وصف الإمام أحمد بن حنبل الشافعي »150- 204 ه» لابنه فقال: »يابني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، وهل لهذين من خلف أو لهما من عوض؟». وفي إشارة إلي فضل الشافعي علي كل متعلم في جملة بليغة رائعة قال ابن حنبل: »ما من أحد بيده محبرة إلا وللشافعي في رقبته منه». وكان ابن حنبل تلميذا للشافعي أدرك أن أستاذه كان ينبوعا من العلم قراره عميق، وبحرا من الفضل شاطئه بعيد، بز غيره من العلماء في اللغة واختلاف الناس والمعاني والفقه.. والحق أن علمه الغزير، وتحصيله الوفير، وعقله الناضج، وتفرغه الكامل للعلم جعله بحق اماما جليلا متميزا، وضع العلماء علي المحجة البيضاء، ودفعهم الي أن يشهدوا له أنه كان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة رسول الله. يقول ابن حنبل: »لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث» أما أستاذه الإمام مالك فقد قال له: »يامحمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إنّ الله تعالي قد ألقي علي قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية». وقد تحقق ما قاله أستاذه فكانت حياة الشافعي كلها كفاحا علميا رائعا، جلب له شهرة بين الفقهاء، واصبح استاذا رفيعا، وأجمع شيوخه وقرناؤه علي أنه عالم لا يجاري ولا يباري. وقد تمكن من العلوم تمكنا كبيرا، وقاد التربية قيادة رشيدة فقال »من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه». وقال ايضا: »ليس لأحد أن يقول في شيء حلالا ولا حراما إلا من جهة العلم. وجهة العلم نص في الكتاب أو السنة أو في الاجماع أو القياس علي هذه الأصول في معناها». وقد اهتم بالحرية العقلية فهو يقول لتلاميذه: »إذا قلت لكم ما لم تقبله عقولكم فلا تقبلوه فإن العقل مضطر إلي قبول الحق». ولا يرضي الإمام المعلم لأهل العلم أن يكونوا مقلدين، بل كان داعيا إلي الاجتهاد والأخذ بالأدلة الصحيحة، والاهتمام بالنظر والاحتياط. إن الفقيه الجليل كان يؤمن بفكرة التعليم المستمر وأن التعليم ليس له حدود، وأن التعليم المستمر النافع ينبغي أن يكون خاليا من الاخطاء، قائما علي اليقين، وعدم الشك، وعدم الاستعجال في أداء الأعمال، وعدم المراء لأن المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغائن، ومن أنبل ما تمسك به الترغيب في خصال الخير وخلال البر، والحسن والكمال، والدعوة الي غني النفس، وكف الأذي، وكسب الحلال، ولباس التقوي، والعلم عنده لا ينال إلا بستة هي: بالذكاء، والحرص، والاجتهاد، والبلغة وصحبة الأستاذ، وطول زمان. وهو يعني كل العناية بنصيحة تلاميذه أن يعلموا أن العلم وحده لا يجدي فتيلا ما لم يكن مصحوبا بتقوي الله، والخلق السوي، والسيرة الطيبة والمسلك الحسن. إن العالم يجب أن يتحلي بنفس أبية، وهمة عالية، وترفع عن كل ما ينال من النفس أو يتنافي مع المروءة. د. حامد محمد شعبان الأستاذ بجامعة الفيوم