بعد افتتاح شارع محمد علي، وضع علي باشا مبارك خطة لتجديد مسجد قوصون. اكتملت عام 1893، ولم يبق من المسجد الأصلي حاليا سوي أجزاء بسيطة، ورغم ذلك يشعر الزائر حاليا أنه أمام منشأة عتيقة، فحتي عقب تجديده أصبح تاريخيا، بعد مرور أكثر من قرن علي إعادة إنشائه. وظل مجرد ذكر اسمه يحيل إلي واحد من أهم الصراعات التي شهدتها فترة المماليك. نجح قوصون في تنصيب السلطان الطفل، وقبض علي إخوته وسجنهم، كما أطاح بالأمراء المعارضين له. ومنهم غريمه القديم بشتاك الذي سجنه بالإسكندرية، ليُقتل هناك بالعام نفسه. بعدها عرض الأمراء علي قوصون أن يكون نائبا للسلطنة، فوافق بشرط أن يمارس مهام منصبه من القلعة. لكنه لم يشعر بالراحة طويلا، رغم أنه أصبح الحاكم بأمره، فقد كان الأمير أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون يقيم في مدينة الكرك بالأردن، مما هدد طموحات قوصون. قرر الأخير أن يستقدمه ليضمه إلي إخوته بالسجن، لكن أحمد فطن للخدعة فرفض العودة، بينما بدأ مماليك السلطان الراحل بالقاهرة، يضيقون بأفعال قوصون، كما شعر المواطنون بالضيق مما يجري. زرتُ المسجد ظهر أحد أيام رمضان، كان مواطنون معاصرون يملأونه. غالبيتهم استعانوا علي حرارة الجو بأجهزة التكييف الموجودة به، دون أن يعلموا قصة المكان وصاحبه، ربما يذكر قليلون منهم حكاية أخري يتداولونها من باب التفاخر، بمكان أصبح مأوي ينامون فيه! فقد قام الملك فاروق بإمامة المصلين في هذا المسجد ذات جُمعة. كانت محاولة مبكرة لمزج الدين بالسياسة، وإظهاره بهيئة الإمام الصالح. ووسط القصص العديدة أصبح المسجد القديم مجرد ذكري، رغم أن من شاهدوا بقاياه في منتصف القرن التاسع عشر أكدوا أنها كانت فريدة ومتميزة. أرسل قوصون قوة للقبض علي الأمير أحمد، وبدلا من أن تنفذ أوامره بايعت الأمير الهارب علي السلطنة. وفي مصر بدأ الأمراء ومنهم صرغتمش التمرد علي قوصون، وحدث التحام بالقاهرة لكن الأخير انتصر عليهم، غير أن النصر كان مؤقتا، فقد بدأ الأمراء المهزومون تأليب العامة علي محاصرة القلعة، وتسارعت الأمور حتي انقلبت الآية علي قوصون، فتم اعتقاله مع أمرائه وترحيلهم إلي الإسكندرية مكبلين بالأغلال، لحمايتهم من المواطنين الثائرين! ونهب الناس أملاكهم. استغرقت فترة حكم الأشرف كجك خمسة شهور فقط، وهو ما يعني أن الأحداث كانت متسارعة، أطاحت بأحلام الأمير قوصون، الذي توفي في سجنه بالإسكندرية بعد عام. بينما عاد السلطان أحمد وأفرج عن إخوته، وظل السلطان السابق كجك تحت الإقامة الجبرية، إلي أن قُتل علي فراشه ولم يتجاوز عمره اثني عشر عاما.