لم يكن القرار الأمريكي غير المسبوق بتصنيف الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) منظمة إرهابية، أمراً مفاجئاً، بصورة تامة؛ فهناك تحليلات سياسية عديدة، كانت تلمّح لتلك الورقة، كخطوة إجرائية جديدة وتصعيدية، ضمن الإجراءات المتشددة، التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضدّ إيران، لفرض المزيد من العقوبات عليها، في محاولة لحصارها؛ سياسياً واقتصادياً، وكبح نفوذها إقليمياً، مع اقتراب نهاية الاستثناءات النفطية الممنوحة لثماني دول، في النصف الأول من مايو القادم، بهدف تعديل سلوك النظام الإيراني. وقد جاءت الخطوة الأمريكية الأخيرة في سياق التصعيد المتواصل بين واشنطنوطهران بداية من وصول ترامب إلي البيت الأبيض في 20 يناير 2017، مرورا بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، وانتهاء بفرض عقوبات أمريكية علي إيران عبر مرحلتين في 7 أغسطس و5 نوفمبر من العام نفسه. وتدرك الولاياتالمتحدة مدي أهمية استهداف المؤسسة الأقوي في النظام الإيراني، التي تلعب دوراً بارزاً في دعم إستراتيجية المواجهة التي يتبنّاها النظام، في مواجهة إستراتيجية الولاياتالمتحدة، سواء داخل إيران أو خارجها. من شأن هذا القرار أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد بين واشنطنوطهران، لن تقتصر علي العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وإنما قد تمتد إلي الاستناد لآليات أخري، لاسيما في حالة ما إذا اتجهت الإدارة الأمريكية إلي اتخاذ خطوات إجرائية علي الأرض لتفعيل هذا القرار، وفي حالة ما إذا سعت إيران إلي رفع كلفته عبر التلويح بخيارات أخري غير مباشرة بعد أن ردت علي القرار الأمريكي بقرار مضاد اتخذه المجلس الأعلي للأمن القومي باعتبار »النظام الأمريكي حكومة داعمة للإرهاب« و»وضع القوات الأمريكية الموجودة في غرب آسيا في قائمة التنظيمات الإرهابية. وتري صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إيران يمكنها أن تستخدم مليشيا حزب الله اللبناني الموجودة بجنوبي لبنان وفي سوريا لضرب «إسرائيل»بالصواريخ. كما أن لإيران القدرة علي ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الخارج. ويري المحللون ان الخطوة التصعيدية الأخيرة التي قامت بها واشنطن في حقّ قوة عسكرية رسمية وشبه نظامية، ولها علاقات تعاون عسكري دولي، تفتح احتمالات عديدة، علي أكثر من مستوي، وتبعث بسيناريوهات مختلفة، حول تبعات ذلك الموقف وتأثيراته. فالحرس الثوري يمتلك مجموعة من المؤسسات الاقتصادية، ويحتكر قطاعات إنتاجية في الاقتصاد الإيراني، ولديه قوة بحرية في المياه الدولية، ويشترك في مناورات بحرية دولية ويقيم علاقات مع عدد من الدول ؛ فهو قوة عسكرية عابرة للحدود في عدد من مناطق الصراع بالمنطقة، ويمتلك أوراقاً لإثارة القلاقل والمشكلات، كما أنّ له ذراعاً استخباراتية في الهيئات الدبلوماسية الإيرانية، والمراكز الثقافية والدينية المنتشرة في العالم، وبالتالي، قد تتجه إلي إحداث خلل أمني في بعض المناطق..، كما انها تلقي دعما قويا من المرشد الأعلي، هي التي جعلت منه لاعبا أساسيا في السياسة الإيرانية. وتقدِّر صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية أن قرابة 30% من عمليات الحرس هي ذات صلة بالأعمال والاقتصاد، وتدر عليه تلك العمليات ما يُقدَّر بحوالي ملياري دولار أمريكي سنويا. ولهذا فإن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية سيكون له تأثير سياسي واقتصادي، إذ سيعيق أعماله وسيزيد الخناق عليه. وسيزيد من الضغوط الاقتصادية علي إيران في الداخل والخارج، فالتداعيات الاقتصادية لهذه الخطوة ستكون أكبر تهديد بالنسبة للنظام الإيراني، حيث ستصاب العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية التي يديرها الحرس الثوري بالشلل التام عقب فرض حزمة عقوبات أمريكية جديدة. ومن شأن التصنيف أيضا أن يزيد من خطورة إقامة أي علاقات اقتصادية أو تجارية مع إيران. نتيجة لفرض عقوبات علي أي مؤسسات مالية أو مصارف تتعامل مع الحرس الثوري. فيبدو أن قرار أمريكا الجديد سيدفع الدول التي ما زالت تحتفظ بشراكات تجارية مع إيران حاليا إلي التحوط علي الأقل بشأن علاقاتها الاقتصادية التي ربما ستخفضها أيضا إلي أدني مستوي خشية التورط في شبهات تمويل مليشيا إرهابية، حيث ترغب أمريكا في تضييق الخناق علي من يرغب في التعامل مع طهران وعلي رأسهم أوروبا. كما يمهد القرار لفرض عقوبات علي قادة وأفراد الحرس وملاحقتهم خارج إيران. وتقويض الدعم المالي واللوجيستي الذي يقدمه الحرس لوكلائه في المنطقة. عمليا سيتوتر المناخ في منطقة الشرق الأوسط أكثر من الماضي وربما يحاول النظام الإيراني استيعاب هذه الضغوط علي المدي القصير، في إطار رهانه علي متغير الوقت، والانتظار حتي حلول عام 2020 فقد تغير الانتخابات الأمريكية وقتها الوضع ويصعد رئيس أمريكي جديد ينتمي للديمقراطيين الذين ينتهجون سياسة المهادنة مع طهران. لكن علي المدي الطويل، لا يبدو أن هذه السياسة سوف تنجح في تحقيق نتائج تذكر.