بعد لقاء بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، في التاسع من أبريل الماضي، عادت للواجهة مجددا، فكرة إدراج الولاياتالمتحدة لجماعة الإخوان المسلمين علي قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وكانت صحيفة نيويورك تايمز أول من نقل الخبر، وأفادت الصحيفة عن سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن ترامب يبحث القضية وفق مسار داخلي مع فريقه للأمن القومي، كما بحثها مع قادة آخرين يشاطرونه القلق من تنظيم الإخوان. وذكرت الصحيفة في تقرير أن إدارة ترامب وجهت مستشار الأمن القومي جون بولتون ودبلوماسيين آخرين من أجل اقتراح طرق لفرض عقوبات علي الجماعة. ومن المعروف أن مصر والإمارات وروسيا تصنف جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا عام 1928، منظمة إرهابية وتجرم التعامل معها. وليد فارس المستشار السابق في حملة ترامب، قال لوكالة رويترز، إن مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو متفقان علي إدراج الإخوان علي لائحة الإرهاب. لكن قرار تصنيف الإخوان جماعة إرهابية يواجه معارضة من قبل »جزء من البيروقراطية» داخل إدارة ترامب لأسباب مختلفة، من بينها صعوبة تصنيف هذا التنظيم إرهابيا كونه متشعبا ودوليا. حيث إن »جزءا منه منغمس في أعمال وتنظيمات جهادية ويمكن إثبات ذلك، بينما هناك جزء منه أعضاء في أحزاب سياسية». وأوضح فارس إلي هناك معارضة أخري »من ورثة أوباما» في الإدارة الأمريكية»، وتتلخص رؤيتهم حسب فارس في استخدام الإخوان ضد الإسلاميين الأكثر تطرفا، »إلا أن وجهة النظر هذه اضمحلت مع الوقت». ويعتقد فارس أن القرار إذا اتخذ سيكون داخل إطار السلطة التنفيذية. وفي حال أدرجت واشنطن الإخوان علي قائمة المنظمات الإرهابية، فإن ذلك سيجعلها هدفا للعقوبات والقيود الأمريكية فورا بما في ذلك حظر السفر وغيرها من القيود علي النشاط الاقتصادي. ويسمح إدراج الإخوان المسلمين علي قائمة »الجماعات الإرهابية» لواشنطن بفرض عقوبات علي أي شخص أو جماعة أو كيان علي صلة بها، علماً بوجود عشرات الكيانات والمؤسسات العاملة في مجالات إنسانية واجتماعية في الغرب لديها ارتباطات فكرية أو تنظيمية بأفرع الجماعة المختلفة. وهنا تصطدم الإدارة الأمريكية أيضاً بجماعة لها فروع في عدة دول، وإما تستخدم تلك الأفرع الاسم نفسه وإما لها ارتباطات تاريخية بالجماعة الأم المصرية، بل وبعض هذه الأفرع علي اختلاف تنوعاتها وأفكارها مشارك في حكومات بعض دول الشرق الأوسط. وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلي أنه ليس من الواضح طبيعة العواقب التي ستجلب الخطوة بالنسبة للأمريكيين والمنظمات الإنسانية الأمريكية التي لها ارتباطات بشكل أو بآخر بالجماعة أو أفراد يحملون فكرها. ومن شأن التصنيف أيضا أن يجرم علي الأمريكيين تمويل الجماعة، ويحظر علي البنوك أي معاملات مالية لها، فضلا عن منع من يرتبطون بالإخوان من دخول الولاياتالمتحدة وتسهيل ترحيل مهاجرين عملوا أو يعملون لصالحها. توم حرب، عضو المجموعة الشرق أوسطية المؤيدة لدونالد ترامب يقول لوكالة الأسشيوتيد برس، إن القرار سيمثل في حال اتخاذه، ضربة موجعة ليس للإخوان فقط، بل بالحركات والمؤسسات التابعة لها. ويري حرب أن تصنيف الجماعة إرهابيا سيقوض دور الإخوان المالي والاقتصادي. صحيفة نيويورك تايمز ذكرت أن هناك فكرة طرحت داخل الإدارة الأمريكية حول تصنيف الفرع المصري فقط من الجماعة، لتجنب حدوث مشاكل دبلوماسية مع دول أخري قد لا تكون فيها الجماعة مصنفة إرهابية. لكن مستشارة الرئيس ترامب كيليان كونواي قالت في تصريحات لقناة »الحرة» إنه ما من مخاوف لدي الإدارة الأمريكية من تعقيدات دبلوماسية أو سياسية قد تنتج عن تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية». ويقول طوني بدران، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، إن »هناك إشكالية تتعلق بالقرار، وإذا ما سيتم تطبيقه بشكل شامل علي جماعة الإخوان أم أفرع معينة منها.» ويضيف بدران أن »هناك فروقا بين أفرع جماعة الاخوان المسلمين حول العالم، ففي غزة هناك جماعات إرهابية لها علاقة بتمويل الإرهاب كحركة حماس، لكن في أماكن أخري يصعب إنزال تعريف الإرهاب القانوني علي أفرع الإخوان». غير أن النقاش حول تصنيف تنظيم الإخوان كتنظيم إرهابي ليس جديدا، ففي فبراير من عام 2016 وبأغلبية 17 صوتاً مقابل رفض 10 أصوات، صدّقت اللجنة القضائية بالكونجرس علي مشروع قرار ينص علي إدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية. وقال بوب جودلاتي رئيس اللجنة آنذاك بعد التصويت: »كان يجب إدراج جماعة الإخوان منذ مدة في قوائم الإرهاب، بسبب تبنيها العنف، والتهديد الذي تشكله علي الأمريكيين والأمن القومي للولايات المتحدة». وكان أعضاء في الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب تقدموا بمشروع قرار مماثل في نوفمبر من عام 2015 دون أن يسفر ذلك عن شيء. ومن العبارات التي وردت في حيثيات التشريع لعام 2016: » في عام 2008 كانت وزارة العدل تتابع أكبر قضية في التاريخ الأمريكي عن تمويل الإرهاب، وكان مما كشفت عنه التحقيقات أن جماعة الإخوان تملك مؤسسات علي شاكلة Holy Land Foundation (مؤسسة الأرض المقدسة)، والتي ثبت لاحقاً أنها تمول وسائل إعلام ومسلحين تابعين لحركة حماس، وهذه التمويلات تم استخدامها في قتل أمريكيين وحلفائنا في الشرق الأوسط، وحينما تُسنح لهم الفرصة لتكرار هذا الأمر هنا في الولاياتالمتحدة سيفعلونه بلا شك». وخلص النص إلي أن »جماعة الإخوان المسلمين تستوفي كل الشروط اللازمة لتوصيفها كجماعة إرهابية». وينص مشروع القرار علي »إذا أجاب السيد وزير الخارجية بأن الإخوان لا تنطبق عليهم المعايير، فعليه أن يقدم تبريرات مفصلة لمن لا يرضي بذلك في الكونجرس». وتم تضمين الحيثيات شهادة روبرت مولر المدير السابق للمباحث الفيدرالية الأمريكية FBI، في جلسة استماع بالكونجرس قال فيها: »أستطيع القول جملة واحدة إن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين قدموا دعماً للإرهاب هنا وفي خارج الولاياتالمتحدة»، فضلاً عن ذلك فقد تم الاستناد إلي تقارير صادرة عن المخابرات الأمريكية »IA أشارت إلي أن تنظيمات مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وكذلك تنظيم القاعدة لهم جميعاً جذور ممتدة للجماعة التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928. صحيفة هافينجتون بوست أشارت إلي أن أحد الأمور التي استند عليها المتحمسون لمشروع القرار في 2016 هو أن العام الذي حكم خلاله الإخوان مصر، في أعقاب ثورة يناير، مارسوا خلاله القمع والعنف ضد المسيحيين وكل المخالفين لأيدولوجيتهم المتطرفة. كما لفتت إلي أن هناك خمس دول تعتبر الجماعة بالفعل منظمة إرهابية هي: مصر والسعودية والإمارات وسوريا وروسيا، وأن إسرائيل وبريطانيا وكندا بصدد اتخاذ قرار مماثل لا سيما في حال تبني الكونجرس المشروع المُقدم إليه. وفي ديسمبر من عام 2015، توصل تحقيق حكومي بريطاني، أشرفت عليها المخابرات البريطانية بقسميها الداخلي MI5K والخارجي MI6K، وتناول جماعة الإخوان المسلمين، ونُشر جزءٌ منه في بعض الصحف الغربية، إلي أنّ الجماعة، رغم أنَّها ظاهرة مختلفة عن الجماعات الإرهابية تماماً مثل »القاعدة»، يمكن في بعض الأحيان أن تكون »بوابة للعنف»، وأن ادعاءات الجماعة أنها ستكون حصناً مفيداً ضد الإرهاب يجب أن يُنظر إليها بعين الشك. وربط التقرير البريطاني ببين جماعة الإخوان وشخصيات رسمية قطرية وُصفت بأنها ممولة للإرهاب، ويعود التقرير إلي عام 2007 حيث صُنّف خليفة محمد تركي السبيعي كأحد »أرفع موظفي الدولة القطرية»، إذ كان يعمل في البنك المركزي. لكن في بداية عام 2008، يذكر تقرير في صحيفة ديلي تليجراف البريطانية أن السبيعي حاكمته السلطات البحرينية غيابيًّا بتهمة »تمويل الإرهاب والانتماء إلي منظمة إرهابية والخضوع لتدريب إرهابي وتسهيل خضوع الآخرين لمثل هذا التدريب». وبعد أشهر علي حكم البحرين، اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية السبيعي ب»تقديم دعم مالي لخالد الشيخ محمد أحد مهندسي هجمات 11 سبتمبر 2001'- كما تصفه واشنطن- وإلي قادة القاعدة في باكستان، وبنقل الإرهابيين الذين تمّ تجنيدهم إلي مركز تدريب القاعدة في باكستان. كذلك عمل كهمزة وصل دبلوماسية بين القاعدة وأطراف أخري في الشرق الأوسط». ولكن التقرير يلفت إلي أنه بعد إدانة البحرين له، أوقفته السلطات القطرية في شهر مارس، ثم ما لبثت أن أفرجت عنه في سبتمبر من العام نفسه حتي بعد توجيه واشنطن اتهاماتها له. بعدها وضعته الأممالمتحدة بدورها علي لائحة القاعدة السوداء. ورغم تعهّد السلطات القطرية ب»إبقائه تحت السيطرة»، تمّ عام 2014 القبض علي شخصين أردنيين يحملان الهوية القطرية وقالت واشنطن إنهما عملا مع السبيعي عام 2012 وقاما بنقل مئات آلاف الدولارات إلي القاعدة في باكستان. تقرير ديلي تليجراف ينقل عن السلطات القطرية بأن السبيعي لا يزال يحتفظ بهويته القطرية وبجواز سفر صالح. أما وزارة الخزانة الأمريكية فلفتت في تقريرها الأخير إلي أن السبيعي ما زال يعدّ »من سكّان قطر الذين لم يؤخذ بحقهم أي إجراء بموجب القانون القطري». وكانت الصحيفة كشفت قبل شهرين عن وثائق أمريكية رسمية تؤكد أن أشرف عبد السلام، الذي يقاتل في سوريا منذ بداية 2016، »ساعد السبيعي في نقل مئات الآلاف من الدولارات إلي القاعدة في باكستان». وتعتبره الاستخبارات الأمريكية »الداعم المالي لتنظيم القاعدة في العراق وجبهة النصرة في سوريا». كذلك كشفت الوثائق، حسب ديلي تليجراف، عن صلات السبيعي بعبد الملك محمد يوسف عثمان عبد السلام المعروف ب عُمر القطري، الذي أرسل، بحسب المسئولين الأمريكيين- »عشرات الآلاف من الدولارات» إلي زعيم جماعة خورسان في سوريا محسن الفضلي. وتشير تلك الوثائق إلي أن »عمر القطري جمع التبرعات للقاعدة عبر الإنترنت، ونسّق مع السبيعي لنقل عشرات آلاف الدولارات للقاعدة وزعمائها».