: زغاريد الموت، عن كرة القدم.
أما الأديب الجزائري رشيد بوجدرة فله رواية بعنوان: ضربة جزاء، وقد استوحي هذه الرواية من حدث وقع في أثناء الكفاح ضد المستعمرين الفرنسيين وأعوانهم. ذلك أن أحد الولاة الجزائريين الذين خانوا شعبهم ووالوا العدو الغاصب كان يجلس بجوار أحد كبار المسئولين الفرنسيين في باريس مشاهدين مباراة لكرة القدم، فصوب فدائي جزائري من المقيمين في فرنسا مسدسه إلي ذلك الوالي في لحظة ركلة جزاء قام بها أحد اللاعبين فأرداه صريعاً. فهذه الرصاصة معادل موضوعي لضربة الجزاء.
وقد دخلت كرة القدم ميدان القصة القصيرة أيضاً، إذ دارت حول محورها أحداث قصة كفر عمر مصطفي للأديب والإعلامي طارق حسن وهي ضمن مجموعته التي نشرت سنة 1997 بعنوان (المسافة الزرقاء)، والقصة تصور عبر التفاصيل الدقيقة تصرفات أركان اللعبة من لاعبين وحكام ومتفرجين ومعلقين، وينقل التليفزيون أحداثها كما ينقل حركات المشاهدين المستثارين وأصواتهم الصاخبة:
“أطلق حكم المباراة صافرته معلناً بداية اللعب: الفريق المضيف يرتدي لون البرازيل: فانلة صفراء، شورت أزرق. أما الضيوف فكانوا يلبسون الزي الأحمر. وبدأت الكرة تتناقل بين الأقدام، ولم تمض ثوان حتي قذف مهاجم الفريق الأصفر الكرة باتجاه مرمي الخصم، فمرت بجوار القائم وكادت تسجل هدفاً... تعالت الأصوات، آهات الإعجاب تأتي من كل صوب، المزمار والطبل البلدي مستمران في إلهاب عواطف الجماهير”.
وتنتهي القصة بالمقطع الآتي الدال علي التشابه أو التفاوت بين لعبة السياسة ولعبة كرة القدم وكيف تستغل الأولي الثانية:
“حمل أهالي الكفر الكأس المُهدي من التليفزيون، وأجري المذيع معهم بعض الحوارات التي اتسمت بالود والوعي بدور الرياضة، وضحك السياسيون المحترفون وهم يلوِّحون للجماهير. وسرعان ما غادروا القرية، وراح الموكب يجول في أزقة الكفر، وانطلقت زغرودة من أحب البيوت فقال الطيب: الآن يستطيع وائل أن يتزوج، ويفي حمدي بنذره ويضحي بالجدي، ويذهب الجميع إلي حقولهم وهم فخورون بالنصر”.
الكاتب الكبير توفيق الحكيم له جملة شهيرة تعليقا علي الرواتب الخياليّة – كما كان يظنها في عصره- للاعبي كرة القدم نصها: “انتهي عصر القلم وبدأ عصر القدم...، لقد أخذ لاعب واحد في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام إخناتون”.
أما نجيب محفوظ والذي عُرف بشغفه “بالساحرة المستديرة” لاعبا في شبابه، ومشاهدا فيما بعد، فقد خصّ كرة القدم بمقال شهير.
أما الشاعر محمود درويش المعروف بحبّه لكرة القدم فله قولة مشهورة عن كرة القدم نصها: “ما هي كرة القدم هذه؟ ما هذا السحر الجماعي الذي لم يحلَّ لغزَه الشائع أحد؟ مارادونا لا يسأل غريزته. سقراط البرازيلي هو المفكّر المشغول بتأملات ميتافيزيقية حول الضربة الركنية. وزيكو يلاحق كابوس ضربة الجزاء، التي طارت من الملعب فطارت البرازيل من الحلم. وبلاتيني يُحسّن شروط التقاعد. وبيليه الخبيث يُجاهد لإخفاء الشماتة التي تصيب الملوك المخلوعين. ولكن مارادونا يعرف شيئا واحداً هو أن كرة القدم حياته وأهله وحلمه ووطنه و.. كونه.” وقد أنكر درويش علي الأدب غفلته عن فتنة كرة القدم فقال: “لماذا لا يتعامل الأدب مع هذا البارود العاطفي، الذي يشعل الملايين في علاقتها بالمشهد الذي يحولها هي إلي مشهد درامي؟”.
أما عبدالكريم الجويطي (روائي ونائب رئيس فريق “رجاء بني ملال” المغربي وصاحب رواية: زغاريد الموت-والتي بها فصل كامل عن كرة القدم)، فيعتقد أن كرة القدم هي التجسيد الأسمي لدراما الحياة، ويقول: “إذا كانت كرة القدم أصبحت الرياضة الأولي عالميّاً ولا يمكن لأي رياضة أن تنافسها، فذلك لأن هذه الرياضة تخاطب شيئا عميقا في الإنسان، فهي الرياضة الوحيدة التي يمكن أن تحرك في الإنسان غرائزه البدائية”.
ويشرح الروائي المغربي فكرته قائلاً: “إذا تأملنا مشهد الملعب سنجد فريقين يجرون وراء الكرة ونجد المرمي وجمهورًا يُحمِّس، أليست كرة القدم في نهاية المطاف هي الطقس البدائي لعملية الصيد، تماماً كما يفعل بعض الصيادين الذين يدفعون الطريدة للدخول إلي الشباك؟ واللاعبون هم الصيادون والكرة هي تلك الطريدة”. وبالتالي هناك شيء في كرة القدم يجعلها لا تخاطب عقل المتفرج، ولا قدرته علي المشاهدة، وإنما تخاطب اللاوعي العميق للإنسان”.
وختاما:
حي الرياضة ما استطعت فإنها في كل شعب للإخاء شعار
يتفرق الأفراد في أهوائهم ولدي الرياضة كلهم إخوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.