مدرب فلسطين: حققنا تأهلًا تاريخيًا في كأس العرب    كأس العرب .. مدرب قطر: قدمنا أسوأ مباراة أمام تونس    رئيس بنين: الجيش أحبط محاولة الانقلاب وطهّر البلاد من المتمردين    الوطنية للانتخابات: بدء تصويت المصريين بنيوزيلندا على 30 دائرة انتخابية ملغاة    وزير الإسكان يكشف تطورات جديدة في ملف الوحدات البديلة لمستأجري الإيجار القديم    وفاء عامر تبدأ تصوير مسلسل "السرايا الصفرا" الأسبوع المقبل    مسئول في حركة حماس: الحركة مستعدة لمناقشة مسألة تجميد أو تخزين أسلحتها    إبراهيم حسن: ودية مصر ونيجيريا 16 ديسمبر باستاد القاهرة    رعدية وغزيرة، الأرصاد تعلن أماكن سقوط الأمطار غدا الإثنين    حريق يلتهم لنشًا وفلوكة جنوب الغردقة بدون إصابات    وزير الأوقاف يشهد احتفالية تسليم جائزة الدكتور محمد ربيع ناصر للبحث العلمي    عمرو سلامة: المناخ الكروي في مصر ينهار والجمهور يبتعد عن الفرق المحلية    متحف ذاكرة الريف» |عالم اجتماع يرصد ملامح حياة المصرى القديم    الأوقاف: جوائز المسابقة العالمية للقرآن الكريم هذا العام الأكبر في تاريخها    الصحة: لا توجد متحورات جديدة من فيروس كورونا.. والإنفلونزا الأكثر انتشارا    وزير الصحة يحسم الجدل حول الفيروس الجديد: كل ما يثار عن وجود تحورات شائعات    نصائح لحماية طفلك من أمراض الجهاز التنفسي المنتشرة حاليا    رفقة زوجته.. مصطفى قمر يطرح كليب «مش هاشوفك» | فيديو    ذاكرتى هى النسيان .. ولا أخشى المستقبل    مبابي وفينيسيوس يقودان هجوم ريال مدريد أمام سيلتا فيجو    والد عروس المنوفية باكيا: لقيت بنتي مرمية على السرير مفيهاش نفس    أخبار مصر اليوم.. رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    الأزهر ينشر فيديوهات لتعليم أحكام التجويد والتلاوة بأسلوب يناسب الجميع    أول ظهور لمحمد صلاح بعد أزمته مع سلوت وليفربول.. صور    الداخلية تكشف حقيقة خطف فتاة بصفط اللبن: تركت المنزل بإرادتها بسبب خلافات أسرية    «نقف معها جنباً إلى جنب».. روسيا تحذر أمريكا من التصعيد ضد فنزويلا    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    وليد جاب الله: مصر تحقق أعلى نمو فصلي منذ 3 أعوام | فيديو    حماية النيل من البلاستيك    ثلاثة فى خدمة الاحتلال الإسرائيلى    إخوان أوروبا فى مصيدة الإرهاب    «لا للتنمر ضد ذوي الإعاقة».. ندوة لمواجهة آثار وسلبيات التنمر    الأهلي يقترب من ضم يزن النعيمات لتعزيز الهجوم    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    وزير الصحة يعلن عن مواقع ترصد الأمراض الوبائية والمعدية في 5500 منشأة طبية    محافظ القاهرة: تبرع بقيمة 50 مليون جنيه لدعم إنشاء المجمع الطبي لجامعة العاصمة    دياباتي يبتعد عن التتش.. خلافات مالية توقف تقدم مفاوضات الأهلي    ميرفت القفاص: عمار الشريعي الغائب الحاضر.. وصندوق ألحانه ما زال يحمل كنوزا    بكين تعلن عن ثالث مناورة مشتركة مع موسكو في مجال الدفاع الصاروخي    مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    كمال درويش يهاجم شيكابالا: أنت معندكش خبرة إدارية عشان تتكلم عن مجلس الزمالك    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    محافظ الإسكندرية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف 8 شوارع في حي منتزه ثان    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوح الروح نموذجًا:التفاصيل السردية للحياة!
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 12 - 2018

القاص والروائي أحمد البدري مبدع واحاتي عاشق للحياة في الصحراء الغربية. ولد عام 1961 ، الواحات الخارجة، وإن كانت ترجع أصوله إلي (جرجا سوهاج). درس الهندسة الميكانيكية في جامعة المنيا، وينتمي إلي ما عرف فيما بعد بجيل الثمانينات من الروائيين المصريين، حيث التحق البدري بالاشتراك في الجماعة الأدبية بالمنيا في مطلع ثمانينيات القرن الفائت، حيث نشر في تلك الفترة الكثير من القصص في الدوريات الأدبية المختلفة .
قَدَّم البدري العديد من المؤلفات الأدبية مثل »الصدي»‬ (ديوان عامية)، »‬سقوط الأقنعة» (مجموعة قصصية)، »‬الوجع» (ديوان عامية)، »‬اللعبة» (مسرحية شعرية)، »‬شجر السنط لايموت» (مجموعة قصص)، »‬عودة يوسف»(رواية)، »‬حكايات مهندس في المغارة»، »‬طالع النخل» (مجموعة قصصية)، وأخيرا مجموعة قصصية بعنوان »‬بوح الروح ».
لجأ البدري في بوح الروح إلي الارتكاز علي التجريب السردي في عملية البناء القصصي، وقد وجد روحه منصهرة في بوتقة هذه القصص القصيرة جدا، والتي تحمل في باطنها فتنة المفارقة الحادة التي أشار إليها دي سي ميوك في حديثه عن تعريف المفارقة الأدبية. وقد اختطف البدري أفكار قصصه القصيرة من رحم الخيال الذي يمتلكه، مازجاً بينها وبين الواقع الذي يكتوي بناره كل لحظة. وقد نوّع الكاتب في اختيار عناوين أقاصيصه، نجده يطرح علي سبيل المثال »‬موت، مباغتة، الراقصة، لعبة، تحايل، مراوغة، برواز، ترقية، شهادة، استشهاد، عتاب، بعث، حافلة، همسة، حرية، فراشة، سجين، حيلة، استئصال»، وغيرها من العناوين التي تناولتها المجموعة.
قبل الولوج في عوالم القص عند أحمد البدري، ينبغي الوقوف عند عنوان المجموعة (بوح الروح) جاء هذا العنوان مركباً من مضاف ومضاف إليه، وكأنه يريد القول: إن الروح تحتاج للبوح والفضفضة دائماً، كي تتخفف من آلامها، وعذاباتها اليومية إزاء ما تلاقيه هذه الروح من منغصات مستمرة، تربكها وتجعلها في قلق يومي لا نهاية له. وفي ظني أن العنوان يحمل رؤية الكاتب نفسه ومدي ميله إلي عوالم الرومانسية والأحلام المتوقدة داخل ذاته الساردة ، ومن ثم فإن الروح لا تستطيع الحياة دون أن تحكي كثيراً لمن تحب ما يشغلها ويهز أركانها الداخلية. وتكمن طبيعة أحمد البدري الشخصية متجسدة في هذا العنوان الغارق في الإنسانية بشغف، فهو العاشق المكلوم بمحبة الآخرين والإنصات إليهم والحنين الذين يسكن قصصه من خلال تصويره للحياة في الواحات الخارجة التي أصابتها الحداثة وأخرجتها من نقائها إلي غياهب التناقض في ظل واقع غامض مؤلم.
جاءت البنية الكلية لمجموعة »‬بوح الروح» مرتكزة بشكل واسع علي القصة القصيرة جدا (ق.ق. ج) هذا النوع الأدبي الذي يقترب من حقيقة السرد الشعري في شكله الخارجي، وطبقاً لمقولة الصوفي الكبير عبد الجبار النفري: »‬كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.» فقد نلاحظ من خلال الفعل السردي قيمة الكلمة المكتوبة، وهدفها، ومدي اتساعها الدلالي والتأويلي، لأنها تمثل مشهداً سردياً قائماً بذاته يعتمد علي حركة المفردة بنفسها داخل القصة، وهي لحظة فنية بامتياز من خلال قدرة الكاتب أيضا علي اختيار مفرداته بدقة وعناية ، حتي لا تتسبب في ترهل القصة وضياع أهدافها الفنية والاجتماعية، فيقول السارد في قصة بعنوان (غرور): »‬هرول، تقدم الصفوف، لم ينظر خلفه، دس وجهه في الأرض.. لا يري سوي أقدامه تصرع الثري. فرح كثيرا بتقدمه.. ظل يجري، ويجري، ظن أنه الأول، اصطدم بفرع شجرة، سقط مغشيا عليه....»
ارتكز السارد العليم في قصة غرور بالكشف عن صفات المغرور الذي يظن نفسه أفضل من أقرانه الآخرين، من خلال تقدمه لكل الصفوف وجريه المستمر، كي يكون الأول، وعندما ظن أنه الأول سقط مغشياً عليه، جاء غروره وتكبره وعدم وضوح الرؤية لديه. جاءت لغة السرد في القصة الفائتة معتمدة علي اللغة المشهدية / بمعني آخر المفردة التي يصنع من خلالها مشهدا سرديا قائما بعناصره كافة. وارتكز البدري علي الجملة الفعلية المتحركة في عملية السرد فاستخدم جملا قصيرة مثل (هرول تقدم الصفوف دس وجهه ، لم ينظر خلفه ،.....) فقد احتفي بالحركة التي سيطرت علي عقلية البطل، فاستخدم اثني عشر فعلا في قصة قصيرة مكونة من ثلاثة أسطر فقط. وفي ظني يمكن القول إن الذات الساردة تنطلق من حركية الوجود نفسها التي ترتبط بالإنسانية وظواهرها المتعددة، فتطرح بعض القضايا الاجتماعية التي أسهمت في تفكك المجتمعات وسقوطها. ويقول أيضا في قصة بعنوان (تكريم): »‬تجاهلوه عمراً، طاردهم الخجل، كرموه راحلاً، لكنه ما زال قيد الانتظار». تطل المفارقة برأسها في القصة السابقة، حيث جاء الحديث عن تكريم الراحلين.
ويقول في قصة (لقاء): »‬جاءت علي غير موعد، رقصت الأرض أسفله .... تناسي القلب هجرها، حينما أشرق سحر بعينيها علت نبضات القلب، فسكنت عنان السماء... سري الدفء في الجسد الميت منذ رحيلها الأول».
اتكأ البدري في القصة الفائتة علي الحس الرومانسي الصادم الذي ينتهي مفارقة لافتة حين تعلن الذات الساردة عن الرحيل الذي سكن الروح وبقي الجسد نابضا بحب لا يفني مهما حدث اللقاء المفاجئ. كما اعتمد البدري علي تسجيل اللحظات الكاشفة في بنية السرد القصصي من خلال التقاط مشاهد إنسانية بسيطة مسلطا الضوء علي نقاء سريرة الإنسانية رغم تقيدها بتقلبات المجتمع الراهنة. كما تسجل القصة أثر هذا الرحيل الأول في قلب العاشق الهائم، دون أن يكترث بعواقب العشق في المجتمع وبخاصة في الواحات. وقد يقع العشق تحت سلطة القهر الاجتماعي التي تكون سببا في موت الحب في القلوب النقية. تحمل قصص »‬بوح الروح» للكاتب أحمد البدري شغفاً بالحياة مشغولاً بمنغصاتها وتفاصيلها السردية التي لن تنتهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.