لواء أ.ح. سيد غنيم لاحظت دول الثمانية من خلال تقريري التنمية الإنسانية لعام 2002تدهور الاقتصاد والتعليم والصحة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك ارتباطاً بتدني الحالة السياسية وتزايد هجرة الشباب والمفكرين بجانب حالات التطرف، والذي بدوره يزيد من حالات عدم الاستقرار بدولها فيجعلها محضنا لتفريخ الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، لتصبح تهديدا للأمن العالمي.الأمر الذي دفع لقيام الولاياتالمتحدة بإطلاق»مبادرة الشرق الأوسط الكبير» لتشمل الدول من أفغانستان وباكستان في غرب آسيا إلي موريتانيا في شمال أفريقيا، متضمنا تركيا شمالاًوالسودان جنوباً. وتعمل المبادرة علي عدة محاورأهمها »سياسياً» دعم حقوق الإنسان وإجراء التغييرات والإصلاحات الديمقراطية وتشجيع الحكومات الرشيدة علي انتهاجها، وإجراء اتفاقية مع دول المنطقة لصالح ترتيبات أمنية أمريكية/ أوروبية مشتركة باسم »شراكة السلام الآمن. و»معرفياً» ببناء مجتمع معرفي يعتمد علي آليات أهمها تغيير البرامج التعليمية كبداية حقيقية لمعالجة ظاهرة التطرف الإسلامي. و»اقتصادياً» بتوسيع الفرص الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية إقليميا ودوليا. وتري الولاياتالمتحدة أن كل ما سبق يمكنها من تحقيق هدفها الإستراتيجي الأهم وهو أن تبقي القوة الأعظم في عالم أحادي القطب وبما يمكنها من تقويض قدرات الصينوروسيا في موقعهما شرق وشمال آسيا. إلا أن المبادرة الأمريكية قد فشلت في تحقيق اهدافها لاقترافها عدة أخطاء أهمها التدخل في الشأن السياسي الداخلي لدول المنطقة، والعمل باستراتيجيات في دول معظمها لا ينتهج استراتيجيات متماسكة، كما أن الولاياتالمتحدة بنت استراتيجياتها علي أساس التنافس مع روسياوالصين الأمر الذي زاد حدة التنافس بين دول المنطقة. من جانب آخر، نري الصين تهدف لمنع الأخطار التي تهدد وحدة أراضيها وبما يضمن »سياسة صين واحدة» آمنة مستقرة، والحفاظ علي النظام الداخلي وقدراته في مواجهة تحديات الاستقرار الاجتماعي.وتعظيم قوتها الاقتصادية باعتبارها داعماً رئيسيا للنفوذ الجيوسياسي، وتسوية نزاعات الحدود البحرية مع الدول المجاورة وفقا لسياستها الإقليمية، وتأمين مصادر الطاقة والممرات المائية في وسط آسيا والشرق الأوسط.. ولتحقيق ما سبق أرتأت الصين ضرورة الخروج من شرق آسيا للتصدي لدول الولاياتالمتحدة وحلفائها وتحديداً اليابان والهند وأستراليا وحرمانها من محاولات تطويقها في بحر الصين الجنوبي، ورأت الصين أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال مبادرة منافسة وهي »الحزام والطريق» والتي أُعلن عنها الرئيس شي جين بينج في أكتوبر 2013 بأهداف مبدئية تتلخص في التركيز علي الاستثمار في البنية التّحتيّة، والتّعليم ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطّرق السّريعة، والسّيارات والعقارات، وشبكة الطّاقة والحديد والصّلب.وينقسم مشروعها إلي مسارات برية وهي » الحزام» الاقتصادي، ومسارات مائية عبر المحيطين الهادي والهندي والبحرين الأحمر والمتوسط وهي »الطريق» البحري، وبما يغطي أكثر من 65 دولة متضمنة حوالي 65% من سكان العالم و40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لها. وتعمل مبادرة الحزام والطريق علي ثلاثة محاور هي (تجاري ونقدي وجيوستراتيجي)، متجنبة تماماً المحور السياسي والأمني وأي تدخل عسكري، في محاولة منها الاستفادة من أسباب فشل المبادرة الأمريكية التي سبقتها والتي اعتمدت علي بنية سياسية، بينما تعتمد المبادرة الصينية علي بنية اقتصادية/ تجارية. واضح أن الصين تعلم جيداً أن مبادرتها »الحزام والطريق» هي الأعظم ولكنها تعلم جيدا أيضا انها ليست الأولي حيث تلت المبادرة الأمريكية سيئة السمعة »الشرق الأوسط الكبير»، كما تعلم الصين أن مبادرتها ليست الأخيرة، حيث أعلن رئيس وزراء اليابان شينزو آبي خلال مؤتمر التيكاد المنعقد في نيروبي عام 2016 عن المبادرة اليابانية »إيندو-باسيفيك منطقة حرة ومفتوحة» والتي وقعت عليها أيضاً الولاياتالمتحدة والهند وأستراليا وينتظر جذب دول أخري منافسة للصين للإنضمام إليها. ورغم أن الدول الثلاث الأخيرة تسعي بجد لمنافسة الصين وحرمانها من التوسع غرباً في الشرق الأسط وأفريقيا، إلا أن اليابان ما زالت تفكر في إطار تعاوني، حيث تري إمكانية التعاون مع المبادرة الصينية بل والاستفادة من بنيتها التحتية الجاري إنشاؤها بدلاً من التنافس معها، وهو الأمر الذي عززته من خلال ورقاتي البحثية ومحاضراتي المتكررة في طوكيو وشنغهاي وتايوان، فمنطقتنا تعبت من التنافس المتزايد بين القوي العظمي، ووجب البدء في التعاون والعمل معاً لتعزيز سبل الإستقرار والسلام والأمن الحقيقيين. • زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا إستشاري ومحاضر دولي للأمن والدفاع