المصريون بالخارج يواصلون الإقبال على لجان التصويت في انتخابات النواب 2025    محمد عبد اللطيف يكلف التربية والتعليم بتولي إدارة مدرسة سيدز الدولية    الوطنية للانتخابات: استئناف التصويت لليوم الثانى ب105 مقرات انتخابية حتى الآن    جامعة القاهرة تطلق أول دليل مؤسسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي    الرئاسة في أسبوع.. السيسي يفتتح محطات بحرية.. يشارك في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة.. يوجه تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات.. ويستقبل رئيس كوريا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فليخسأ المتقولون !?    أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق الجملة اليوم السبت    أسعار الحديد اليوم السبت في محافظة الغربية    الدولار يسجل 47.50 جنيه في 5 بنوك صباح اليوم السبت    سعر الدولار اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 أمام الجنية المصري    معهد بحوث الصحة الحيوانية ينفذ حملات لحماية الثروة الداجنة من أمراض الشتاء    سعر كرتونة البيض في بورصة الدواجن والأسواق اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 فى المنيا    أيمن عاشور يعقد اجتماعًا مع مجموعة خبراء تطوير التعليم العالى    رئيس الوزراء يصل إلى مقر انعقاد قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج    أوكرانيا تدرس خطواتها في ظل ضغط ترامب للقبول بخطة السلام مع روسيا    وزير الخارجية يتلقى مع مستشار الأمن القومي البريطاني    الدفاع الروسية: تدمير 69 مسيرة أوكرانية خلال ال 24 الساعة الماضية    اليوم.. مؤتمر صحفي لأحمد عبد الرؤوف وعمر جابر قبل لقاء الزمالك وزيسكو    مواعيد مباريات اليوم السبت 22- 11- 2025 والقنوات الناقلة    سيناء تستقبل أول أفواج رحلات «شباب مصر» لتعزيز الانتماء ودعم الوعي التنموي    الأهلي وشبيبة القبائل.. مواجهة القوة والطموح بافتتاح مجموعات دوري الأبطال    ليفربول يستضيف نوتنجهام فورست في الدوري الإنجليزي    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    حركة سير هادئة وانتشار أمني لتأمين الطرق في القاهرة والجيزة    بدء محاكمة رمضان صبحي في قضية التزوير    إصابة 4 أشخاص في تصادم بين سيارة نقل أموال وملاكي بالشيخ زايد    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    إصابة 28 عاملًا وعاملة في إنقلاب سيارة ربع نقل ببني سويف    النشرة المرورية.. انتظام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    فوز «كلب ساكن» بجائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق السينما العربية    نقابة الموسيقيين تقرر وقف مطرب المهرجانات كابونجا عن الغناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    الصحة: اعتماد 4 وحدات رعاية أولية جديدة وفق معايير «GAHAR»    «الصحة»: اعتماد 4 وحدات رعاية أولية جديدة وفق معايير «GAHAR»    مخاطر صحية.. 4 أسباب لعدم تأجيل تطعيمات طفلك    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    «قنديل» يتفقد مستشفى الشروق المركزي ومركز طب أسرة "63 مترا" ويوجه بإجراءات عاجلة    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    فرنسا لمواطنيها: جهزوا الطعام والماء لحرب محتملة مع روسيا    عمرو أديب: هو إحنا مانعرفش نعمل انتخابات بما يرضى الله.. اجعلوها شريفة عفيفة    حين صدحت مصر بصوتها.. حكاية «دولة التلاوة» كما رواها الناس    الاتحاد الأوروبى يدعو طرفى القتال فى السودان لاستئناف المفاوضات    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    أبرزها وظائف بالمترو براتب 8000 جنيه.. «العمل» توفر 100 فرصة للشباب    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    مفاجآت جديدة في قضية سارة خليفة: تنظيم دولي مش جريمة فردية    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتبات في المواجهة 5
أليفة رفعت، قاومت العزلة والإزاحة بعالمها القصصي المدهش
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 01 - 2019

لا بد أن نكرر بشكل أو بآخر، أن عقد الخمسينيات من القرن العشرين، كان عقد القصة القصيرة بامتياز، رغم أنه حمل لنا ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين، وقصر الشوك، والسكرية"، وكذلك رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، وأيضا روايات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وغيرهم من الكتّاب والمبدعين، وفي مقابل ذلك، نشأت ظاهرة التجديد في القصة القصيرة بدرجات ومستويات عالية، وصدرت مجموعات قصصية مازالت تمارس فاعليتها حتي الآن، وتمد بظلها علي كافة الأجيال اللاحقة.
ونريد أن نذكّر فقط، وعلي سبيل المثال بالمجموعات القصصية التالية، "أرخص ليالي" ليوسف ادريس أغسطس 1954، »العشاق الخمسة»‬ ليوسف الشاروني، »‬عم فرج» لنعمان عاشور، »‬السماء السوداء» لمحمود السعدني، 1955، »‬أكل عيش» لمصطفي محمود، »‬مسا الخير ياجدعان» لبدر نشأت، »‬زهر البنفسج» لزكريا الحجاوي، »‬حيطان عالية» لإدوار الخراط، وغير ذلك مجموعات قصصية لألفريد فرج، وسعد الدين وهبة، وصبري العسكري، هذا عدا أن جميع المجلات الأسبوعية غير الأدبية تقريبا، كانت تنشر قصة كل أسبوع، مثل مجلات آخر ساعة والتحرير والإذاعة والجيل وصباح الخير وروز اليوسف، فضلا عن الصحف اليومية مثل الأخبار والجمهورية والأهرام والمساء والزمان والقاهرة، أما المجلات الأدبية فكانت معنية بشكل خاص بنشر القصص القصيرة، والاهتمام بمتابعة كافة القضايا المتعلقة بذلك الفن البديع، فكانت مجلة مثل "الرسالة الجديدة"، والتي كان يرأس تحريرها يوسف السباعي، تنشر أكثر من قصة في كل عدد، وكذلك تتابع المسابقات الأدبية التي كان يقيمها نادي القصة، وتنشر تحقيقات تتعلق بهذا الفن.
ومن خلال الإنتاج القصصي الكثيف، تفجرت قضايا عديدة، وبالتالي توزعّت المناقشات حول طبيعة هذا الفن، وبالتأكيد كانت النزعات النقدية التي تنحاز للواقعية، أو الواقعية الجديدة، أو الواقعية الاشتراكية، هي التي كانت سائدة،ومن الطبيعي أيضا كانت المفاهيم في طور التأسيس، والمعارك علي أشدها، وكان قد صدر كتاب "في الثقافة المصرية" لمحمود أمين العالم ود عبد العظيم أنيس في بيروت، وطرح تلك القضايا بقوة، تلك القضايا التي تصدّت للمفاهيم أولا، ثم تعرضت للنتاج الأدبي المتعدد من جهة ثانية، وفي هذا السياق حدثت اشتباكات حادة بين الأجيال الجديدة، والتي كان يمثلها المؤلفان محمود العالم ود أنيس، ومعهما كتلة من الكتاب الجدد مثل صلاح حافظ وفتحي غانم وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وغيرهم، والأجيال القديمة، والتي كانت الأهداف الرئيسية للمعركة، وكان يمثلها بامتياز د طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم وغيرهم.
وكما نلاحظ في السرد السريع السالف، أن المرأة الكاتبة لم تكن بارزة علي السطح، رغم أن هناك نتاجات واضحة وبديعة ظهرت في فن القصة القصيرة آنذاك، إبداعات لصوفي عبدالله وملك عبد العزيز ونوال السعداوي وجاذبية صدقي وفوزية مهران وسعاد زهير وأمينة السعيد وفيكتوريا نجيب وغيرهن، ومنهن من أصدرن مجموعات قصصية كثيرة، مثل جاذبية صدقي وصوفي عبدالله، ومنهن كاتبات أخريات نشرن قصصهن في الدوريات، وكانت تنتظر تلك القصص أن تجتمع في مجموعات وكتب لتضمها، وقد حدث ذلك لكثير من الكاتبات.
وفي ظل ذلك المناخ الطارد للكاتبات، حيث الحديث والنقد والجدل والاهتمام يدور دوما حول الكتّاب والمبدعين، دون الكاتبات، ظهرت الكاتبة الشابة أليفة رفعت، ونشرت بعض قصصها في مجلات ذلك الزمان، وكانت عائلتها المحافظة جدا، مثل غالبية العائلات حريصة كل الحرص علي الاهتمام بتزويج ابنتها، وكانت مواهب أليفة بدأت في الظهور بكثافة، ونشرت بضعة قصص قصيرة، ولكن حدث الزواج، ومنعت أليفة من الكتابة والنشر، لكي تنتبه لبيتها ولأسرتها، وتكون ربة بيت صالحة، وتتفرغ تماما لذلك البيت، وكذلك الزوج، وكأن الانتباه للبيت وللزوج وللأسرة، نقيض للكتابة وللإبداع والثقافة بشكل عام، وفكرة اقتصار البيت والأسرة علي اهتمامات المرأة فقط، لم تكن مقصورة علي الناس العاديين فقط، بل امتدت إلي الكتاب والمثقفين كذلك.
ظلّ هذا الأمر قائما في حياة أليفة رفعت لما يقرب من عقدين، كانت خلالهما تكتب في صمت، وتقاوم في صلابة، وذلك لتحافظ علي جمرة الإبداع مشتعلة كل هذا الزمن، وكان من الممكن أن تذبل كل عناصر الإبداع لديها، ولكنها عادت بقوة، وراحت تنشر إبداعها منذ مطلع عقد السبعينيات، فنشرت قصصها في مجلات الثقافة الشهرية، والثقافة الأسبوعية، والتحرير، والزهور، والهلال، والقصة، ونشرت أول مجموعة قصصية لها في يونيو 1975 ، وعنوانها »‬حواء تعود لآدم»، وبحكم علاقتها الوطيدة بالمترجم جيمس ديفيز، فترجم لها بعض قصصها، وراجت تلك القصص في أوروبا وأمريكا، قبل أن تنتشر هنا في مصر، وربما يكون رواجها بالنسبة للقارئ العربي يكون معدوما أو شبه معدوم.
كان من الذين كتبوا عنها فور صدور مجموعتها الأولي هذه، القاص الراحل يوسف الشاروني كتب يقول عنها في أبريل 1976 :"السيدة أليفة رفعت بدأت تنشر منذ عامين فقط، لكنها فيما يبدو كانت تمارس كتابتها منذ زمن أبعد من ذلك، وقد لفت نظري إلي قصصها قصة كانت قد تقدمت بها للنشر في مجلة الزهور الملحقة بمجلة الهلال منذ أكثر من عام بعنوان "عالمي المجهول"، وفيها قدمت بصورة فنية ناضجة ورائعة هذا المزيج المتناقض بين الرغبة والخوف الذي يعصف بقلب إحدي الزوجات التي ارتادت هذا العالم الفانتازي الذي يضرب بجذوره في التراث الشعبي..".
يسترسل الشاروني في قراءة قصص أليفة، وينتصر للجوانب الفيزيائية التي تطرحها القصص، وفي الحقيقة تعتبر قراءة الشاروني لقصص أليف، قراءة إيجابية من حيث الرؤية الفنية، فهو لم يكن يصنّف الكتابة إلي يمين ويسار، ولم يكن مدعيّا علي وجه الإطلاق أي بطولات وهمية ذكورية، وتقريبا هو الوحيد الذي اهتم علي مدي عقود الستينات والسبعينات بكتابة المرأة، فقدم كتابين مرجعيين، الكتاب الأول هو "الليلة الثانية بعد الألف"، وضم هذا الكتاب الذي ضم مختارات من القصة النسائية في مصر عام 1975 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وشملت المختارات قصصا لمي زيادة وسهير القلماوي وعائشة عبد الرحمن ونجيبة العسال وهدي جاد وصوفي عبدالله وسعاد زهير ولطيفة الزيات وجاذبية صدقي وفوزية مهران ونوال السعداوي وأليفة رفعت ووفية خيري وإحسان كمال ونادية كامل وإقبال بركة وزينب صادق وزينب رشدي وسكينة فؤاد وسعاد شلش، وتضمن الكتاب السيرة الذاتية لكل كاتبة، وهذا جهد يشكر للشاروني، كما أنه أصدر كتابا آخر عنوانه "حفيدات شهرزاد .. قراءات في إبداعات"، تضمن قراءات في كتابات وقصص كثر من الكاتبات، وصدر الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2009، والكتابان في غاية الأهمية، حيث أن المادة المنشورة فيهما، لن نجدها في أي مصادر أخري.
وكما كتب الشاروني عن مجموعة أليفة الأولي، كتب كذلك عن مجموعتها الثانية "من يكون الرجل"، والتي صدرت عن سلسلة »‬كتاب المواهب» عام 1981، وجاء علي غلافها : أليفة رفعت كاتبة قصة متميزة، فهي تجيد التعبير الفني النافذ، عن أشواق المرأة الفكرية والروحية، ولها طاقة كبيرة علي تصوير أحاسيس المرأة المستكنة، وعواطفها المتقلبة الفوّارة، وخصوصياتها الدقيقة.. ولها شغف بالرسم للعوالم المجهولة وتصوير المشكلات الدقيقة بين الرجل والمرأة، ثم هي تجيد تصوير الطبيعة المصرية وتحولها إلي لوحات نابضة بالحياة، وإذا كانت طبيعة حياتها وظروفها قد حجبتها فترة طويلة عن الحياة الأدبية، فإنها تحاول الآن تعويض هذا الزمن الضائع بما تكتبه من روايات وقصص ترجم بعضها إلي اللغة الانجليزية ونشر في بعض المجلات الأجنبية".
كما جاءت عدة تقريرات عن الكاتبة والمجموعة في نهاية الكتاب، نقتبس أحدها كتبه الناقد مصطفي عبد اللطيف السحرتي، إذ يقول :"السيدة أليفة رفعت نابغة من كتّاب القصة، وهي نجم ثاقب من نجوم الأدب القصصي بلا مراء، وهي تنزع إلي بثّ القيم الخلقية في المجتمع، وتبدو أصالة الكاتبة وجرأتها في أكثر من قصة...والملاحظ أن الكاتبة لم تنزع إلي قصص الحب الشهوي كما يفعل الكثيرون، ولكنها ترتفع بهذا الحب وتنادي بالحب الروحي ..".
وفي هذا التقرير يحاول الناقد أن يطرح وجهة نظره المعتدلة، والتي نختلف عنها، ونراها محاولة لليّ عنق القصص بطريقة ما، حيث أنه يريد أن يعطي بعض الإيحاءات الأخلاقية المحافظة والتقليدية، والتي لم تكن الكاتبة تهتم بها، بل إنها ضربت بها عرض الحائط، واستطاعت أن تقفز علي تلك المفاهيم البالية، وفي وجهة نظري المتواضعة، أنها رائدة كتابة الجسد بامتياز، تلك الكتابة التي راحت كاتبات كثيرات في التسعينات تقلدها، وهناك من نسبن لأنفسهن ريادة هذا المجال، رغم أن الأصل كان يكمن في كتابات أليفة رفعت.
يكتب الكاتب الراحل محمد الراوي عنها عندما التقي بها في عقد السبعينات يقول :"يومها تكلمنا عن قصة لها نشرت في مجلة الزهور، أثارت تلك القصة العديد من الآراء ، قفزت أليفة في هذه القصة الحواجز، حاجز الخوف، حاجز الخجل، حاجز كونها أنثي تكتب ، ولو نشرت قصصها في أواخر السبعينات لأطلق عليها النقاد أنها تكتب بالجسد حسب مقولتهم التي شاعت علي الكتابة النسوية، وأنا أعتبر أن أليفة هي رائدة هذا الاتجاه الذي لم يتبلور اسمه إلا بعد سنوات"، ويستطرد الراوي قائلا: "..خلال المناقشة قالت لي : أرجو الا يعتبرني الآخرون كاتبة جنس" ، قلت لها : الفنان والمبدع الحقيقي لا يخشي هذا الاتهام أو الشعار، اياك أن تنفي عن نفسك هذه التهمة وإلا فأنت غير جديرة بقصتك"، وفي بقية الحوار يطرح الراوي وأليفة عدة قضايا شائكة في هذا المجال، وظل الاهتمام بأليفة رفعت اهتماما خاصا، لعدد محدود من النقاد والمبدعين والكتاب، قد صدرت لها عدة مجموعات قصصية فيما بعد مثل "منظر بعيد لمنارة 1983، و"صلاة حب"، و"في موسم الياسمين"، و"كاد لي الهوي"، و"ليل الشتاء الطويل"، كما صدرت لها رواية بديعة هي "جوهرة فرعون" عام 1991 عن دار الهلال، ورحلت عام 2001، وكانت قد ترجمت قصصها إلي عدة لغات منها الهولندية والسويدية والألمانية والفرنسية وبالطبع أسبقهم اللغة الانجليزية.
كانت مجموعتها "من يكون الرجل" الأكثر ا جدلا، وتحتوي علي أربعة عشر قصة، هي هذه ليلتي، صديقتي، محصول القطن، وتقولين من أين؟!، عالمي المجهول، ضحكة سكرة، حبيبي الذي كان، الحدوتة، من يكون الرجل، عناقيد العنب، الشرف، قمر الحارة، رقم 21/12، في موسم الياسمين"، وتتناول القصص جميعها، كافة الهموم النسوية الجريئة، ذات التعبير الحاد والواضح، وقد جاءت هذه القصص من مساحة زمنية محرومة من التعبير عن الذات، وكما قال الشاروني أنها لم تكن حديثة الكتابة، لذلك جاءت الكتابة شبه معتقة وناضجة وتحمل مخزونا فنيا وذا دلالات اجتماعية حادة وجارحة، ولا ندعّي هنا بأن الكاتبة كانت تطرح تقنيات فنيّة فائقة أو ثورية، ولكن المفاهيم الدلالية هي التي كانت فارقة وجديدة وساطعة في قضايا المرأة الاجتماعية والجسدية، رغم كل الأقنعة التي تسترت فيها بعض القصص، ولكن بعضها لم تستطع أن تضع أي مساحيق أو أقنعة.
في القصة الأولي "هذه ليلتي"، تتحدث الراوية، أو بطلة القصة عن ليلة فرحها، تلك الليلة التي كان من المفترض أن تكون أبهي ليالي العمر بالنسبة لها، ولكنها كانت ليلة تعيسة بجدارة، فهي كانت مجبرة علي تلك الزيجة البائسة، لأن أباها هو الذي أراد، ولأن أمها هي التي اختارت، فالعريس جاهز "من مجاميعه"، فلن يكلّف أسرتها أي شئ، وكذلك فالعريس مستور، ولن يجعل زوجته تحتاج إلي أي شئ في حياتها القادمة، وربما يغدق علي أهلها من ماله الوفير، كانت العروس/البطلة، تحيا الليلة في غياب تام، وتتأمل الراقصة التي تتلوي أمامها في كذب واضح، وتتساءل : من أين جاءت تلك الراقصة بكل هذه البهجة المزيفة؟، ومن أين يأت كل هؤلاء الضيوف بهذه الابتسامات الخادعة، ولكن الراوية كانت تقاوم كل هذه الأكاذيب، فهربت إلي طفولتها البعيدة، طفولتها التي استطاعت أن تعيش فيها مشاعر جميلة وصادقة وحقيقية، حتي لو كانت مشاعر قافزة علي عمر الطفولة، عندما كانت تلعب لعبة "عروستي"، كان كل شئ يسير علي مايرام، وكما هو يسود في الأفراح، ولكنها كانت تهرب بخيالها وذاكرتها إلي عوالم أخري واضحة وغامضة ومجهولة، لتصنع لنفسها عشّا آخر غير ذلك الذي ينتظرها بعد قليل، وجاءت المفاجأة عندما ذهبت إلي ذلك العش المرتقب، تكتشف أن ذلك الزوج عنيّن، ولم يعرف ماذا يفعل في تلك الليلة السوداء.
لا نريد أن نشّرح القصة نقديا، لأنها متأثرة بالبناء التقليدي للقصة، ولكن التناقضات التي طرحت في القصة، وعمق التأملات هو القصة نفسها، بالتعبيرات الحادة والواضحة والدالة.
القصة التالية مباشرة، تتحدث عن علاقة غير شرعية بين امرأة وامرأة، امرأة أجبرت امرأة أخري علي تلك العلاقة، وأفسدت حياتها بأشكال مختلفة، وهذا المنحي في الكتابة، لم يكن معروفا في ذلك الوقت، وربما كان جديدا واكتشافا، ولذلك فالقصة جريئة في أن تتحدث عن علاقة شاذة بين امرأة وامرأة أخري، تلك العلاقات التي تناولتها فيما بعد الكاتبة الكويتية عالية شعيب في روايتها "شقة الجبريلية"، وكذلك أفردت لها رسالة بحثية، وصدرت في كتابها "أخت الفتنة".
أما القصة التي أثارت الجدل واسعا وعميقا، فهي قصة "عالمي المجهول"، عن المرأة التي راحت تتأمل أفعي تتسلق شجرة، وشعرت أن تلك الأفعي لها شكل خاص، وتحولت كل صفات الأفعي المريبة، إلي صفات حميدة، وعندما لاحظ زوجها وجود تلك الأفعي، استدعي كل الوسائل لطردها، ولكن الأفعي اختفت، وفشلت كل الوسائل في طردها، لتنشأ علاقة سرّية وخاصة بين المرأة والأفعي، ولا تتورع الكاتبة استخدام كافة مفردات القاموس العاطفي في تلك العلاقة الغريبة، تقول :"سمعت هسيسا خفيفا يصدر من ركن الجدار بجوار فراشي تماما، فأطلت النظر إليه وظلّت عيوني مثبتة عليه لأجد الثقب يتسع بطيئا، بطيئا جدا، أغمضت عيني وركض قلبي بالفرحة، ونبض كياني باشتياق ولهفة، وبزغ في نفسي أمل باللقاء، أغلقت عيني واستلقيت في استسلام لما سيكون، فما عدت أبالي أيكون الحب قادما من عالم الهوام والزواحف، أم من عالم الجان ملوك الأرض؟.. فحتي لو كان هلاكي .. هذا الحب.. فشوقي له أكبر.. ولهفتي أقوي وأعظم".
هذه القصة الطويلة والعميقة علي وجه الخصوص، تكاد تكون من عيون القصة المصرية والعربية، وإذا كنا قد نفينا عن كتابات أليفة رفعت السالفة سمة التجديد في تقنيات القصة، فهذه القصة علي وجه الخصوص، جاءت بأجمل التعبيرات والتقنيات علي مستوي القصة القصيرة، واستطاعت أليفة رفعت بكافة قصصها أن تترك أثرا لا ينمحي في القصة المصرية والعربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.