خبر قصير طالعته منذ أيام، لكنه يحمل دلالات كبيرة في مختلف الاتجاهات، كان نص الخبر» وصلت إلي العاصمة السودانية الخرطوم كميات كبيرة من الدقيق علي متن عدة شاحنات عبر معبر أرقين البري إهداء من جمهورية مصر العربية إلي شعب السودان الشقيق لمساعدته علي تجاوز الأزمة الراهنة». في البداية الخبر ليس غريبا فمصر والسودان جسد واحد، يرتويان من ماء النيل، وتربط بين أهاليهما أواصر النسب والمصاهرة، يجمع بينهم الحب، ولذلك عندما يمر أحد البلدين بأزمة، يكون الآخر أول من يمد له العون، ولذلك أثمن الخطوة المصرية بمساعدة الأشقاء في السودان الحبيب. أما أهم الدلائل التي يثيرها هذا الخبر القصير، فهي أن البلدين المكونان لوادي النيل يعانيان من نقص الدقيق، فمصر أكبر دول العالم استيرادا للقمح، بسبب اعتماد المصريين عليه كمكون أساسي في الطعام، بينما لا تكفي مساحات الأرض المزروعة بالقمح، لسد احتياجات أكثر من مائة مليون مواطن من الخبز، فالزيادة السكانية الرهيبة في مصر تلتهم اي معدلات نمو، أوتطوير، أوزيادة في الانتاج سواء الزراعي، أوالصناعي، لأن مصر تزيد سنويا بما يزيد عن سكان عدة دول مجتمعة. لكن الغريب أن دولة مثل السودان الشقيق تعاني من نقص الدقيق، فهي لديها وفرة كبيرة في المياه العذبة، كما أن الأراضي الصالحة للزراعة بها تكفي لتوفير احتياجات الوطن العربي كله من القمح وغيره من المحاصيل الغذائية، كما أن لديه القدرة علي توفير اللحوم للوطن العربي، بحكم أن لديه ثروة حيوانية كبيرة، وتتوافر لها المراعي الطبيعية. ولذلك فإننا في أمس الحاجة حاليا لتحقيق حلم التكامل الحقيقي بين البلدين الشقيقين، فلماذا لا تستأجر مصر أراضي بالسودان لزراعة وانتاج الثروة الحيوانية؟ ولماذا لا يقوم القطاع الخاص المصري بتنفيذ مثل هذه المشاريع التي ستعود بالفائدة علي الجانبين؟ فهذه المشروعات ستوفر فرص عمل للسودانيين والمصريين علي حد سواء، كما ستسهم في سد الفجوة الغذائية في البلدين، وتقليل استيرادهما للغذاء، وتوفير العملة الصعبة لمجالات تستحق اهتماما اكبر للانفاق عليها مثل البنية التحتية وتوليد الطاقة وتوجيه مخصصات أكبر للتعليم والصحة والخدمات، وبالتالي تحسين حياة شعبيهما. ويتفق تحقيق هذا التكامل مع توجه مصر الجديد بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي بمد يد العون والتعاون مع أشقائنا الافارقة، خاصة أن مصر تولي رئاسة الاتحاد الافريقي هذا العام، كما أن السودان الشقيق الأقرب لنا بين دول القارة السمراء.