تركت الفنانة همت صلاح الدين »58 عاما» العمل بالقاهرة منذ 25 عاما، واستقرت في منطقة دهشور للتفرغ للفن التشكيلي بعيدا عن زحمة العاصمة، حيث الأراضي الزراعية والنخيل الذي يملأ المنطقة، فزرعت أرضها من الطعام الصحي أمام بيتها البسيط، بمساعدة بعض أهالي المنطقة الذين يعملون علي جني ثمار البلح من النخل لكنهم يتركون »العرجون» الذي يحمل ثمار البلح ملقي علي جانبي الطريق بسبب عدم حاجتهم له، فكان يلجأ الفلاحون إلي حرقه مما كان يسبب تلوثا كثيفا للهواء، فقررت همت أن تستفيد من ذلك »العرجون» جريد النخيل بمساعدة الفلاحين الذين يقطنون المنطقة حيث إن ثقافتهم هي العمل اليدوي، فبدأت بتحويله إلي نسيج، صنعت منه مفروشات للأثاث، شنط، وسائد، ستائر ومنتجات مختلفة، قامت ببيعها في الفنادق الصغيرة صديقة البيئة بالفيوم وواحة سيوة والداخلة ومرسي علم..وفي عام 2004 أسست همت جمعيتها »تراثيات» التي تهتم بإحياء التراث المصري من خلال صناعة المنتجات المصرية من مخلفات المحاصيل الزراعية، مثلما كان يفعل القدماء المصريون بعد مواسم الزراعة، وتقول همت إن الدول أصحاب الحضارات في شرق آسيا والصين والهند يصنعون منتجاتهم واحتياجاتهم من أشياء موجودة بالبيئة، ومن هنا جاءت فكرة الحرف التي تراجعت بشكل كبير في مصر بسبب إهمال الناس لتلك الأشياء النافعة صديقة البيئة، حيث كان الفراعنة يصنعون الورق والسجاد والبردي وغيرها من مخلفات بعض المحاصيل. عملت بعدها علي إعادة تدوير نبات »الحلفا» وهو نبات صلب نسبيا ينمو في الأرض، فبدأت بتشكيله علي هيئة ضفائر، وصنعت منه السجاد المنزلي، واتجهت أيضا إلي تطوير استخدام »ورد النيل» الذي ينمو في الترع وفروع النيل، ولم يكن يعرف استخدامه من قبل في مصر، حيث جاءتها الفكرة خلال تواجدها في تنزانيا عندما شاهدت الأهالي ينظفون الترع، ويعيدون استخدامه، فعملت علي تجفيفه، وصنعت منه الأحذية والأباجورات والحقائب، وكان ذلك المشروع منحة من مؤسسة »جيف» التابعة للأمم المتحدة من أجل مساعدة المشروعات الصغيرة لحماية البيئة. انضمت دهشور لمناطق التراث العالمي واعترفت بها ال »يونسكو» التي كرمت همت علي مشروعها الإنتاجي بمساعدة الفلاحات، وتفاعلت معها من خلال التمويل وشراء المنتجات التراثية، وكانت همت تقرأ في التراث والثقافة المصرية فعلمت الكثير من أسرار الصناعات القديمة، كما أنها زارت بعض البلدان واطلعت علي ثقافة إعادة التدوير، فشاهدت في البرازيل كيف يعيدون استخدام ورق الموز في الصناعات المختلفة مثل القماش والنسيج، واكتشفت نباتات وسيقان كان يستخدمها الفراعنة للغرض ذاته. وتضيف أن مصر تتميز بالحرف العديدة التي يقدرها العالم وكل مدينة لها حرفتها مثل الملابس السيناوي والحُلي في البحر المتوسط علي سبيل المثال، لذلك تدعو الناس للبعد عن مركزية القاهرة والاتجاه إلي إحياء تلك الحرف التراثية في أماكنها الأصلية التي تشتهر بها فيصنعونها بفن وإبداع حيث كان الناس قديما يعتمدون علي المنتج من مكان صناعته الأصلي ويطلبونه مخصوصًا أو يذهبون لشرائه. تري همت أن إعادة التدوير لا تعتمد علي تعلم الصنعة والحرفة فقط بل يجب معرفة الشق العلمي وتاريخ الصنعة، كما تدعو إلي إحياء الفلكور والحرف المصرية والتوقف عن الشراء من الخارج واستخدام منتجاتنا الموجودة في بيئتنا بدلا من إهمالها، وتوضح أن الناس كانوا يستخدون أكياس الخضار واللحوم المصنوعة من ورق من منتجات »قش الأرز» والذي حل مكانه الكيس البلاستيك الضار للبيئة،. وتدعو الشباب للبدء في تبني مشروعات صغيرة تهتم بالبيئة لاستكمال مسيرة تلك الحرف التي توقفت.