د. ناهد عشري الانتماء للوطن من أهم دعائم المجتمع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن النبي صلي الله عليه وسلم قال " سيأتي علي الناس سنوات خداعات تُصدق فيه الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيه الخائن، ويخون فيه الأمين وينطق فيه الرويبضة" قيل وما الرويبضة قال من يفتي في أمر العامة دون علم أو دين. والرويبضة هو الشخص غير العالم أو التافه الذي يفتي بأمور الدين والدنيا ولا يفقه عنهما شيئا، ليلبي احتياجاته وأهواءه دون الِاكتراث لغيره. فهل رأيت يوماً هذا الرويبض وقد ظهر في ثياب الصالحين؟ ويمشي في الأرض يلعن ويسب الكافرين؟ هل رأيته وهو يدعي أنه إمام للمؤمنين؟ نعم رأيته مع انقلاب الموازين والمفاهيم عند بعض الناس، نعم رأيته عندما اعتبرت ثلة منهم أن المبادئ شعارات ترفع عند الحاجة، وأن القيم أمثال، وأن الحرية فوضي بل أن الفوضي أصبحت ديموقراطية. نعم رأيته في انتشار الظواهر السلبية التي تساهم في هدم مفهوم الانتماء إلي الوطن في نفوس تابعيهم، فلم يراع هذا الرويبض ممتلكات الدولة فألحق الضرر بها، وخالف القوانين والتشريعات وانصرف عن أداء أعماله ورأي أن الأجر الذي يتقاضاه هو مقابل أداء العمل فحسب وليس إتقانه. نعم رأيته فيمن ينكر أن الوطن حضن يلجأ إليه دون المطالبة بمقابل أو رد الجميل أو فيمن لا يعتز ويفتخر به. نعم رأيته عندما نسي البعض أن من سنن الحياة العمل والإنتاج، فكما يتحصل الإنسان علي أجره من صلاة، وصيام، وزكاة، يتحصل علي أجره مرتين عند إتقان العمل، وعند قضاء حوائج الناس، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم، وجاء في الإنجيل " أن من لا يعمل لا يأكل أيضا " فارتباط العمل بالطعام هو ارتباط الإنسان بالحياة فلا حياة لجسد دون طعام، ولا حياة لجسد بدون عمل. وأن الله تعالي أمرنا أن نعمل فسيري الله عملنا ورسوله والمؤمنون ففي (العمل عبادة) لكن ليس كل عمل عبادة فمن يؤمن عيشته وحياته فقد تعبد، ومن يعمل ولا ينتظر من يلبي احتياجاته وهو قادر علي العمل فقد تعبد، ومن اتقي الله في عمله فقد تعبد. لم أجد مدخلا أقرب من هذا التقديم للولوج إلي ما هو أعمق بكثير من سهولة معرفة "الرويبض" الذي نراه بيننا كثيرًا فقد جمعتني الصدفة إلي المشاركة في ندوة تحت عنوان (الانتماء للوطن) وبدأت بتعريف الانتماء في اللغة وهو يعني الانتساب إلي شيء ما، إما اصطلاحا فهو الارتباط الحقيقي أو الاتصال المباشر، والتمسك والثقة ببعض من عناصر البيئة المحيطة بالأفراد، والمحافظة علي هذا الارتباط وجدانيا وفكريا وأن من بين صور الانتماء، الانتماء إلي الوطن، والانتماء الديني، والانتماء الفكري، وتذكرت بيت الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي: "وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي" ودارت المناقشات بين أجيال مختلفة وبين تفاعل إيجابي محمود وبين تفاعل سلبي جاهل لأدق المشاعر والمعاني، رأي البعض أن ترسيخ مفهوم الانتماء إلي الوطن يبدأ من السنوات الأولي من مراحل التعليم بل يبدأ من الأسرة من قبل ذلك، ومنهم من رأي أن ترسيخ هذا المفهوم يزيد من أواصر الترابط والعلاقات الشخصية، ومنهم من رأي أن ترسيخ هذا المفهوم يساعد في انتشار الأخلاق الحميدة، والمبادئ السامية وأنه يساعد علي دعم مسيرة الوطن وتقدمه. وعلي الجانب الآخر ألقي الجانب السلبي شعارات لا يدركها أو بالأحري لم يشعرها، فالانتماء لديه مرادف للحرية الشخصية وأن القوانين ما هي إلا قيد لهذه الحرية. وكم أسعدني وأنا أري ردود الأفعال الشبابية وقد استنفرت عن وعي في معركة كلامية سقط علي آثارها (الرويبض) بعد أن خدعنا مظهره وكلامه لبعض الوقت. نعم عندما تملك الحق، عندما يترسخ بداخلك معني الوطن فسوف تري بوضوح أن فساد الأخلاق خيانة للوطن، وأن تعطيل مصالح الناس هي تعطيل لمسيرة وطن ومن ثم خيانته، وستري أن من يعبث بممتلكات الوطن خائن، ومن لا يغار علي وطنه ويعمل علي حمايته فهو خائن فكم من رويبض سعي بين الناس ينشر أفكاراً وسموماً لطالما دمرت أوطاناً وشردت بشرية.