محافظ بورسعيد: تنفيذ 90% من مشروع إنشاء شبكة انحدار صرف صحي بالضواحي    مصر والتشيك تبحثان تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    عادل حمودة: نتيناهو في مأزق حاد.. والجنود الإسرائيليين في حالة هلع    في مفاجأة غير متوقعة.. جماهير الوصل الإماراتي تُحيي آمال الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان في نهائي الكونفدرالية    عاجل.. تشكيل نابولي الرسمي لمواجهة فيورنتينا في الدوري الإيطالي    نشرة «المصري اليوم» من المنيا: مصرع 3 أشخاص واصابة 9 آخرين في حوادث طرق.. وتحقيقات في غرق طفل نادي بني مزار    الحماية المدنية تخمد حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    جائزتان لفيلمي سيمو لعزيز زرمبة وترينو لنجيب كثير بمهرجان إمدجاسن السينمائي الدولي بالجزائر    فيديو.. هل يجوز التبرع للمشروعات الوطنية؟ المفتي يجيب    الكشف على 917 مواطنا في قافلة طبية مجانية بقنا    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    الرئيس الأوكراني يوقع قانونا يسمح للسجناء بالخدمة في الجيش    وسط فرحة كبيرة من المصلين.. حضور رسمي وشعبي واسع في افتتاح المساجد اليوم    انخفاض كبير ب«حديد عز» الآن.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالأسواق    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    إزاحة الستار عن 3 مشروعات باقتصادية قناة السويس باستثمارات 30.5 مليون دولار    بالصور.. رئيس مدينة المنيا يفتتح مسجدين جديدين    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات أيام الجمعة والعطلات الرسمية لضعف تشغيلها    أمه خدرته لاستخراج أعضائه.. نجاة طفل فى بورسعيد من نفس مصير فتى شبرا الخيمة    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    زعيم السعادة 60 سنة فن    البيت الأبيض: الولايات المتحدة لا تريد أن ترى احتلالا إسرائيليا في قطاع غزة    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    غدًا.. متحف البريد يستقبل الزائرين بالمجان بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف    مقتل شرطيّين جنوب ماليزيا خلال هجوم يشتبه بأن منفّذه على صلة بإسلاميين    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    حسام موافي يحدد أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الأنشطة غير المصرفية تقدم تمويلات ب 121 مليار جنيه خلال فبراير الماضي    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مخيم البريج ورفح بقطاع غزة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمياط صائمة.. هيا ندق الخشب الزان بالشواكيش حتي السحور!
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 05 - 2019


ورش الموبليات
ارتبط شهر رمضان عندي بالعمل في ورش الأثاث من بعد العشاء وحتي ساعة السحور. شغل متواصل وإرواء الظمأ بأكواب عصير الكركديه والسوبيا والتمرهندي. كان كل معلم حريصا علي بعث البهجة في أفئدة الصبيان والعمال والأسطوات، فتحضر صواني السحور والتي غالبا ما تكون أرغفة من الخبز المقدد والفول والجبن والزيتون المملح في البيوت أما الزبادي فيمر به بائع يركب دراجة هوائية، يضعه طبقات في أوعية فخار فوق رأسه: سلم واستلم.
دولاب العمل في هذا الشهر لا يتوقف، صحيح أن الورش تفتح أبوابها متأخرة ساعتين لكنها تعوض ذلك بالسهر، وفي شارع عبدالرحمن تعلق الفوانيس المصنوعة من الخشب والأبلكاش وتمتد بين أحبال مشدودة لناحية البيوتات القديمة، وفي مدخل كل بيت »سقاطة»‬ حديد تمثل قبضة تدق بقوة.
عائلة حمص
بالقرب من سوق البلح توجد منطقة أزقتها واسعة بعض الشيء تجلس فيها البائعات وأمامهن البلح »‬الصيص» والرطب والجوافة والليمون والبامبوظا، وأحيانا العنب والخوخ والتين حسب الموسم. بيت حمص مكان تجمع »‬السيارة» وفيها يجتمع أصحاب الطرق الصوفية، كل طريقة لها شارة معينة أو طاقية أو وشاح أما البيارق فتحمل أسماء الصحابة. تنطلق السيارة في »‬ليلة الشك» وأحيانا يسمي موكب »‬الرؤية».
من خلفها مواكب تضم عربات خشبية تجرها الحمير، وفوق الخشبة المثبتة صبية وأسطوات يمثلون مظاهر العمل حيث التفنن في تشخيص الحرف والمهن: الحداد، النجار، الحلاق، الترزي، الفران، بائع العرقسوس بالصاجات الرنانة، وغيرها.
من خلفهم حلقات الذكر وتطويح الجسد، تسير الحشود حتي تمر بجامع البحر ويكون في استقبالهم »‬المحافظ» وبجواره مدير الأمن بزيه الميري، فيرفع يده بالتحية، ولا يتم إطلاق المدافع إلا في حالة ثبوت الرؤية.
جامع عمرو وتعاليق شيحة
تنتهي السيارة عند أبواب جامع عمرو بن العاص، ويعد ثاني جامع بني في مصر، ومن خلفه »‬تعاليق شيحة» وكان يضم سيوفا وحرابا ومقاليع وصلت إلينا من الحروب الصليبية، ثم هدم الضريح، ولا أحد يعلم أين ذهبت أدواته التي رآها أجدادنا، وصورها صديقي المصور مصطفي شنشن، وعلي بعد خطوات »‬جامع الست الوالدة» يسمي هكذا وعلي الشارع الرئيسي مدفن أسرة عالم الذرة الدكتور علي مشرفة، وقد تتبعنا تاريخ العائلة فوجدنا أنه ملك العائلة بينما مشرفة نفسه دفن بالقاهرة.
يندر أن تجد دمياطيا عاطلا، فالجميع في حرفة، يكسب منها: مذهباتي، أسترجي، أويمجي، منجد، قشرجي، وقد تسني لي أن أري قرب النهر عملية شق الخشب حيث يقف شخص علي قطعة خشب مجهزة لصعود شخص عليها بينما زميله يقف علي قدميه، ويتم الشق والنشر لساعات طويلة غير أن دخول الميكنة حل المشكلة بشكل جذري. وبسبب دخول ماكينة »‬التخبيط» الإيطالية فيما بعد، والتي تقوم بالنقش علي الخشب آليا، فقد أوشك الحرفيون المهرة من أسطوات الأويما علي الانقراض ماعدا قلة قليلة ما زالت تحافظ علي تقاليد العمل.
رصيف شاهين
علي بعد 15مترا من بيت جدي الحاج توفيق، يوجد أشهر مقهي بالمدينة هو »‬مقهي شاهين»، فهو مقهي احتضن المرشحين في انتخابات مجالس الأمة والشعب والاتحاد الاشتراكي والمنابر ثم الأحزاب.
كان طاهر أبوفاشا يأتي خلال شهر رمضان ليجلس مع أصدقائه من الشعراء والصحفيين علي رصيف المقهي فيطلقون النكت والدعابات، ويلقي الموجودون قصائدهم. وحين يأتي وقت مسلسل »‬ألف ليلة وليلة» التي نقلها أبوفاشا من بطون الكتب التراثية إلي فضاء الأثير، يستمعون للحلقات التي تثير خيالهم بشيء من جنوح المخيلة. وعلي نفس المقهي جلس سياسيون كبار غير أن ما يميز المقاهي في رمضان أنها تفتح أبوابها بعد انطلاق مدفع المغرب مباشرة وتظل حتي رفع أذان الفجر.
»‬تورة» الطيور المهاجرة
قرب سوق السمك يقف مجموعة من بائعي الطيور المهاجرة خاصة في الخريف لبيع الشرشير والبلبول والغر والخضير والسمان، وتباع الطيور ب »‬التورة» وهي أربع حبات، وتكون في حبل مجدول من القش.
يفضل الدمايطة أن يكون أول يوم رمضان مأدبة للبط المرجان والسوداني والموسكوفي، ومهما كان المستوي الاقتصادي للأشخاص فوجود البط فرض عين، خاصة مع العرسان فهو من تقاليد إرسال »‬المواسم» للفتيات.
يمتنع الناس عن تناول الأسماك لمدة تقارب عشرة أيام ثم يؤكل بحذر مقليا أو مشويا أو صيادية، وذلك لأن أكل السمك يؤدي إلي العطش.
القلل.. بماء الورد
علي أغلب النواصي تملأ القلل وترش بماء الورد، تلك التي تقدم لكل عابر سبيل مع بعض حبات التمر عند الإفطار، ولكن القلل نفسها يتم تفريغها من الماء وتبقي قلة صغيرة للأطفال العابرين، فالمجاهرة بالإفطار عيب، ومن يضبط مفطرا فسيكون عليه سماع أغنية: »‬يا فاطر رمضان.. يا خاسر دينك.. كلبتنا السودا.. قطعت مصارينك». وهي أغنية تؤدي بحماس للتشهير بالمفطرين مع أن أغلب الأطفال يكتفون بصيام نصف يوم!
في السنوات الأخيرة ظهرت غير المشروبات التقليدية مشروبات أخري: عصير الدوم، الاناناس، الليمون بالنعناع، الرمان، وعصير العنب.. تصور!
ساعة ضيقة
كثير من أهل دمياط يفضلون قضاء شهر رمضان في رأس البر خاصة في مواسم بعيدة عن الصيف لما يلاقونه من هدوء وسكينة، فتحمل الأسر أطعمتها ويجلسون قرب البحر المتوسط أو في منطقة »‬الجربي» المواجهة لمدينة عزبة البرج.
وقبل المدفع بحوالي ساعة يبدأ التدافع للعودة إلي المنازل خاصة عمال الورش من سكان القري مثل الشعرا، والمنية، والبصارطة، والعنانية، وأولاد حمام، والخياطة، والشيخ ضرغام، والحوارني، والبستان، وكفر البطيخ، وغيرها.
وقد تأملنا الوضع ساعتها فوجدنا المشاجرات تكثر في تلك »‬الساعة الضيقة» خاصة لمن اعتادوا شرب السجائر، فقد أصبح الدم يصرخ طالبا النيوكوتين.
ككل مدن مصر دخلت »‬موائد الرحمن» المحافظة، وأغلب مرتاديها من الغرباء ومن العابرين أما أبناء المدينة فيفضلون الإفطار في بيوتهم.
كانت صينية »‬الأمَمَة» من الأكلات الشهيرة في شهر رمضان وتصنع من طبقات الرقاق بعد سكب حساء البط عليها ( تسقيتها )، ويتم حشو الطبقات بالزبيب والصنوبر وقطع الكبدة والقنصة والبصل المقلي بالزيت. وعموما فشعب دمياط يطبخ بالزيت كل أطعمته ولا يفضل السمن البلدي.
زيارة الدلافين
لأن نهر النيل متصل بالبحر المتوسط، فقد كنا نلمح زيارات للدلافين قادمة من البحر لتقوم برؤية النيل والسباحة في مياهه حتي تبلغ »‬السد» قرب الشعراء وما تلبث أن تعود، وكانت زعانفها تظهر فضية خلال حركتها الدورانية المدهشة، كنا نصفق لها ونحن نقف قرب سور الكورنيش.
أمام جامع البحر وفي مواجهة ضريح »‬الصياد» بالسنانية يوجد مدفعان يطلق كل منهما طلقة واحدة عند المغرب وعلي وقعه تفطر المدينة. ويقوم بإطلاق المدفع عسكري من فرقة المطافئ. هذا المدفع قريب من معرض موبليات الروائي الراحل مصطفي الأسمر.
أما بالقرب من جامع البحر فيوجد كوبري معدني عال جدا. لو جاء رمضان في شهر الصيف فسيكون مجالا للتنافس بين الشباب حول أجمل حركة غطس. وقد أزيل الكوبري القديم وصنع الدكتور محمد البرادعي منه متحفا للفنون غير أنه تعرض للسلب والنهب مع أحداث ثورة 2011، ومازالت قطعة من قطعه الثلاث تقف عارية أمام مكتبة مصر العامة بحي الأعصر.
دوري رمضان الكروي
رأيت دوري كرة القدم يلعب فيه نجوم دمياط: رفعت الفناجيلي، ورضا الزكي وسعيد دعيدر، وفاروق جمعة، وعبدالفتاح الكرارتي، ورأيت السنجق نجم المصري البورسعيدي. كانت المباريات تقام في حارة »‬النفيس» أمام مدرسة الحزاوي مقر تجهيز جريدة (أخبار دمياط) لصاحبها زكريا الحزاوي ويدفع المشاهدون أجرا للكراسي التي جلسوا عليها.
بعدها صار لكل حي دوري خاص به، وتحولت أغلب شوارع دمياط لساحات للتنافس في الكرة وهناك أسماء لاعبين لهم شهرة واسعة، ويتم شراء كأس باسم الفريق الفائز كما تمنح ميداليات عليها اسم وتاريخ الدورة.
وقد انكمشت بطولات المصارعة والملاكمة ورفع الأثقال التي أنجبت لمصر أبطالا معروفين، وكان رمضان يشهد مباريات للتنافس في بطولاتها غير أن كرة القدم استولت مؤخرا علي اهتمام الأغلبية.
مسرح دمياط القومي
شهدت محافظة دمياط نهضة رائعة في سنوات الستينيات، وكان لها فرقة للفنون الشعبية فازت بكأس التلفزيون وكان مديرها الفنان أحمد شبكة، كما عرض نفس المسرح أعمالا ليسري الجندي ومحمد ابو العلا السلاموني ومحمد الشربيني، وكان يأتي شهر رمضان فنجد عروضا مسرحية لفرق قادمة من القاهرة والإسكندرية وبورسعيد.
للأسف تم هدم مسرح دمياط القومي، وتحول إلي »‬خرابة» وقد قدم أدباء وفنانو المحافظة طلبات متوالية للمحافظين فلم يتحمس أحدهم لإعادة بناء ذلك المسرح، وقابلوا الطلبات بالصمت التام.
وحاليا تتولي الدكتورة منال عوض منصب المحافظ، ولم تلتفت بعد إلي الطلب حتي الآن.
كان شهر رمضان يأتي فيشتعل هذا المسرح بالأضواء ويأتي الناس لينعموا برؤية أعمال فنية راقية. لا يوجد حماس لبناء مسارح أو دور سينما باستثناء رأس البر التي يوجد بها عدة دور سينما قرب اللسان وقد أزيلت »‬القاعة الخضراء» المخصصة لمعارض الفن التشكيلي.. وبالرغم من هذا النقص الفادح ففي كل رمضان يترحم الناس علي بقعة ثقافية وفنية ظلت معطاءة علي امتداد سنوات طويلة، تعرضت للاندثار.
المباركة.. رياح الخير
قبل انتهاء الشهر الكريم تبدأ البيوت في أكبر عملية خبيز في الدنيا حيث يتم عمل صيجان الكعك ( بعجوة أو بملبن) والبسكوت والغريبة والسفوفية والبتي فور والقرصة والمنين. تسهر السيدات للصباح لتجهز صفائح مليئة بالمنتجات.
في نفس الوقت يقترب موسم »‬المباركة» ومعناها الانتهاء من »‬طلبيات» الزبائن من حجرات نوم وسفرة وصالونات. يقدم المعلم للصبية والأسطوات أجرهم الأسبوعي، معه »‬عيدية» معتبرة، ويقطع لهم كسوة مناسبة.
تستمر المباركة لحوالي اسبوعين أو أكثر، تغلق فيها الورش والمعارض وحوانيت الحرف، وقلما تجد ورشة تفتح أبوابها. والغريب أن الورش والمحال والمعارض تفتح أبوابها علي استحياء، تدريجيا، وتعمل بإيقاع بطيء قبل أن تعود الورشة لطبيعتها في إخراج الشغل.
ومن الملاحظ أن أول يوم عيد يكسر الناس صيامهم بأكل »‬الفسيخ» أو »‬الرنجة»، أو »‬التونة» أو »‬السردين المملح».
النهر.. رحلات المراكب
يستمر العيد الصغير ثلاثة أيام، فيه يذهب الأطفال بعد »‬المسامحة» من المدارس للحدائق العامة، وفي دمياط تحديدا يركبون الزوارق التي تقوم بعمل دورة باتجاه الشمال قبل العودة لإنزال الركوبة في ظل يقظة رجال الإنقاذ النهري.كما توجد مركبة صغيرة علي هيئة إوزة يتم تأجيرها لشخص واحد ويشرف علي الجولة مراكبي ماهر في السباحة.
تفتح »‬حارة العيد» أبوابها حيث الأراجيح، و»‬الدوخيات» ولعبة »‬المليم بأربعة» وطبعا انتهي عهد المليم وجاء الجنيه وريثا لدوره التاريخي. في ذلك المكان توجد ألعاب أخري وحيل مختلفة، كما يوجد »‬دق الوشم» ويحضر باعة الحمص والفول والحلاوة المطمن طنطا.
وحتي عهد قريب كانت عربات خشبية تجرها حمير تذهب للكوبري وتعود وفوقها أطفال من البنات والصبيان بملابسهم اللطيفة. يغني صاحب العربة (العربجي) ويرد عليه كورس من الاطفال: »‬ منين.. لفين؟».. »‬ للكوبري».. »‬ يا عربجي».. »‬ يا حرامي المليم».
يضحك الجميع بفرح وبهجة لأنها أيام مفترجة، يعيدها عليكم ربنا بالستر والصحة والعافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.