من أعظم »أسطوات» الصحافة المرحوم صلاح حافظ، رئيس تحرير روزاليوسف في السبعينات، وصاحب أكبر توزيع وخبطات صحفية في تاريخ المجلة العريقة، ولكنه اختلف مع الرئيس السادات بعد أحداث 18 و19 يناير سنة 1977 المسماة ب »انتفاضة الخبز». السادات كان يري أنها »انتفاضة حرامية»، وصلاح »انتفاضة شعبية قفز عليها الحرامية»، فكانت نهايته في تولي المناصب الصحفية في المؤسسات القومية. وهذا ليس موضوعنا. كنت محظوظاً أن أكون مساعداً له، عند إنشاء جريدة »العالم اليوم»، وهي أول صحيفة اقتصادية يومية، يؤسسها الكاتب الصحفي عماد الدين أديب، وكلف صلاح حافظ برئاسة تحريرها. ظل صلاح حافظ يخطط للجريدة، مع مجلس تحرير رفيع المستوي لمدة ثمانية شهور، وكنت ملاصقاً له، أدون محاضر الاجتماعات، وألخصها وأنفذ سياستها التحريرية في مرحلة التجهيز. صلاح حافظ »السياسي، الاشتراكي، اليساري».. كيف كان يفكر في إصدار صحيفة اقتصادية رأسمالية، تصدر لرجال الأعمال؟ أول سؤال هو: لمن تصدر الصحيفة؟ ثمنها في ذلك الوقت 2 جنيه، والصحف اليومية كانت 30 مليماً، وكيلو اللحمة 3.5 جنيه والجنيه الذهب 90 جنيها، وعلبة السمنة البلدي 2 كيلو 5.5 جنيه، والناس بتصرخ من الغلاء. يعني صحيفة لن يشتريها إلا من يزيد دخله عن 5 آلاف جنيه شهرياً، وتهتم ب: البورصة والأسواق العالمية والبترول والمعادن الثمينة والحاصلات الزراعية وغيرها، وبانوراما عن الأحوال الاقتصادية في العالم. الماس والسوليتير والألماظ، وليس الذهب والفضة، واكتشفنا أن مصر فيها عالم خاص للمجوهرات الثمينة من النساء والمحلات والتجار. الموضوعات الطبية عن السمنة وجراحات التجميل والمستشفيات 5 نجوم، وغيرها من الموضوعات التي تناسب شخصاً دخله 5 آلاف جنيه في ذلك الوقت. ترتيب الزهور وأنواعها، وزراعة الحدائق في الفيلات، وأدوات الرش وغيرها التي تلائم احتياجات السكن في الفيلات وليس الشقق. وهكذا.. حدد للصحيفة »شخصية خاصة، ومتميزة، ومنفردة»، في كل صفحاتها، وجمهور يبحث عنها وتلبي احتياجاته، حتي لا تكون نسخة مكررة من الصحف الأخري، فتنتحر عند باعة الصحف، مثل صحف اليسار التي تدافع عن الرأسمالية، وصحف اليمين تتاجر بالاشتراكية، فأصبحت متشابهة وقديمة وبايته. صلاح كان يجري وراء كل قارئ، ويرفض الخطابة والأساليب الإنشائية والمزايدات السياسية، ويؤكد: الموضوع الذي لا يُقرأ، يجب ألا يُنشر. عندما أدار روز اليوسف كان سياسياً بارعاً، وعندما خطط للعالم اليوم كان اقتصادياً محنكاً وعندما تولي رئاسة تحرير مجلة نسائية خليجية، صنع أروع مطبوعة للمرأة والأزياء والإتيكيت، وحدد جمهوره المستهدف وذهب إليه من أقصر الطرق، ليس عيباً فهذه هي المهنية والجاذبية. كان خلاقاً في ابتداع الجو النفسي للصفحات، الصورة لها نفس أجواء بنط الخط والرسومات والتصميم والألوان، وصناعة البهجة والطاقة الإيجابية. ومات صلاح في مرحلة التجريب وقبل أن تصدر العالم اليوم.