السعادة، القيمة الثمينة، والنعمة الغالية المسلوبة دوما من معظمنا، والهدف العزيز الذي يلهث وراءه الكثير منا، لو قُدّرت بالمال لَوَجدتَ الناس يتسابقون فيما بينهم لشرائها والفوز بها، وَلَوَجدتَ ملوك الأرض وأغنياءها هم فقط السعداء والبقية محرومين منها، ولو عُرِف مصدر إمداداتها في الدنيا، لَرَأيتَ الناس يبيتون فيها ليلاً ونهاراً ينهلون من فيضه حتي ينضب ولا يكتفون. هي شعور قوي عميق وحالة من البهجة الفريدة شديدة التأثير، هي كنسيمٍ بديع، وريح هادئة مُرسلَة تداعب الجسد كله، مخترقة في ذلك حصون العقل وخلاياه الرصينة، فتجعله أكثر هدوءا، ومحدثة أقصي درجات راحته واتزانه، سواء من ضجيج أفكاره، أو تردد منطقه، أو اهتزاز ثوابته، وأما القلب فتجدها هاتكة لصمته وفاضحة لسره، فيعلن نشوته وفرحه وسروره، وينسي أشجانه واكتئابه وغمه وكربه وهمومه، وكأن أوردة القلب ترقص فرحا، وشرايينه تغني طربا، فيصبح القلب في أقصي مراحل النشوة وأعلي درجات الانشراح والغِبطة. ولِعظمِ تأثيرها علي الجسد كله، بل وقدرتها علي تحويله من حال إلي حال، ومن الصفة لنقيضها، يسعي الناس وبقوة إلي معرفة طريق السعادة والتعرف علي أسباب الوصول إليها. ولكن تبقي مصادر السعادة عند الجميع نسبية، فهناك من يراها في المال فقط، فيري أن المال هو السبب الرئيسي للسعادة وأن عدم وجوده يُنهيها ويُزيل آثارها. وحتي وإن حقق المال الراحة ورسم علي الوجوه البشاشة، وأوصل صاحبه للفرح المؤقت أو بعض من أنواع البهجة الأخاذة، فهل يحقق المال فعلا السعادة الدائمة المنشودة والتي يتمني الجميع الوصول لها؟ هل يصل المال بصاحبه إلي امتلاك خزائن السعادة في الأرض وإدراك سر أسرارها؟ والإجابة يقينا يمتلكها كل فرد منا حتي ولو لم ينطق بها. نعم، فالسعادة يقينا وليس ظنا، تأكيدا وليس شكا، وقولا فصلا جدا وليس هزلا، ليست في المال، لأنه إن كانت السعادة في المال كما يظن البعض، فكيف تفسرون شعور البعض من الفقراء بالسعادة؟ أو بماذا تردون إن وجدتم بعض الأغنياء وهم أتعس المخلوقات علي وجه الأرض؟ وأذكر لكم بعض النعم والتي لا يستطيع المال شراءها، مهما عظم المال أو تكاثرت الثروات، وهم الصحة، والسمعة الحسنة، تعويض فراق الأموات، الأمومة والأبوة، الحب الحقيقي، الأخلاق، حب الناس، النجاح والإبداع، كسب ثقة الآخرين، الأمان وراحة البال، الصبر والرضا، وأخيرا حلاوة الإيمان، وغيرها الكثير من القيم والنعم والتي يقف المال عاجزا عن تلبيتها أو إشباعها. السعادة نعمة ليتنا ندرك كيف نهتدي إليها، وألا نتشعّبَ في طرق عدة غير طريقها، وأن نعرف أن من وهبنها إياها هو منبعها ومصدرها، وكلما بعدنا عنه سُلِبت منا.