بعد مرور ثمانين عاما علي صدور كتاب »مستقبل الثقافة في مصر» للدكتور طه حسين، مازال يثير جدلا ونقاشا بين المثقفين، حيث يتم عرضه ومناقشته في مؤتمر المثقفين المزمع عقده في مكتبة الإسكندرية يومي 26،25 ديسمبر الجاري. هذا الكتاب صدر بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وكتب فيه مؤلفه أفكاره بخصوص ما يجب أن يكون عليه المجتمع والثقافة كخارطة طريق بعد ما نالت مصر الاستقلال. كتاب مستقبل الثقافة في مصر لعميد الأدب العربي من أهم الكتب المرجعية التي ناقش فيه عميد الأدب العربي قضية الثقافة والتعليم والهوية والحضارة، حيث جاء ضمن مشروع » إعادة إصدار كتب التراث» في الذكري 45 لرحيل مؤلفه، وبعد مرور ثمانين عامًا علي صدوره في طبعته الأولي عام 1938م. استهل د. مصطفي الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، تصديره في سطور قال فيها :» أن هذا يأتي في سياق جهود مكتبة الإسكندرية في مواجهة التطرف الفكري، وإفساح المجال أمام الأفكار التي تُسهم في التجديد ونهضة المجتمعات العربية والإسلامية. وأضاف أن كتاب »مستقبل الثقافة في مصر» يثير التساؤلات، ويحرض علي التفكير، ويفتح بابًا للحوار نحن أحوج ما نكون إليه.. وأنه يأتي ضمن مختارات من التراث الفكري والثقافي في إطار مشروع لمكتبة الإسكندرية بعنوان »إعادة إحياء كتب التراث»، وسيتم عرض الكتاب في الملتقي السنوي للمثقفين والمفكرين الذي تقيمه المكتبة يومي الثلاثاء والأربعاء 25 و26 ديسمبر 2018. وعلي صعيد آخر قال د. سعيد إسماعيل في دراسته التقديمية للكتاب: بغير مبالغة، فإن د. طه حسين يقف متميزًا، بين مفكري الوطن العربي، محتلاً مكانة خاصة، سواء اتفقت معه أو اختلفت؛ فلقد تجمعت في شخصية هذا المفكر العملاق، أكثر من غيره من مفكري الوطن العربي في العصر الحديث، الكثير من المقومات التي أهلته أن يكون صاحب رؤية تركت »بصمة» في تاريخ الثقافة في مختلف أرجاء بلداننا العربية، سواء من حيث غزارة ما كتب، أو نوعية هذا الذي كتب، أو ما شغله من مواقع عمل مؤثرة، أو ما أثاره من معارك زلزلت الأرض الثقافية العربية، وزادت من توهجها وتداعياتها. الكتاب يُوحي عنوانه »مستقبل الثقافة في مصر» بأن مضمونه يدور حول الثقافة ولكن في حقيقة الأمر أن ثلاثة أرباعه عن التعليم، وربعه فقط عن الثقافة؛ حيث خصص طه حسين 21 موضوعًا من كتابه عن الثقافة، و79 موضوعًا عن التعليم! إيمانًا منه بأن تطوير التعليم في مصر رهن بتطوير الثقافة، وأن وجود فجوة بينهما لا بد أن تبث في عروق كل منهما أسباب وَهَن وضعف، ويؤكد علي علاقة الثقافة والتعليم بالهُوية الحضارية لمصر، وعلاقة الدولة المصرية بكل من الثقافة والتعليم وارتباط كل ذلك بنهضة مصر واحتلالها المكانة التي تستحقها بين الأمم المتقدمة. ومازالت الأسئلة التي طرحها طه حسين هي ذاتها الأسئلة التي نحاول البحث عن إجابة لها؛ لذلك ما زالت مصر في حاجة ماسة إلي كتاب مستقبلها كتاب »مستقبل الثقافة في مصر». وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الجهات المعنية بالثقافة تعيد طبع هذا الكتاب تحديدا في اكثر من مناسبة وأكثر من دار نشر وكأن الأسئلة والحلول التي طرحها د. طه حسين منذ عام 1938 مازالت مطروحة بلا حلول جذرية لقضية التعليم والهوية وأخطار الأفكار المتطرفة التي تهدد الوطن. وقد طبع هذا الكتاب في الآونة الاخير طبعتين تقريبا صدرتا في نفس التوقيت أحدهما عن المجلس الأعلي للثقافة بتقديم د. جابر عصفور، والثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتقديم د. أحمد زكريا الشلق. إيمانا بأن الثقافة لن يكون لها مستقبل دون الاهتمام بالتعليم وتخليصه من شوائب الهويات المختلفة التي تهدم الهوية الأصلية للمصريين في اللغة والدين. ورغم ذلك لما ينجو هذا الكتاب من الانتقادات التي وجهت إلي مؤلفه بين مؤيد ومعارض حول الأفكار التي جاءت في الجزء الأول من الكتاب لتثبت أن العقل المصري أقرب الي العقل الاوروبي وبالتالي العقلية اليونانية وليس العقل الشرقي ، يؤكد في كثير من أجزاء الكتاب أن مصر وإن كانت شرقية من الناحية الجغرافية ولكنها غربية العقل وأن المصري أقرب عقلياً إلي الأوروبي البريطاني والايطالي والفرنسي عن الهندي والصيني والشرقي بصفة عامة نظراً لاتصال مصر علي مدار عدة قرون بحضارة البحر المتوسط، أما الجزء الثاني من الكتاب والذي لم يختلف عليه من خالفوه في الجزء الأول من الكتاب، يتناول قضية في غاية الخطورة والتي تتلخص في تطوير المنظومة التعليمية، رؤية منهجية ورائعة برغم بساطتها. وهذا هو حال طه حسين ومعاركه الفكرية التي كانت تعتمد علي الفكر التنويري الذي يثير دوما جدلا.