مواجهة الوقت متأخر والجميع تركوا المقهي، عُد للبيت وسلم أمرك لله. قالها في نفسه، واستدار عائدا إلي البيت، دق الجرس مرة ثانية ثم ثالثة وفي النهاية أغلق عينيه وحاول أن يفكر في شيء آخر، متمنيا أن تكون قد خرجت لقضاء بعض احتياجات البيت كعادتها، دق الجرس مرة رابعة وخامسة، ليس من عادتها أن تخرج في مثل هذا الوقت. حاول أن يفكر في شيء آخر من جديد، دق جرس الباب مرة سادسة وسابعة، واستعد لكسر الباب ومواجهة الأمر أياً كان، فهو ليس له في الدنيا غيرها. نص بلا نهاية علي صفحات القصص يتمدد عالم هو الأفضل والأكثر سعادة، وعلي صفحات الواقع نقيضه ومنافسه، ولولا ذلك لبقيت الحياة نصا مفتوحا وبلا نهاية. باتجاه المقهي بعد خطوات كثيرة عمد إلي الالتفات إليَّ واضعا يده علي قلبه في إشارة بليغة، شعرت بالتأثر والخجل، لأني نهرته عندما حدثني بلغة الإشارة قائلا إنه يريد أن يذهب للمقهي بنهاية الشارع لرؤية مباراة كرة القدم بين فريقه المفضل ومنافسه في نهائي دوري كرة القدم لان المباراة مذاعة فقط علي قناة مشفرة، فتقدمت إليه وبلغة الإشارة أفردت إصبعي السبابة وضممت باقي أصابع اليدين وقربتها وفرقتها مرات ثم أشرت إليه باليد اليمني مفردة مهتزة ثم أخذت يده وبدأنا المسير باتجاه المقهي. عهد اختلط كل شيء في رأسها، جلست إلي الأرض، فبعد أن أعطته بعض الدواء ليرتاح، هدهدته، وضمته إلي صدرها قائلة: ما بك يا صغيري؟ انتفضت قائمة قائله: لابد في الصباح من زيارة الطبيب، أيقظها أذان الفجر، في ذهول تلفتت حولها وتذكرت عهدها علي نفسها ألا تزور طبيبا أبدا. بعد أن صدمها بجفاء وصلف أحد الأطباء أمام زوجها السابق مؤكدا لها أنها عاقر، ولكنها بعد أن ألقت نظرة علي ابنها، حملته مهرولة إلي احد الأطباء، وفي سيرها ألقت بعهدها في أقرب سلة زبالة. أمنية ليس لي معها اتفاق مبرم، فقط تمنيت أن تربت علي قبري يوما ما بأنامل أصابعها الصغيرة، وتذكرني في نفسها بلا لسان، بلا دموع ولا صخب. وإذا ما نسيت ذلك، فإني أعرف أن يوما ما أقدام أخري ستتبع أثري. ذاكرة إياي. منطق فلسفي في مستشفي الأمراض النفسية وقفت تخطب في جموع من زميلاتها قائلة: ما بين الغاية والهدف، مسافة من الممكن أن تزيد أو تنقص، أو خيط غير منقطع رغم هزاله، وبدون تعب يذكر لن نصل للهدف. لحظتها دخل ممرضان لتجهيز جهاز جلسات الكهرباء، فلقد أمر الطبيب بمضاعفة الجلسات لها، عندما لاحظ أنها بدأت تقول كلاماً من هذا القبيل المنطقي الفلسفي. أمنية كل صباح تستيقظ باكرا، ومن شباك غرفتها تلقي نظرة علي السيارات التي تطلق أبواقها – نداء للموظفين والموظفات- فترمق شهادتها العليا علي الحائط تتنفس بقوة،، تذهب إلي سريرها، تحتضن الأمنية وتغلق عينيها وتغطي وجهها وتنام. بيت زجاج كان مغرما بقصص التراث، ودائما ما يحاول أن يُلقي عليها واقع حياته، اليوم قرأ حكاية مسمار جحا، فقام يبحث في بيته عن مسمار ليعلق عليه حكاية من حكاياته، إلاَّ أنه تذكر أنه يسكن في بيت من زجاج. حمقاوات هؤلاء الحمقاوات لا يكفيهن ما هن فيه من مصائب! لا شك أن حكايتهن ستنتهي نهاية سيئة، فما زالوا حتي هذه السن المتقدمة يجتمعون كل خميس يتناولون المحاشي بأنواعها وذلك رغم تحذير طبيبهن في بيت المسنين ورغم ما يعانونه من أمراض السمنة والسكر والضغط والقلب.