نائب وزير التعليم: منظومة جديدة لجودة العملية التعليمية    بدء التداول على أسهم شركة ڤاليو في البورصة المصرية    ترشيد الكهرباء والطاقة الشمسية في العاصمة الإدارية الجديدة.. خطة حكومية شاملة لتحقيق الاستدامة    بوتين: الوضع في الشرق الأوسط يزداد سوءا    الكرملين: الدعم الروسي لإيران مرتبط باحتياجاتها    عاجل- السيسي في اتصال مع رئيس وزراء اليونان: التصعيد بين إيران وإسرائيل خطر على أمن الشرق الأوسط    مدافع الأهلي السابق: أخشى تواطؤ بالميراس وميامي ..وتوظيف زيزو خاطئ    الليلة.. عرض "الوهم" و"اليد السوداء" ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    دعاء الحفظ وعدم النسيان لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحان    وزير الصحة: مصر تؤكد التزامها بتعزيز الشراكات مع أفريقيا لتحقيق تنمية مستدامة    بسبب قوة الدولار.. تراجع الذهب عالميا ليسجل أدنى مستوى عند 3347 دولارا للأونصة    ألمانيا تحث إيران على «التفاوض المباشر» مع الولايات المتحدة    خبير اقتصادي: غلق مضيق هرمز بداية كارثة اقتصادية عالمية غير مسبوقة    وزيرة البيئة تستقبل محافظ الوادي الجديد لبحث تعزيز فرص الاستثمار في تدوير المخلفات الزراعية    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    تعرف علي الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    التعليم تحدد الأوراق المطلوبة لتقديم تظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية    المعاينة الأولية لعقار شبرا شبرا المنهار: خالي من السكان.. وتسبب في تهشم 4 سيارات بالشارع    محافظ أسيوط يؤكد أهمية متابعة المحاصيل الزراعية وتقديم الدعم الفني للمزارعين    في ذكرى 30 يونيو.. وزارة الثقافة تزيل آثار الإرهاب عن بيت ثقافة قاطية في بئر العبد    تامر حسني يحافظ على المركز الثاني بفيلم "ريستارت" في شباك تذاكر السينمات    د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"    وزير العمل يبحث مع "اتحاد المقاولين" تدريب العمالة وحمايتها    البحوث الإسلامية: إنصاف الأرامل واجب ديني ومجتمعي لا يحتمل التأجيل    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه.. استقرار بعد قفزات متتالية    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    «وزير الإسكان» يشدد على رفع مستوى الخدمات المقدمة لسكان ورواد قرى مارينا    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    كريم عبدالعزيز يُربك سباق الإيرادات ويتأهب لأضخم مفاجآته السينمائية    المتهم بالتعدى على الطفل ياسين يصل للمحكمة لنظر جلسة الاستئناف على الحكم    ضبط أحد الأشخاص بالقليوبية لقيامه بإدارة كيان تعليمى "بدون ترخيص"    السجن المشدد ل 9 أشخاص بالإسكندرية بتهمة استعراض القوة والعنف    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    كوريا الشمالية تندد بقوة بالهجوم الأمريكي على إيران    شركات الطيران العالمية تراجع خططها فى الشرق الأوسط بسبب حرب إيران وإسرائيل    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    هاني رمزي: ريبيرو لديه بعض الأخطاء..والحكم على صفقات الأهلي الجديدة صعب    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    الكشف عن سر إشارة حكم مباراة ريال مدريد وباتشوكا    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    «الشيوخ» ينتقد أوضاع كليات التربية.. ووزير التعليم العالى: لسنا بعيدين عن الموجود بالخارج    احتفاء رياضى باليوم الأوليمبى فى حضور وزير الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    سى إن إن: منشأة أصفهان النووية الإيرانية يرجح أنها لا تزال سليمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف زهرة وجرام واحد من العسل
في حكاية «رادوبيس»، وهي الحكاية الأصل ل»سندريللا«، حوَّل الشخصية السلبية التي تعتمد علي الحظِّ إلي أخري إيجابية
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 02 - 2019

من الأدباء الكبار الذين قرأت لهم، وأخذوني إلي عالم أدب الأطفال الجميل يعقوب الشاروني. قرأت له، فعرفته أديباً مبدعاً. ثم، وفي مؤتمر موضوعه أدب الأطفال، عُقد في جامعة حلوان عرفته، فعرفت الإنسان المبدع في تعامله الإنساني، ما جعلني أري أنه يمتلك أسرار الإبداعين: الأدبي والإنساني.
عن ريادة هذا الإبداع سأتحدث بإيجاز يقتضيه المقام، في ما يأتي.
يعقوب الشاروني، كما هو معروف، هو أحد كبار روَّاد أدب الأطفال العرب والعالميِّين، يمتلك خبرة ما يزيد علي الخمسين عاماً في الكتابة للأطفال وعنهم »نشر أول قصة للأطفال سنة 1959»‬. غزير الإنتاج، تجاوز عدد مؤلَّفاته الأربعمئة مؤلَّف، أُعيد نشر معظمها مرات كثيرة، وتُرجم كثير منها إلي لغات عالمية، وحصل كثير منها، أيضاً، علي أهم جوائز أدب الأطفال المصرية والعربية والعالمية.
يميِّز الشاروني، عندما يكتب، بين نوعين من الكتابة للأطفال: أولهما الكتابة التي تقدِّم معرفة ما، وثانيهما الأدب الذي يقدِّم معرفة جمالية دلالية. وهو؛ إذ يكتب للأحبَّة الصِّغار، يحرص علي أن تمتلك كتاباته الفاعلية الجمالية الدلالية.
تتنوَّع كتاباته الأدبية بين الحكاية والرواية القصيرة والقصة الطويلة والقصة القصيرة والمسرحية.
في الحكايات، كما في الحكايات التي نشرها في سلسلة »‬المكتبة الخضراء» (27 حكاية)، نلاحظ أنه وفَّق بين ما يريده ناشر هذه السلسلة وبين ما يريده هو، فلبَّي شروط هذه السلسلة المتمثِّلة بتوافر خصائص الحكاية العجيبة، وبين جَعْل الشخصية تبادر وتفكر وتعمل، وتحقِّق نتيجة لذلك الإنجاز، في فضاء الأخلاق الحميدة، كما في حكايتي »‬الشاطر محظوظ» و»‬نهر الذهب»، علي سبيل المثال.
وفي القصة القصيرة، كما في سلسلة »‬حكايات للأولاد والبنات»، يلاحظ القارئ الحرص علي الشكل والاخراج الجميلين الموظَّفين في أداء الدلالة، والحرص علي جمالية النَّص، المتمثِّلة في التقاط الحدث الواحد غير المتشعِّب، وأدائه في سياق سردي ذي بناء خيطي مشوِّق يترك فيه الراوي البارع للبنية القصصية أن تنطق بالدلالة بعد اكتمال تشكُّلها، من دون أي تدخُّل منه.
وفي القصة الطويلة، يلتقط الراوي نفسه اللحظة المهمة من الحياة الممتدة طويلاً، ويقدِّمها للقارئ في سياق قصصي لا يتجاوز زمن الأحداث فيه اليوم الواحد، ما يقتضي استخدام تقنيا ت قصصية تفضي إلي التكثيف، كما في قصة »‬ قليل من الراحة فوق السلالم» حيث يسعي الطفل العامل إلي توفير ما يتيح له ولأسرته العيش في عالم يخلو من المساعد، فيخوض الصراع من أجل البقاء، ويحقق الإنجاز.
وفي الرواية القصيرة، ينظم الراوي تفاصيل حياة كاملة في سياق قصصي مشوِّق نام بفعل عوامله الداخلية، كما في رواية »‬معجزة في الصحراء» التي تجري أحداثها في واحة، ويحقِّق فيها الإنسان القادر علي الملاحظة والتفكير والعمل والصبر والتصميم.. معجزة البقاء، وجَعل الصحراء مكانًا صالحاً للعيش، في صراع مرير مع قوي قاهرة..
تتمثل، في هذا الإنتاج القصصي، بطولة يمكن تسميتها بالبطولة المعاصرة، بطولة الإنسان العادي الذي ينتصر في مواجهة مشكلات حياته وصعوباتها بقدراته هو، كما نري في رواية »‬ليلة النار» و»‬سر الاختفاء العجيب»، علي سبيل المثال، ولا يفوتنا أن نشير إلي أنه يركِّز علي هذه البطولة، عندما يعيد كتابة الحكايات القديمة، كما في حكاية »‬رادوبيس»، وهي الحكاية الأصل لحكاية »‬سندريللا»، فقد تحوَّل بالشخصية السلبية التي تعتمد علي الحظِّ إلي شخصية إيجابية تعتمد علي العقل والمعرفة والخبرة والعمل والقدرة علي تحمل المسؤولية.
ويبدو أن الشاروني يستجيب، في كتابة أدبه هذا، لشروط الحياة المعاصرة، فكان له الفضل الكبير، في إدخال الرواية الاجتماعية في أدب الأطفال العربي، كما كان له الفضل الكبير، في جعل هذا الأدب يتجاوز الحدود الفاصلة بين خيال الأطفال والكبار، وذلك لأن بنيته الأدبية تمتلك الفاعلية الجمالية الدلالية التي تناسب الكبار والصغار معًا.
نلاحظ، بداية، في ما يتعلق بخصائص هذه البنية، عتبتها، وننظر هنا لضيق المقام، إلي العنوان فحسب، فالعنوان في قصص الشاروني جذَّاب ومشوِّق ودالٌّ، كما في العناوين الاَتية، علي سبيل المثال: »‬سر الجدة»، »‬أسرار بيت الطالبات»، »‬سر الاختفاء العجيب»، و»‬ليلة النار»..
ثم نلاحظ أن هذه البنية مقطعية/ مشهدية تقترب، في بنيتها، من البنية الفنية التي تتَّخذها أفلام السينما والدراما التلفازية، وهي بنية متخيَّلة ذات مرجع واقعي اجتماعي تمثله وتفرقه في اَن، وتشعُّ بالدلالة في فضاء المتعة القصصية، وذلك يعود إلي أن الرواة متنوِّعون يختار القاصُّ منهم ما يقتضيه المقام لأداء القص كما تنمِّيه العوامل الداخلية، من دون أن يتدخل أو يهيمن.
والفضاء الاجتماعي، في هذه القصص، هو فضاء الإنسان المعاني في العشوائيات والصحراء والريف والأحياء الفقيرة، حيث يكثر الأطفال العمال الذين يحققون بطولاتهم المعاصرة. يتساوي في ذلك الفتي والفتاة، فكل منهما قادر علي الإنجاز، ما يقتضي أن توفِّر الجهات المسؤولة فرص هذا الإنجاز المادية والمعرفية.
ترشح هذه القصص بالدلالة كما ترشح الزهرة بعطرها، وتنتظم هذه الدلالات في منظومة قيم عربية إنسانية عليا.
يؤدَّي القصُّ، في هذه القصص بلغة متميِّزة، معجمها مأخوذ من لغة الحياة اليومية المتداولة، وعباراتها قصيرة بسيطة التركيب سهلة، وإن كان من ألفاظ مأخوذة من المحكية أو الأجنبية، فيُلاحظ أنها تُضبط وفقاً لقواعد اللغة العربية، وهذا ما أقرَّته مجامع اللغة العربية.
ولعلنا نستطيع القول، في الختام: إن يعقوب الشاروني يمتلك ريادة الإبداع، بامتلاكه أسرار إبداع التعامل الإنساني مع الاَخر، أي اَخر، وأسرار الإبداع الأدبي، والبصيرة النافذة إلي جواهر الأمور والعقل الراجح والمعرفة والخبرة بما يكتب عنه، فكأنَّه النَّحلة التي تجمع الرحيق من ثلاثة آلاف زهرة، أو أكثر، لتصنع جراماً واحداً من العسل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.