«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو قير «كانوب»

»مجد كانوب.. أبوقير الغارقة والاكتشافات الحديثة»‬ عنوان كتاب للدكتورة يسرية عبدالغني حسني، يصدر عن هيئة قصور الثقافة، تتناول فيه ضاحية أبي قير بالإسكندرية متوقفة عند أهم الاكتشافات التي مرت بها علي مدار تاريخها.. وننشر هنا المقدمة التي تسرد فيها تاريخ »‬أبوقير» والأساطير التي دارت حولها.
أبو قير الإسم المحرف للأب قير الذي دفن فيها إبان عصر المسيحية المبكر، والتي كان من المعروف أن اسمها في العصر الفرعوني (برجوتي) أو (بي جوتي)، وكان الإله الذي يحتل مكانة كبيرة فيها هو أوزوريس، وكان المصريون يدعونه في العصر الفرعوني المتأخر (جنوب)، وحرفت إلي (كانوب)، وعرفت به.
أسطورة الأواني الكانوبية
يقال إن اسمها المصري هو (كاهينوب) وهي تعني الأرض الذهبية،
كما تقول أسطورة قديمة إن كانوب كان إلهاً مصرياً قديماً كما ذكرنا (ربما هو نفسه جنوب السابق ذكره)، وهو ذو جسد عبارة عن إناء خزفي. ونعرف أن أواني حفظ الأحشاء تعرف بالأواني الكانوبية ومن ثم أخذت اسمها من هذه المدينة التي كانت تعبد الإله أوزوريس، وحيث جمعت إيزيس أشلاءه مع آخر قطعة وجدتها في كانوب وحفظتها به.
تلقد كان لكانوب في العصر الفرعوني معبدها الخاص بالإله أوزوريس، والذي تحول في العصر اليوناني إلي معبد للمعبود سارابيس باسم السيرابيوم حتي يمكن تقريب الديانتين المصرية والإغريقية، وهو الذي كان ذا شهرة عظيمة ربما تفوقت شهرته علي شهرة سيرابيوم الإسكندرية.
كانت الآلهة الرئيسية الفرعونية للمنطقة الكانوبية هي أوزوريس (رب المستنقع)، وإيزيس (ربة البحار)، وأمون جرب خاصة خونسو الإله الطفل الذي يأتي بمعجزات، وقد شبههه اليونانيون بالإله هرقل.
ظلت كانوب وحتي خلال القرن الثالث ق.م مركزاً من أهم مراكز الديانة في مصر، فهي الأشهر لشعبية آلهتها، وأيضاً لأهمية قدس أقداسها المكرس لعبادة الأسرة المالكة البطلمية لقربها الشديد من العاصمة الإسكندرية، إلي جانب هوائها ومزارعها ومبانيها والترعة بينها وبين الإسكندرية التي تقل رواد المنطقة من السكندريين لقضاء أوقات بهيجة.
كانت أوائل الاكتشافات عندما اكتشف أول مدير للمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية جوسبي بوتيت Boti مع هاوي الآثار دانينوس بين عام 1892 - 1893 أولي مبان أثرية في منطقة قلعة توفيق، والتي صنفت منذ زمن بعيد علي أنها ربما معبد يوناني روماني يحتوي علي كميات ضخمة من الآثار الفرعونية أحضرت من مدن الدلتا والصعيد وربما هنا يكون لي اعتقاد، وهو أنه بما أن مدينة كانوب ترجع إلي العصر الفرعوني، وهي برجوني كما أسلفنا، أو حنت ساو كما سيأتي ذكره ، فالآثار الفرعونية التي تزين هذه المعابد أو الأماكن قصد بها تزيين معبد فرعوني موجود فعلاً في هذه المنطقة ربما حدث له تعديل أو تحوير بعد ذلك ليتحول إلي معبد يوناني روماني، حيث إن المعبد أصلاً كان لعبادة أزورريس (أوزيرابيس)، فليس هناك من داع إذن إلي القول بأن هذه الآثار الفرعونية قد أحضرت من مدن الدلتا والصعيد لتزيين أماكن أو معابد أو مدينة يونانية رومانية، وينسحب هذا أيضاً إلي ما قيل بعد ذلك عن الإسكندرية.
من المؤسف أنه في تلك الفترة لم ينشر سوي أربع صفحات لا تحمل أي توضيح ، سواء بالتصوير الفوتوغرافي أو برسوم توضيحية للآثار المكتشفة, لذا فقد كانت مطابقتها مع موقع معين تعد غير دقيقة، وقد قام بريتشيا بعد ذلك بعدة حفائر أخري ، وفي الناحية الشرقية من شبه الجزيرة تحديدا عند قلعة الرملة أسفرت حفائره عن كشف عدد كبير من اللقي الأثرية قرر بعدها برتشيا عام 1914 أن كانوبوس القديمة لابد أن يتطابق موقعها مع الموقع الأثري الكبير الذي اكتشف قرب قلعة توفيق علي الناحية الغربية لجزيرة أبي قير وأن البقايا أمام قلعة الرملة هي القرية القديمة (مينوتس ) وكذلك فإن المؤرخين القدماء والعلماء المحدثين يميلون إلي مطابقة رأس أبي قير الحالية مع رأس زفيريون التي ذكرت في المصادر القديمة، حيث أقيم معبد أرسينوي أفروديت الذي ذكره كاليماخوس، والذي من المفترض أنه كان يقع مكان قلعة البرج الحالية .
قد تكون هناك بعض التحفظات من قبل بعض العلماء المحدثين علي توقيع موقع كانوب في السابق عند قلعة توفيق، وعلي أنه ليس أكيداً أن رأس زفيريون التي جاءت علي لسان المؤرخين هي رأس أبي قير الحالية علي اعتبار أنه قد تم (1) تحديد موقعها ببساطة في مكان ما بين تابوزيرس بارفا والحدود الكانوبية، وهم يعتبرون حتي أن تابوزيرس نفسها هي أيضاً غير معلوم مكانها تحديداً ، ولكن هذه الاعتراضات يمكن الرد عليها بأنه حسب الخرائط الباثيمترية الحديثة فإنه لا يوجد نتوء داخل في البحر من شاطئ الإسكندرية حتي رشيد سوي رأس أبي قير الذي وصف بواسطة المؤرخين بالنتوء كذلك فإنه حتي بدايات القرن العشرين كان يمكن رؤيه نتوء داخل في البحر في المنتزه علي حافته بعض آثار المباني والحمامات. إنها تمثل بقايا تابوزيرس بارفا وذلك طبقاً لما رأي وذكر فورستر عام 1922.(منطقة الراس السوده وحتي ابي قير معروف أنها تابوزيريس بارفا أي منطقة عبادة الأله اوزوريس واكتشف بها معبد الرأس السودة المعروض في شارع أبو قير بمنطقة باب شرق بالأسكندرية الآن بعد نقله لها ).
لقد أدت أعمال التنقيب التي قامت في أوائل التسعينات من القرن العشرين، والتي شملت عدة مواقع في خليج أبي قير، وجزيرة نلسون، وأمام قلعة الرملة تحت مياه الخليج، وفي موقع هيراكليون، إلي اكتشافات علي درجة كبيرة من الأهمية، إذ أنها أدت إلي مساعدتنا علي الترجيح بتوقيع المواقع، وربما أيضاً تأكيدها، ففي جزيرة نلسون (كانوب)، وهي التي أصبح جزء كبير منها الآن تحت مستوي سطح البحر، وهي تبعد 4 كيلو مترات إلي شمال رأس ابي قير، ويبلغ طولها ثلاثمائة وخمسين متراً اكتشف عليها في المنحني الفاصل بين النتوء الشرقي والجزيرة مقابر خالية من النقوش ترجع إلي العصر الفرعوني المتأخر. كذلك عثر علي مومياوات وبعض التوابيت والدفنات، مما يؤكد أن الجزيرة كانت يوماً متصلة بالأرض (2).
منشآت أثرية لم تكتشف في السابق، أيضاً، بينما لم يمكن العثور في أية طبقة في الإسكندرية علي المرحلة المبكرة من الغزو المقدوني في الحدود العمرانية للعاصمة القديمة، فإن حدود مساحة جزيرة كانوب قد منحتنا هدية مهمة غير متوقعة، وهي مستوطنة هيللينستية مبكرة من أواخر القرن الرابع إلي أوائل القرن الثالث ق.م، تقع علي النتوء الشرقي وعلي ارتفاع خمسة عشر متراً فوق مستوي سطح البحر، بقايا منازل فقيرة، وبقايا فخار من أنحاء متعددة، يبدو أن هذه المنازل كانت مؤقتة لعمال عاملين في المباني القريبة. لقد أدي التنقيب أيضاً إلي اكتشاف حصن ذي استحكامات ضخمة من الفترة نفسها، والحقيقة أنه لم تكتشف بقايا حصون من العصر الهيللينستي في مصر سوي في سيناء في مدينة »‬تل الحير» (وتحت حصن سيلا أمكن أيضاً اكتشاف نظام هيدروليكي للماء، حيث اكتشف نفق يؤدي إلي صهاريج وبئر ومواسير ممتدة من الفخار). ربما قد يثار سؤال عن سبب سكن البعض مثل هذه الجزيرة غير الملائمة للسكني حيث لا مصدر للماء، لكن الإجابة قد تكون في الاكتشافات، حيث رجح أن هذه الجزيرة كانت في الماضي علي بعد كيلو مترين فقط من ميناء هيراكليون، ويرجح أن جزيرة كانوب كانت تلعب دوراً استراتيجياً في المراقبة والتحكم البحري في المرور الداخل والخارج للمنطقة الكانوبية، كما أنها نقطة دفاع متقدمة بالنسبة إلي الميناء ومدخل مصر، حيث وجدت طلقات المنجنيق الرصاصية ورؤوس حراب، والدلائل تؤكد ان هذه المستوطنة قد بنيت في نهاية القرن الرابع ق.م مع غزو الإسكندر واختفت خلال النصف الأول من القرن الثالث الميلادي.
إلي الشرق من كانوب نجد أنه قد سكنت علي عمق قدمين في باطن الرمال وعمق21 قدماً تحت مياه مظلمة مدينتان مصريتان أو ضاحيتان كبيرتان في إقليم كانوب كانتا يوماً ما شهيرتين، هما مينوتس وهيراكليون (ثونيس). كانتا تقعان علي المدخل التجاري لنهر النيل، وهو الفرع الكانوبي علي البحر المتوسط. لكن انتهاء نجاحهما أو شهرتهما الفجائي والغامض كان محل كثير من التساؤلات والبحث والتفسير، لكننا نجد أنه من البقايا الأثرية التي اكتشف تحت الماء، أمكن للأثريين أن يتعرفوا كيف أن ساكني مينوتس مثلاً قد تركوا الأماكن في سرعة أو علي عجل، ولكن أيضاً .... إلي غير رجعة.
لقد جري بحث عن تحديد الإقليم الكانوبي المختلفي تحت الماء ودراسة الظروف التي أدت إلي غرقه، وناقش بعض الأثريين أيضاً، وكذلك أكد علي أن هذه البقايا التي وجدت في موقع مينوتس لابد وأن تكون جزءاً أساسياً من المدينة الأكبر كانوبوس، أيضا يمكن القول بأن مينوتس كانت ضاحية كبيرة لكانوب ولم تكن مجرد قرية صغيرة، ولا مدينة كبيرة، حيث قيل أن بداياتها تعتبر أيضاً غامضة، فنجد أنه رغم وجودها في الإقليم الكانوبي منذ الأسر الفرعونية المتأخرة لم يذكرها سترابو عندما تكلم عن المنطقة الكانوبية في القرن الأول ق.م، والأرجح والذي أيضاً يعتبر ردا علي الاعتراضات السابقة الذكر، أنه ربما قد اعتبرها بأنها جزءاً من كانوب فذكرها ضمنا معها، فنجد أن أول ذكر باسم مينوتس جاء مع ما وصل إلينا من بقايا نقوش من القرن الثاني الميلادي حيث أهدي أحد المتعبدين تكريساً منقوشاً علي تمثال وهو من إيزيس (مينوتس) إلي إيزيس (فاروس) كذلك نجد أيضاً الخطيب »‬زخاري» قد ذكر مينوتس علي أنها قرية عندما عرض ظروف تدمير المعبد الوثني فيها فقال: في معبد هذه الإلهة إيزيس الذي كان في مينوتس، القرية التي علي بعد من الأسكندرية يبلغ عشرة أميال (14.8 كم) ومجاورة لموقع كانوب.
كذلك نجد في القرن الرابع الميلادي كان ذلك الضريح الشهير للإلهة إيزيس مزاراً لكثير من الحجاج، يتجمعون في معبدها في مينوتس، وهو الذي جعل منها مركزاً دينياً كبيراً في مصر في ذلك الوقت، وقد تحول هذا المعبد بعد ذلك إلي كنيسة أو ضريح لا يقل شهرة للتبشيريين الإنجيليين (قير ويوحنا). إن اكتشاف هذا المعبد وموقع البقايا الأثرية قاد أو دفع المكتشفين إلي الاعتقاد الفعلي بتعيين موقع ضاحية مينوتس، وبحسب كل من هيرودوت وسترابون عند ذكرهما لميناء هيراكليون وموقعه من الفرع الكانوبي، وكذلك بحسب سانت أبيفانيوس، فإن مينوتس لابد أن تقع شرق كانوبوس علي بعد ميلين منها، وهي بحسب قول »‬سوفرون» البطريرك في عام 610 - 620 م كانت في منطقة تلال رملية مرتفعة وموقعها يمكن تعيينه بسهولة، فإن بينها وبين هيراكليون ميلين أو .96,2كم) ولو وضعنا هذه المسافة علي الخريطة بين البقايا الأثرية التي قال عنها عمر طوسون إنها لضاحية مينوتس، فإنه يتبقي كيلو متر واحد علي مصب الفرع الكانوبي، وهو المسافة بين هيراكليون والمصب الكانوبي والمعين من قبل هيرودوت وسترابون. وعند رجوعنا إلي وصف البطريرك سوفرون الذي وصف الضريح الذي تحول من معبد المعبودة إيزيس إلي ضريح القديسين قير ويوحنا، نجده يقول: إنه يقع بين الساحل الشرقي للبحر وبين تل من الرمال في الغرب، يمكن أن يراه المبحرون في أعالي البحر، يحوط به حائط مع وجود مدخل من ناحية البحر... إلخ.
إن هذا التحديد للموقع، مع خروج عدد كبير، سواء بواسطة برتشيا وعمر طوسون في السابق، من اللقي الأثرية، أو مع التمثال الرائع للملكة البطلمية في وضع إيزيس في المكتشفات الحديثة، وهو الذي يعرض في مكتبة الإسكندرية، وكذلك اكتشاف تمثال حربوقراط، والاكتشافات أيضاً لعدد من المباني والأعمدة الكبيرة الساقطة في صف واحد علي جانبي طريق كبير، وتماثيل أبي الهول وأوعية لحفظ النبيذ، وقطع نحتية وتماثيل وعملات ذهبية، وكذلك بعض الحلي، وهي التي اعتبرت مفتاحاً دالاً علي أن مينوتس قد غرقت سريعاً، فلو أن الانهيار كان تدريجياً ما تركت الحلي الثمينة والنقود علي الأرض، وقد أعطي العلماء احتمالاً كبيراً إلي أن غرق مينوتس لابد قد وقع بعد وقت قليل من عام 740 ميلادياً، حيث لم يعثر علي عملات نقدية لأحدث من هذا التاريخ. إن البناء الضخم الذي استلزم مثل هذه الأساسات لابد أن يكون هو المعبد الشهير الواقع علي التل الرملي للإلهة إيزيس، حيث اكتشف أخيراً في موقع مينوتس ثلاثة أخاديد أو شقوق أحدهما يأخذ شكلاً هلالياً يبلغ طوله 115 قدماً، ويبلغ عرضه خمسين قدماً في أوسع نقطة فيه. هذا الشق مملوء بالرمال وشقف الفخار، ورجح العلماء أن الذي ملأه هم البشر وليس البحر، وهو يقع مباشرة تحت جدار أثري كبير مبني من الحجر الجيري، مما يرجح أنه قد شق لعمل أساسات لتتحمل هذه المباني الضخمة.
إن الاكتشافات السابقة قد لا تعطي نتائج قاطعة، لكنها بكل تأكيد تبدو عظيمة مثيرة للتفاؤل. إن مينوتس بحجم اكتشافاتها تؤكد أنها كانت ضاحية مهمة من المدينة الكبيرة كانوبوس.
أما الميناء هيراكليون (ثونيس) الذي يقع قريباً منها إلي الشمال الشرقي علي مصب فرع النهر فهو من أكبر موانئ الإقليم، وشهرته عظيمة، حيث وجدت قطعة موزاييك من النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي في تل الروساس قرب مادابا بالأردن تبرز اسم ميناء هيراكليون من بين الموانئ الكبيرة في الدلتا. إن هيراكليون (ثونيس) يعتبر هو الموقع الوحيد المؤكد الذي تم تحديده ومطابقته فعلياً، من قبل البعثة المستكشفة وبما لا يقبل الشك، فها هو فرع النيل الكانوبي الذي يقع علي مصبه يبدو في الخرائط الباثيمترية إلي الشرق من كانوبوس، كذلك اللقي الأثرية والميناء والأرصفة وبقايا السفن وتجمعات كتل الأحجار الجيرية، ثم ذلك الناووس الجرانيتي الذي تذكر نقوشه الهيروغليفية التكريس لعبادة آمون جرب ذلك الإله الذي كان يتماثل مع الإله هرقل الإغريقي، وهي العبادة الرئيسية لهذا المعبود في هيراكليون، اكتشفت في موقع معبد هيراكليون الشهير، ورسمت خريطة لكتلة المعبد وسائر المباني.
تأمل الاكتشاف الكبير في موقع هيراكليون فهو اللوحة الجرانيتية التي تحتوي علي التعليمات الخاصة أو المرسوم الذي يحدد وجوب دفع الرسوم الجمركية علي البضائع التي ترد علي الموانئ لتدخل مصر وهي اللوحة التي تتطابق مع لوحة نقراطيس في تاريخها فهي من الأسرة الثلاثين للملك نختانبو الأول 380 - 362 ق.م مع اختلاف إسمي المدينتين، حيث الأولي المكتشفة عام (1899) تحمل إسم مدينة نقراطيس (نقراش - كوم جعيف)، أما في اللوحة المكتشفة من الموقع الغارق هيراكليون فإن النص الهيروغليفي لمرسوم الملك يأمر بأن »‬توضع هذه اللوحة في فم بحر اليونانيين في مدينة »‬حنت - ساو» (قد يكون نسبة إلي قربها من مدينة سا الحجر أو »‬ساو» »‬سايس» عاصمة الأسرة 26)، حيث تذهب الضرائب هنا إلي خزانة معبد الإلهة نيت في سايس، وربما يكون نسبة إلي ثوني أوثونيس الذي أطلق علي الميناء بحسب ما ذكر هيرودوت، هنا نجد أنه كان يحدث التباس في تمييز الإسمين ثونيس وهيراكليون حتي عرضت النظريات التي رجحت أنهما مدينة واحدة تكونت من إسمين أحدهما ثونيس والآخر هيراكليون، وهو الاسم الذي أطلق عليها بعد إعادة تجديد الميناء في اثناء العصر اليوناني والروماني والمذكور في النص اليوناني في النقش.
أما اكتشاف القناة الكبيرة بين هيراكليون وكانوب، والتي ذكر أن راغبي التنزه وقضاء العطلات والأوقات الجميلة يركبونها، فيعد أيضاً اكتشافاً كبيراً، وكذلك اكتشاف البناء أو الجسر الذي كان يصل بين غرب هيراكليون وشرق كانوب، واكتشاف حوض ميناء محمي بعدد من التحصينات في الركن الجنوبي الشرقي من المعبد، والذي كان مستعملاً خلال العصر البطلمي. إننا إذن أمام موقع تم تحديده، أما اللقي الأثرية الكثيرة جداً، والتي تتمثل في تماثيل عملاقة، مثل حابي إله النيل الفرعوني، ونيلوس إله النيل في العصر اليوناني الروماني، وتمثال ذات الجدائل، والعملات الذهبية والأواني الخزفية والبرونزية، فكلها خرجت من هذا الموقع الرائع. إن بعض التماثيل والأعمدة، والتي تصل إلي أطول 20 قدماً، وجد أنها قد سقطت كلها باتجاه جنوب - جنوب غرب، وهنا فإن بعض العلماء - يرجحون - ومنهم العالم Nur «ivaldy من جامعة ستانفورد أن ما حدث في المنطقة إنما هو زلزال قد ضرب ساحل الإسكندرية القديم، ويرجح بعض الجيولوجيين حدوث ما يسمي بهبوط في الأرض، ويتفق علي أن هذا الهبوط قد حدث في المدن الساحلية المصرية إلي نحو 16 قدماً نتيجة هبوط مفاجئ في الأرض غطست معه مينوتس وهيراكليون وبعض كانوب في خليج أبي قير، والميناء الشرقي في خليج الميناء إثر زلزال حدث في منتصف القرن الثالث الميلادي، في نفس وقت حدوث زلزال عنيف عام 365 ميلادياً قوته 6.7 - 7 في الساحل الجنوبي لجزيرة كريت أسفر عن موجات عملاقة (تسونامي) أغرقت آلافاً من الناس في الإسكندرية، وربما أيضاً صاحب ذلك إنهيار أو تفتت في التربة.ويرجح بعض العلماء الآخرين أسباباً أخري للإنهيار، مثل العالم دانييل جان ستانلي Daniel Stanlyy، من معهد سميث سونيان، الذي يري أن الأرض الطينية الحسائية القوام تحت هيراكليون ومينوتس قد أسهمت في تسيب أو تفكك التربة، فهذه المدن كانت تقع علي ارتفاع قليل من سطح البحر كما ذكر البطريرك سوفرون، حيث روي أن كنيسة الإنجيليين والتي هي أصلاً معبد إيزيس في مينوتس كما سبق أن أشرنا: »‬ مبنية قرب شاطئ البحر علي أرض منخفضة غير مستقرة بين كثبان الرمال والأمواج، وهي تحت رحمة كليهما، فمن الشرق تضربها الأمواج الغاضبة والرمال الطاغية، ومن الغرب يتعدي شاطئ الرمال خلسة عليها». بالإضافة إلي أن الفيضان السنوي للنيل يغطي جزءاً منها مع حدوثه، ولابد أنه أحد الفيضانات هو الذي اكتسح وأغرق خليج أبي قير. ووفقاً لمقياس النيل فإن هناك فيضاناً قد حدث عام 741، 742 م وهو ما تؤكده العملات التي وجدت وتؤرخ لعام 740 م، كآخر تداول لها. ومعروف أنه في أثناء الفيضان فإن سرعة المياه تتضاعف، مما يسمح للنهر بأن يحمل ست مرات من الرمال والطمي. ومعروف أيضاً أن الأنهار قد تغير بعض مساراتها أثناء الفيضان، وقد تشق مسارات جديدة، وتطمس أخري قديمة، والمعلومات تبين ان الفرع الكانوبي للنيل، والذي كان يتتابع حتي هيراكليون، قد انطمس، ولا توجد قناة من النيل تتجه إلي البحر المتوسط من خلال خليج أبي قير الآن. وهناك ظاهرة أخري اكتشفت لابد أنها ترتبط بما حدث في الحوض الكانوبي، فقد اخذت عينات من النباتات والطبقات التي وجدت في البقايا الأثرية وحللت بواسطة كربون 14 فوجد أن هناك اختلاطاً بين طبقة طميية ترجع إلي 2000 عام وأخري ترجع إلي 6000 عام في الطبقة نفسها، وفي بعض المناطق وجد أن طبقة الطين الأقدم هي الطبقة الأعلي والأحدث هي السفلي، إن هذه الأبحاث ما زالت في أطوارها الأولي لكن هذه الاكتشافات إنما تبين ما يمكن أن يكون قد حدث لهذا الساحل منذ أكثر من إثني عشر قرناً من الزمان.
إن مئات التماثيل الرائعة والقطع الأثرية المهمة التي كانت تختفي تماماً تحت الرواسب والرمال علي عمق من 30 سم - إلي عمق متر قدمتها لنا الاكتشافات الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.