تحطمت محاولات التهدئة في قطاع غزةوالقدس من جهة وإسرائيل من جهة أخري، فلم تمض ساعات علي تخفيف حدة التوتر حول المسجد الأقصي، إلا واشتعل الوضع علي طرفي السياج الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة، إثر تعرض تل أبيب لوابل مباغت من القذائف الصاروخية، التي انطلقت جميعها -بحسب وسائل إعلام عبرية- من قطاع غزة. وفيما روَّج تقرير نشره موقع »دبكا» لعجز منظومة »القبة الحديدية» الإسرائيلية عن اعتراض القذائف التي يجري الحديث عنها، انشغلت قيادة الجيش الإسرائيلي بفتح الملاجئ في تل أبيب و»جوش دان»، وأوصت مستوطني المناطق المحاذية للقطاع بآليات التعامل مع الواقع المباغت، وهو ما اعتبره مراقبون في تل أبيب ساعة صفر لعملية إسرائيلية »محدودة مؤقتاً» علي القطاع، لاسيما في ظل جدول أولويات أمنية، وضعها نتانياهو علي مكتبه قبل أيام؛ ورغم تعتيم نتانياهو وحاشيته علي جدول الأولويات، إلا أن واقع التطورات الذي استبق الهجمات علي تل أبيب، يشي بأن حكومة الليكود حسمت الأمر: غزة أولاً. وإذا كان تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأخير، وضع القطاع في طليعة الجبهات المرشحة للاشتعال خلال عام 2019، فالتوصيات المرافقة أكدت ضرورة العزوف عن الصدام في الوقت الراهن. واستناداً إلي تلك الاستراتيجية، نظمت إسرائيل حملة دعائية، حذرت فيها حماس قبل أيام مما وصفته ب»اللعب بالنار»، وأنذر وزير الهجرة والاستيعاب، عضو المجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية يوآڤ جالنت بأنه سيطالب الجيش الإسرائيلي بالعمل بقوة في القطاع وقبل الانتخابات المزمعة، إذا صعّدت الحركة الوضع، كما نشر الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع ذلك بيانات، أعرب فيها عن تأهبه التام لمواجهة وشيكة في القطاع. قبل التطورات الأخيرة، رأت دوائر إسرائيلية صعوبة الفصل بين توتر الأوضاع في القدس، وبين نظيرتها علي السياج الفاصل مع غزة، فالصدام في القدس ينعكس أمنياً علي إسرائيل في القطاع وكذلك الضفة الغربية؛ ونظراً لخطورة ما يمكن أن يؤول إليه المشهد قبل الانتخابات، تدخلت الرأسين الأقوي أمنياً في إسرائيل، وهما: رئيس الموساد يوسي كوهين، ومستشار شئون القومي مئير بن شابت، وأجري الكادران مباحثات داخل وخارج إسرائيل لاحتواء الأزمات المرشحة للتصعيد، وما ينطوي عليها من التمدد شمالاً، حيث خطوط التماس الإسرائيلية مع سوريا ولبنان، بحسب تقرير نشرته صحيفة »هاآرتس». وعمدت الدوائر الضالعة في المباحثات إلي التركيز علي قطاع غزة، إذ جري الاتفاق فيما بينها علي عدة نقاط، أولها: وقف الاضطرابات الليلية علي السياج الأمني الإسرائيلي حول قطاع غزة. ثانياً: وقف إطلاق القذائف من قطاع غزة، ومررت حماس التزامها، وفقاً لتقرير نشره موقع »دبكا» بأن الهدنة ستكون تدريجية ومن المقرر أن تستغرق عدة أيام حتي يتم وقف إطلاق القذائف والبالونات الحارقة بالكامل. ثالثاً: تفكيك العناصر الغزاوية المعنية بإضرام النار في إطارات السيارات علي طول السياج الفاصل. رابعاً: التزام حماس بوقف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من قطاع غزة علي إسرائيل، بالإضافة إلي تعهد الحركة أيضاً بفرض ذلك علي الحركات الأخري في قطاع غزة. رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو صادق علي تلك التفاهمات، وأعقبها بمصادقة علي تفاهمات مناظرة تتعلق بالأوضاع في القدس، ومنها: التراجع عن تحويل باب الرحمة بالحرم القدسي الشريف إلي ساحة للصلاة، والعزوف عن أية حفريات في المكان. ثانياً: إعادة فتح باب الرحمة أمام رواد المسجد الأقصي المسلمين بعد أن كان مغلقاً لفترة طويلة، إلا أن تطور الأوضاع الميدانية بين قطاع غزة وحماس قلب الطاولة علي التفاهمات، ورشح المشهد لمواجهة قبل الإجراءات المزمعة. وفور التصعيد، عقد رئيس الوزراء، وزير الدفاع نتانياهو جلسة طارئة لمناقشة قائد أركان الجيش أڤيڤ كوخاڤي وغيره من قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الرد الإسرائيلي علي إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.