الباحث يتوسط لجنة المناقشة والحكم عن دراسة لغوية تداولية في رسائل الجاحظ.. حصل الباحث عبدالعزيز السيد البديوي، المدرس المساعد بقسم اللغة العربية بكلية الألسن، جامعة عين شمس، حصل علي درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولي، قدم الباحث في فصول بحثه الثلاثة دراسة تداولية لغوية حجاجية، تناولت العناصر الاشارية والأفعال الكلامية، وحجج السلطة، وكان مجال تطبيقها علي رسائل الجاحظ بموضوعاتها المختلفة، وخلصت الدراسة إلي أن رسائل الجاحظ تمتعت بثراء موضوعي، حيث تنوعت موضوعاتها بين الأخلاقية، والاجتماعية والموضوعات الفقهية، والأدبية والبلاغية، والموضوعات الذاتية، والموضوعات الجدلية. وأكد الباحث أن العلماء شرقا وغربا قد اهتموا برسائل الجاحظ وهو ما أثمر جهودا غربية علي يد المستشرقين، وأخري عربية علي يد العلماء العرب، لجمع هذه الرسائل وتحقيقها وطباعتها، مشيرا إلي أن قيمة رسائل الجاحظ تمثلت في اسلوبه في الكتابة، وفي تأليفها المعتمد علي الانتقال من الشك إلي النقد إلي التجريب والمعاينة بالإضافة إلي الجمع بين التنظيم والتأديب، والجمع بين إعمال العقل وتحكيم الذوق والاعتماد علي الموسيقي،وتصويره للمجتمع وتكامل بناء هذه الرسائل. وفيما يخص مصطلح التداولية، فقد توصل الباحث إلي أن هذا المصطلح شهد -قبل أن يستقر- مراحل مصطلحية متعددة، نتيجة تعدد الترجمات، وعدم تحديد حقل الدراسة تحديدا دقيقا، بالاضافة إلي سعة الروافد وتعدد الجذور، كما شهدت التداولية مراحل متعددة حتي استقرت إلي ما هي عليه بداية من مراحل الإرهاصات الفلسفية، مرورا بمرحلة الدمج بين الاتجاه الفلسفي والاتجاه اللساني، وانتهاء بالمرحلة اللسانية الخالصة. وأوضح أن التداولية منهج له جذور فلسفية ولغوية واجتماعية وقد شهد المنهج وجود أصول له في التراث العربي، كما أنه يمتد إلي اتجاهات كثيرة ومتعددة، يتناولها بالدراسة والتحليل والكشف، بالاضافة إلي نجاح الجهود العربية في تطويع نظرية الأفعال الكلامية، لتوافق الخصائص والاتجاهات اللغوية العربية، وقد نجحت التداولية في الكشف عن سمات الجاحظ الشخصية وأسلوبه، وسمات بيئته الثقافية والاجتماعية، بالاضافة إلي الوقوف علي طرقه في المخاطبة بأساليب إقناعية ناجحة. وقد رسم الباحث لدراسته خطة قامت علي محددين رئيسيين، الأول خاص برسائل الجاحظ، وهو يعين الحقل التطبيقي الذي تقوم عليه الدراسة،وهي الرسائل التي كتبها الجاحظ في موضوعات مختلفة، أما المحدد الآخر فهو الدراسة اللغوية التداولية التي قدم فيها الجاحظ الاطار النظري الذي تقوم عليه دراسته. وفي عرضه أوضح أنه نظراً لاتساع المفاهيم والنظريات والاتجاهات التداولية، فإن الدراسة قد عمدت إلي مجموعة منها، واعتمدت عليها في بنائها، ومن هذه المفاهيم: الاشاريات، والأفعال الكلامية، (الإخباريات، والتعبيريات، التوجيهيات)، كما اعتمدت الدراسة علي بعض المفاهيم الحجاجية، باعتبار الحجاج نمطا من أنماط الاستعمال اللغوي الذي هو مجال التداولية ومن هذه المفاهيم: السلالم الحجاجية والسلطة الحجاجية. وكانت مادة الدراسة في رسائل الجاحظ التي جمعها وحققها عبدالسلام هارون في أربعة مجلدات انتشرت عام 1979، اشتمل الجزء الأول علي عشر رسائل، والثاني علي سبع، والثالث علي عشر رسائل، في حين اشتمل الجزء الرابع علي تسع عشرة رسالة، وبذلك يكون عدد الرسائل ستا وأربعين رسالة، قامت عليها الدراسة. وأشار الباحث إلي أنه قد عمل علي تحقيق رسائل الجاحظ مجموعة من المحققين العرب والمستشرقين، إلا أن أكبر سلسلة وأهمها هي التي حققها عبدالسلام هارون، حيث اعتمد علي الطبعات السابقة التي حققها العرب والمستشرقون، بالاضافة إلي المخطوطات التي حصل عليها. ويهدف الباحث من دراسته إلي الكشف عن الاشاريات الفنية والسياقية في رسائل الجاحظ، كما أراد الكشف -أيضا- عن الأنماط الكلامية، فضلا عن الوقوف علي أنماط السلالم الحجاجية وقيمتها في رسائل الجاحظ، ورصد أشكال السلطة الحجاجية وطريقة توظيفها في الرسائل. جاءت الدراسة في ثلاثة فصول: الأول عن الاشاريات في رسائل الجاحظ، وقد خلص الباحث فيه إلي تعدد الجهود العربية والغربية في الوقوف علي مفهوم الاشاريات، وانتهي إلي أنها تلك العناصر التي تعتمد في تفسيرها علي عنصرين هما: السياق والمرجع، وتتنوع الأنماط الاشارية وتختلف في وظائفها وأهدافها، وقد كثرت الجهود في الكشف عن هذه الأنماط، وهو ما سمح بهذا التنوع، فجاء علي النحو التالي: الاشاريات الشخصية والاشاريات الزمنية، والمكانية، الخطابية، والاشاريات الاجتماعية والتعليلية. وأوضح الباحث أن النظرية الاشارية لها جذور كثيرة في التراث العربي علي مستوي علوم مختلفة: النحو، البلاغة، أصول الفقه، في النحو ظهرت في أسماء الاشارة، وأبواب النداء، والندبة، وفي علم البلاغة ظهرت في باب الإشارة والتفرقة في استعمال أسلوبي القصر وباب الالتفات، وفي علم أصول الفقه، فقد اتخذت بابا مستقلا بذاته، حيث دراسها الأصوليون باعتبارها نوعا من أنواع الدلالة. كما أوضح الباحث أن البناء الفني لرسائل الجاحظ، قدم دورا مهما في عملية الاشاريات، حيث قدم العنوان اشاريات شخصية واشاريات متعلقة بالنواحي العلمية، كمشكلة تحديد العنوان، ومشكلة تحديد المرسل إليه، كما نجح استهلال رسائل الجاحظ في تقديم اشاريات دينية ناتجة عن البدء بالبسملة، والجملة الدعائية، بالإضافة إلي تقديم إشاريات مقامية متعلقة بمقامي الإيجاز والإطناب، واشاريات تضامنية صاغتها الضمائر والدعاء. ولفت الباحث إلي أن خاتمة رسائل الجاحظ تمكنت من تقديم اشاريات شخصية، ودينية، واشاريات تضامنية ناتجة عن المخاطبة بضمير المخاطب، وتعظيم النفس وتفخيمها، والدعاء للمرسل إليه. كما قدمت سياقات خطابات الجاحظ الدينية والسياسية والاجتماعية أنماطا إشارية مختلفة، لها أهمية كبري في كشف الحياة العامة في عصر الجاحظ، كما كشف سياق الخطابات الدينية عن اشاريات تتعلق بمذهب الجاحظ في علم الكلام، وموقفه من بعض المتكلمين ومذاهبهم، بالإضافة إلي قضايا الفرق والمذاهب الدينية، والقضايا الفقهية والتشريعية، وكشف سياق الخطابات الاجتماعية للجاحظ عن فئات المجتمع الممثلة لطبقاته كالجنود والكتاب، والمهندسين والمحاسبين، والتجار، وأبرز الجوانب الأخلاقية في العصر العباسي، نحو الجسد، الكبر، إفشاء الأسرار، الغيبة، الفضول، وكذلك القضايا الاجتماعية: الشعوبية، العلاقة بين الرجل والمرأة، وبعض المظاهر الاجتماعية مثل الترف، اللهو، مجالس الغناء، المجون، الشراب. وجاء الفصل الثاني عن الأفعال الكلامية في رسائل الجاحظ، وتوصل فيه الباحث إلي أنه أعتمد علي ثلاثة أنماط من الأفعال الكلامية وهي: الأفعال الإخبارية، التعبيرية والأفعال التوجيهية، كما اتسعت الأفعال الكلامية عنده بالترابط المنطقي الواضح بين عناصرها الأربعة: فعل القول/ التلفظ، الفعل القضوي، الفعل الانجازي، والفعل التأثيري. أما الفصل الثالث والأخير فكان عن الحجاج في رسائل الجاحظ، وفيه توصل الباحث إلي تعدد الجهود التي تناولت مفهوم الحجاج في الشرق والغرب، قديما وحديثا، وأثمرت هذه الجهود عن ارتباط الحجاج بكل من الجدل والخطابة واللغة، وتنوعت اتجاهات الحجاج بتعدد الجوانب التي يمكن النظر إليها من خلالها، فظهرت اتجاهات متعلقة بالنظر إلي الخطاب، واتجاهات متعلقة بالنظر إلي قصد المخاطب، واتجاهات متعلقة بالنظر إلي الحجج، واتجاهات متعلقة بالنظر إلي الوسائل والتقنيات المختلفة، وقد اعتمد الجاحظ علي أنماط مختلفة من البنية الحجاجية، وأشكال متعددة من عناصر الحجاج، من أجل تدعيم حججه، وإقناع المتلقي بالقضايا التي يطرحها، كما تشكل السلالم الحجاجية، البنية الشائعة في استعمال الجاحظ في رسائله، وتراوحت بين السلمية اللفظية والسلمية المعنوية، وأنه اعتمد علي السلمية الحجاجية بالتصاعدية التي تقوم علي النتيجة الابتدائية أو الوسيطة أو التمهيدية، التي تسبق النتيجة الكبري، لكنه في الوقت نفسه اعتمد في بعض الأحيان علي السلمية المباشرة التي تلجأ إلي النتيجة النهائية دون الحاجة إلي نتائج تمهيدية. وتوصل الباحث إلي أن حجج السلطة تعد احدي الحجج المهمة التي يستعين بها المتكلم/ المرسل، لكي يضيف إلي خطابه قوة حجاجية أكثر اقناعا، وهي متعددة الأشكال والأنماط، فثم حجج السلطة الشخصية، وحجج السلطة المعنوية، وحجج السلطة القانونية. واعتمد الجاحظ في حجج السلطة علي عدة أنماط هي: حجج السلطة الشخصية، حيث وظف شخصيات ذات بعد سلطوي في نفوس المتلقين مثل: عمربن الخطاب، لقمان الحكيم، بلال الحبشي، سعيد بن جبير، وغيرهم، بالاضافة إلي سلطة الحكماء، وهي سلطة شخصية اعتبارية، وحجج السلطة النصية من نصوص دينية وأدبية، فقد استعان بسلطة النص القرآني، والنص النبوي، وسلطة النص الشعري، وحجج السلطة المعنوية والقانونية المتمثلة في سلطة المماثلة، سلطة التجريبية/ المواجهة، وسلطة الحاجة. تم مناقشة الرسالة بإشراف الدكتورة إيمان جلال السعيد، استاذ الدراسات اللغوية بالالسن والخبير بمجمع اللغة العربية، د. أحمد عبدالعظيم، الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بالكلية. قام بمناقشة الباحث كل من :د.عبد الحكيم راضي ، د.محمد العبد.