التصريح الذي أدلي به سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة، للزميل حسن عبدالموجود، ونشر في العدد الماضي من «أخبار الأدب»، مثل لي حيرة كبيرة، ويدفعني للتساؤل: كيف يسمح موظف أيا كانت درجته الوظيفية أن يهين كاتبا بحجم وقيمة علاء الديب، بكلمات واضحة لا تقبل التأويل، عندما يقول نصا: «أنا مش شئون اجتماعية، ومن يكتب مقالا يحصل علي أجره، والمبلغ يتعلق بشئ آخر» ما هذا الشئ الآخر، الذي يحصل بسببه علاء الديب علي مكافأته، بخلاف قيامه بعمل منظور ومرئي نراه جميعا متمثلا في عموده »عصير الكتب«، ثم هل من اختصاصات سعد عبد الرحمن أن يهدد بإغلاق جريدة القاهرة، أم أنه أمر منوط للوزير التصريح به أو عدم التصريح. من وجهة نظري لقد تجاوز سعد في التصريح المنشور حدود مسئوليته كرئيس لمجلس إدارة جريدة القاهرة، لأن مجمل الخبر أمر يتعلق بسياسة التحرير، المسئول عنها المثقف الكبير صلاح عيسي، الذي بالتأكيد لا يرضي بإهانة كاتب بحجم وقيمة علاء الديب. بالفعل قد تكون هناك إشكالية في ميزانية الجريدة، التي انتقلت مسئولية مجلس إدارتها لسعد عبد الرحمن، بعد أن كانت ضمن مهام رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، وقد تناوب علي رئاسة مجلس إدارتها: فاروق عبد السلام، وحسن خلاف، لكن حل الميزانية لا يكون بفضح الجريدة، و التصريح بأنها تمثل عبئا علي الوزارة.. وإنها حسب كلام سعد: «توزع بسيف الحياء، حيث تحصل قطاعات وزارة الثقافة علي أغلبية النسخ المباعة، ولو امتنعت لن توزع الجريدة 100 نسخة... الديب ليس معينا داخل الجريدة حتي أقيله، ولكنه بالنسبة لي لن يكون موجودا في الفترة القادمة». المشكلة الحقيقية يا أستاذ سعد ليست في علاء الديب، وإنما في عدم وجود فلسفة للنشر في وزارة الثقافة، فكل قطاع ينشر ما يريد، وهذا نتج عنه تقارب في بعض الإصدارات، فمثلا لا افهم أن يكون لدينا مركز قومي للترجمة، ثم تصدر هيئات الوزارة سلاسل للترجمة، لماذا لا تدرج هذه السلاسل تحت رعاية المشروع الأم. للأسف إلي الآن، لازالت الوزارة تعمل كجزر منعزلة، لا يوجد مشروع يربط بين كياناتها، كل ما يتم هو مجرد لقاءات بين المسئولين وتصريحات صحفية.. أما علي أرض الواقع والتنفيذ الفعلي، فلا شئ. أظن أنه آن الأوان- بدلا من التهجم علي المثقفين- أن تعلن وزارة الثقافة عن ورقة واضحة، تبين فيها فلسفة موحدة لمشروع النشر، وأن تدمج السلاسل المتشابهة، وتدعم الاصدارات التي تهتم بالمبدعين، والكشف عن الموهوبين في كافة أنحاء مصر، وأن تكون لهيئة الكتاب، وهي الجهة المسئولة قانونا عن النشر في الوزارة، اليد العليا في إدارة مشروع النشر بالوزارة. لا يعني ما أقصده هو تصفية مشروع النشر في قطاعات الوزارة الأخري، ومنها هيئة قصور الثقافة، التي لديها بالتأكيد مشروع مهم.. لكن ما أراه هو الترشيد، الذي سيوفر بلاشك الميزانيات، ولن يتحقق ذلك، إلا بوجود خطة واضحة لاصدارات الوزارة، نعرف منها مسبقا ما الذي سينشر لمدة عام، فعلي سبيل المثال نطلع علي العناوين التي سينشرها المركز القومي للترجمة، وكذلك عناوين الاصدارات المتنوعة لهيئة الكتاب، وكذلك إصدارات الثقافة الجماهيرية، وهذا لا يمنع من الإضافة طبقا للمتغيرات، هذه الأجندة الواضحة للنشر بالتأكيد ستضع أيدينا علي مناطق الضعف ومن ثم كيفية تقويتها، وفي ذات الوقت سيتم تنمية مناطق القوة. أخيرا المشكلة ليست في الأديب الكبير علاء الديب، ولكن في وزارة تفتقد لفلسفة واضحة في إدارة مشروعاتها، أو بمعني أدق وجود مسافة بين التصريحات والتنفيذ.