صورة تذكارية للرئيس عبدالفتاح السيسي مع القادة والزعماء المشاركين فى القمة العربية الأوروبية الأولى بشرم الشيخ أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن ظاهرة الهجرة، وتنامي خطر الإرهاب، بات أداة تستخدمها بعض الدول لإثارة الفوضي بين جيرانها، سعيا منها لتبوؤ مكانة ليست لها، علي حساب أمن وسلامة المنطقة، وأشار الرئيس السيسي إلي أن خطر الإرهاب البغيض بات يستشري في العالم كله كالوباء اللعين، سواء من خلال انتقال العناصر المتطرفة عبر الحدود من دولة إلي دولة، أو باتخاذهم بعض الدول ملاذا آمنا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم علي الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار بعض الجمعيات المشبوهة . شدد السيسي علي أننا في أمَّس الحاجة، لتأكيد وحدتنا وتعاوننا أمام هذا الخطر، والوقوف صفاً واحدا ضد هذا الوباء، الذي لا يمكن تبريره تحت أي مسمي، فالإرهاب مختلف كل الاختلاف عن المعارضة السياسية السلمية، التي نقبلها جميعا كظاهرة صحية ومقوم أساسي لأي حياة سياسية سليمة، مشيراً إلي أن مصر طرحت رؤية شاملة، للقضاء علي خطر الإرهاب وآثاره السلبية علي التمتع بحقوق الإنسان، خاصة الحق في الحياة، وغيرها من الحقوق الراسخة، واستطاعت بالحوار والتعاون أن تربط بين هذه الرؤية والموقف الأوروبي، القائم علي أهمية احترام حقوق الإنسان خلال محاربة الإرهاب، وهو ما لا نختلف عليه بل نمارسه علي أرض الواقع. جاء ذلك خلال كلمة الرئيس السيسي خلال افتتاح القمة العربية الأوروبية الأولي بشرم الشيخ والتي يشارك فيها 49 من ملوك ورؤساء الدول والحكومات العربية والأوروبية، وشارك الرئيس السيسي المنصة الرئيسية للقمة كل من دونالد توسك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين ملك السعودية والرئيس الروماني كلاوس يوهانس وأحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية. ورحب السيسي بالقادة والزعماء قائلا »أرحب بكم في بقعة غالية من أرض مصر، مدينة السلام.. شرم الشيخ، التي تجسد اقتناعا مصريا راسخا وعملا دؤوبا، نحو تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، كما تجسد هذه المدينة الآمنة، التي يزورها ويختلط فيها مواطنو كافة دول العالم، أسمي قيم التعايش والتعارف والمحبة، التي كان شاهداً عليها ما احتضنته هذه المدينة، من ملتقيات تاريخية ومؤتمرات متعددة، سعت كلها إلي تعزيز الروابط الإنسانية، وصولاً إلي ما نصبو إليه جميعاً، من إرساء السلام والإخاء بين بني البشر«. وأعرب السيسي عن سعادته بأن تستضيف مصر أول قمة عربية أوروبية، بعد أن شهد تاريخها علي مدار آلاف السنين، امتزاجا فريدا بين الحضارات وتفاعلا ندر نظيره بين الشعوب. وأكد أن انعقاد قمتنا الأولي، ومستوي الحضور الرفيع، هو خير دليل علي أن ما يجمع المنطقتين، العربية والأوروبية، يفوق بما لا يقاس ما يفرقهما، كما يعكس الاهتمام والحرص المتبادل، لدي الطرفين العربي والأوروبي، علي تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينهما بصورة جماعية، تدعيما لقنوات التواصل القائمة بالفعل علي المستوي الثنائي، وأملاً في الوصول لرؤية وتصور مشترك، لكيفية التعامل مع الأخطار والتحديات المتصاعدة، التي باتت تهدد دولنا ومنطقتنا علي اتساعها، وبعدما صار التغلب علي تلك التحديات بجهود فردية، أمرا يصعب تحقيقه. وأشار الرئيس إلي أن الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي ارتبطت بأواصر وعلاقات تاريخية من التعاون عبر المتوسط، استندت في متانتها وقوتها إلي اعتبارات القرب الجغرافي، والامتداد الثقافي، والمصالح المتبادلة عبر العقود، بل والقيم المشتركة والرغبة الصادقة، التي ستظل تجمعنا سويا من أجل إحلال السلام والاستقرار، ومواجهة ما يفرضه واقع اليوم من تحديات. وأضاف، أن التحديات المشتركة بين الجانبين تجسدت أيضاً في بؤر الصراعات في المنطقة، وعلي رأسها القضية الفلسطينية، التي تمثل قضية العرب المركزية والأولي، وإحدي الجذور الرئيسية لتلك الصراعات، بما تمثله من استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، بل واستمرار إهدار حقوق الإنسان الفلسطيني، والتي يغفلها المجتمع الدولي. كما يؤجج هذا الوضع غياب الرغبة السياسية الحقيقية، نحو التوصل إلي تسوية شاملة وعادلة، علي الرغم من أن مرجعيات هذه التسوية باتت معروفة، وموثقة في قرارات للشرعية الدولية عمرها من عمر الأممالمتحدة، ويتم تأكيدها وتعزيزها سنوياً، وإن طال انتظارنا لتنفيذها. وحذر الرئيس من تداعيات استمرار هذا النزاع علي كافة دولنا، مشيراً إلي أنه من مفارقات هذا النزاع، أن إحلال التسوية الشاملة والعادلة، دون انتقاص لكافة حقوق الشعب الفلسطيني ووفقاً لمرجعيات الشرعية الدولية، يمثل نفعا مشتركا لكافة الأطراف الإقليمية والدولية، كما سيفوت الفرصة علي قوي التطرف والإرهاب، لصرف انتباه الأجيال الشابة، التي لم تعرف سوي الاحتلال والحروب، عن الالتحاق بركب التقدم والتنمية. وقال إن ترك النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن، وسائر المناطق التي تشهد تناحراً مسلحاً، بدون تسوية سياسية، لا يمكن إلا أن يمثل تقصيراً، ستسألنا عنه الأجيال الحالية والقادمة، والتي بات ينتقل إليها عبر وسائل الإعلام الحديث، التفاصيل الدقيقة لهذه الكوارث الإنسانية، لحظة بلحظة. وتابع السيسي: ولذلك، فإنه وعلي الرغم من إقرارنا، بأنه لا توجد «حلول سحرية» لتجاوز تلك التحديات، إلا أن علينا استشراف بعض الخطوط العريضة كمفتاح للحل.. أولاً: لقد أثبت تاريخ منطقتنا الحديث، أن استمرارية كيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها في الحالات التي تقتضي ذلك، هو مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولي علي طريق إعادة الأمن للشعوب، التي طالها الخوف والقلق علي المستقبل، وبما يفتح الباب أمام جهود التنمية. ومن ثم، فإنه يتعين تعزيز التعاون بين دولنا، بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة في مواجهة دعوات الطائفية والتطرف. ثانياً: أتساءل بكل صراحة مع الأشقاء والأصدقاء، ألم يحن الوقت للاتفاق علي مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب؟ بحيث تتضمن، كمكون أساسي، مواجهة أمنية صارمة مع التنظيمات والعناصر الإرهابية، ومواجهة فكرية مستنيرة مع منابعهم الأيديولوجية، كعنصر لا يقل أهمية، وكذلك منع التمويل والدعم المقدم لهم، ووقف التحريض الذي يقومون به، كعناصر مكملة لهذه المقاربة الشاملة. وفي إطار هذه المقاربة، وبغرض ضمان إنجاحها، لا يفوتني تأكيد أهمية التنفيذ الكامل لجميع أركانها، وأنها لن تكلل بالنجاح حال عدم تكاتفنا جميعاً لتنفيذها، أو الوقوف معاً بحزم أمام أي طرف يرفض تنفيذها تحت أية دعوي. ثالثاً: لقد أصبح من الضرورة القصوي أن تتحول منطقة الشرق الأوسط من منطقة «للنزاعات» إلي منطقة «للنجاحات»، وهو ما يستلزم التعاون الصادق بين منطقتينا الأكثر تضرراً بهذه النزاعات، واللتين ستكونان الأكثر استفادة علي الإطلاق من هذه النجاحات، مما يستدعي التغاضي عن المصالح الضيقة، والعمل مع أطراف النزاع، عبر التحفيز وأحياناً الضغط المحسوب، بهدف تنفيذ القرارات الأممية، والتي تمثل نهجاً ملزماً متفقاً عليه، لتسوية تلك النزاعات. وتابع السيسي: «مثلما تتعدد التحديات المشتركة التي تواجه منطقتنا، تتعدد الفرص التي إن استثمرناها جيداً، ستكون خير سند لنا في مواجهة التحديات. إن التعاون الاقتصادي من شأنه أن يصب في تحقيق الرخاء علي ضفتي المتوسط، وهو ما يتطلب منا أن ننظر بعين التكامل، لا التنافس، إلي العلاقات الاقتصادية بين منطقتينا، استثمارا للميزات التنافسية لدي الجانبين، خاصة في ضوء وفرة مجالات التعاون الاقتصادي، سواء في المجالات الصناعية، أو الزراعية، أو الطاقة، أو النقل، أو غيرها». وأكد الرئيس أنه علي عكس البعض، فإننا ننظر إلي قضية الهجرة ليس كتحد، بل كمجال واعد للتعاون، يحمل في طياته العديد من الثمار المشتركة، سواء للمنطقة العربية التي تتميز بوفرة الأيدي العاملة، والمنطقة الأوروبية التي تتطلب اقتصاداتها مصادراً متنوعة من قوي العمل، لافتا إلي أن التعاون بين منطقتينا لضمان الهجرة الآمنة والنظامية من شأنها تحقيق العديد من المصالح المشتركة، مع العمل بالتوازي علي مكافحة أنشطة الاتجار في البشر في إطار جهودنا المشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، آخذا في الاعتبار كذلك ضرورة احترام مبدأ سيادة الدول، والابتعاد عن المقاربات المصممة لتصدير التحدي لمنطقة بعينها، وكذا ضرورة أن نضع نصب أعيننا الأسباب الجذرية لهذا التحدي. وأشار السيسي إلي أن مصر تستضيف ملايين اللاجئين، يعيشون بيننا ويتلقون خدمات حكومية في التعليم والصحة كنظرائهم المصريين، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مررنا بها في السنوات الأخيرة. واختتم كلمته قائلاً، اسمحوا لي أن أوجه حديثي مباشرةً إلي شعوب منطقتينا، وإلي جميع الشعوب المُحبة للسلام: «أيتها الشعوب العظيمة المحبة للسلام، أوجه لكم من هذه القمة رسالة حب وتآخي، داعياً إياكم إلي عدم الالتفات لدعاة الفرقة والكراهية، أو لهؤلاء الذين يحاولون شيطنة الغير عبر وضعهم في قوالب، أو ادعاء الأفضلية بناءً علي عرق أو جنس أو دين، فإن كل فرد منا علي اختلافه، يسعي لعالم أفضل له وللأجيال من بعده، وما من سبيل لذلك، إلا من خلال التعاون، والتعلم من الآخر وقبوله، فدعونا ننطلق نحو رحاب أوسع من العمل المشترك، مستندين إلي قيم حضارتنا الإنسانية، وإلي يقيننا في وحدة مصير جميع البشر».