لم تكن الأرقام والإحصائيات المذهلة التي بادر موقع(Businessinsider) الأمريكي صادمة ولا حتي مفاجئة، فالقاصي والداني من مختلف أصقاع المعمورة يعلم علم اليقين أن الثروة المادية والمالية مملوكة في يد قلة قليلة من المحظوظين من البشر، وتأتي لهم ذلك نتيجة سيادة نظام اقتصادي عالمي يتميز بالظلم والحيف، يخدم مصالح الكبار الأقوياء ولا يثير اهتمام ولا انتباه ولا اعتبارالصغار من القوم وهم الغالبية الساحقة من سكان المعمورة. لكن ما أطلعنا عليه هذا الموقع الأمريكي من تفاصيل، تساهم إلي حد بعيد، في توضيح وتفسير الحجم الكارثي لظاهرة تحكم الأثرياء في مصادر الثراء العالمي، الذي أوجدته الطبيعة ليكون في خدمة البشرية جمعاء، وينعم بخيراته الإنسان أينما وجد، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو العائلي أو عن دينه ولونه ووسطه، إذ تكفي الإشارة في هذا الصدد إلي أن هذه العائلات الخمس والعشرين تملك ثروة مالية تقدر قيمتها ب 1،1 تريليون دولار، وبالنسبة للذين لا يفهمون لغة التريليون مثلي، فإن المقارنة في هذا الصدد تكون واجبة وضرورية، ذلك أن قيمة الموازنة المالية الفرنسية السنوية مثلا، تتحدد في 413 مليار يورو (العملة الأوروبية الموحدة التي تقترب وحدتها المالية من الدولار)، وللخبراء في علم الحساب أن يخبرونا بكم مرة تضاعف ثروة عائلات قليلة، الموازنة المالية الفرنسية السنوية،مع التذكير أن حجم الاقتصاد الفرنسي مثلا يصل إلي 2،2 تريليون يورو، بمعني أن الخمس وعشرين عائلة المتربعة علي عرش الثراء المالي العالمي، تملك ما يعادل نصف حجم الاقتصاد الفرنسي، وهو بالمناسبة ثالث اقتصاد قوي في القارة الأوربية وسادس أكبر اقتصاد عالمي. الإحصائيات تشير بذهول كبير إلي إن الغني المالي العالمي الفاحش يقتصر علي 25 عائلة في كل العالم، وأن الثروة المالية التي تراكمها هذه العائلات، التي تعد علي رؤوس أصابع اليدين والرجلين تتجاوز بكثير حجم اقتصاديات العديد من دول المعمور مجتمعة، بيد أن الأقل ثراء منهم، من الذين يمكن وصفهم بالمليارديرات لا تتجاوز أعدادهم ألفي ملياردير في العالم بأسره، وهم يستحوذون علي ما قيمته 9،1 تريليون دولار، ولسنا في حاجة ملحة إلي الوقوف عند هذه الحقيقة المذهلة، التي تكشف الاختلالات الفظيعة في طبيعة توزيع الثراء المالي العالمي علي البشرية جمعاء. تقرير حديث صادر عن البنك الدولي يخص توزيع الثراء المالي العالمي لسنة 2018 يزيد من اتساع هوة الاجحاف في هذا الشأن، ذلك أنه يكشف أن حجم الثروة العالمية ارتفع بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، غير أن أن هذا الارتفاع لم يكن عادلا ولا منصفا، بحيث أن العديد من الدول ذات الدخول المختلفة عرفت تراجعا ملحوظا في نصيب كل فرد من الثروة القومية، وأوضح التقرير الذي حمل عنوان (التغير في ثروة الأمم في سنة 2018) أن ارتفاع ثروة الأمم خلال العقدين الماضيين لم يصاحبه ارتفاع مماثل في نصيب الفرد من ثروة بلاده. وهذا يؤكد الحقيقة المذهلة والمتمثّلة في أنه بالقدر الذي يزداد فيه حجم الثروة المالية العالمية، فإنه بنفس القدر تزداد فيه الهوة بين المدخولات المالية للأفراد في مختلف بقاع العالم، أي أن هذا الارتفاع يزيد الأغنياء غني فاحشا، ويزيد في نفس الوقت من حجم الخصاص المالي للأفراد في الدول ذات الدخل المحدود أو الضعيف. وإن بررت أوساط مختصة هذا الاختلال بالزيادة المتواترة في أعداد السكان، في إطار نمو ديموغرافي مضطرد بما لا يتلاءم مع الزيادة في حجم الثروة في الأقطار المعنية بهذا النمو، وكانهذا سببا كافيا لاستفحال صعوبات استدامة النمو وإعاقة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن هذا التبرير التقني الصرف، لا يمكن أن يكون مقنعا لحجم الاختلالات العميقة التي تشوه بنية التوزيع العادل للثروة المالية العالمية، لأن طبيعة النظام الاقتصادي العالمي المتوحش لا تسمح بتعميم الاستفادة من هذه الثروة لتشمل البشر كافة. لذلك لا داعي للتساؤل عن مصير الثروة المالية العالمية، ولا جدوي من القول في ضوء كل ذلك، إن الفقر قدر مكتوب علي الصغار والضعفاء، ولا فائدة من المراهنة علي كافة الجهود التي تبذلها العديد من الأوساط الدولية المختصة، الهادفة إلي مساعدة الدول الفقيرة، لأن الثراء المالي العالمي متحكم فيه وخاضع لنظام اقتصادي عالمي موغل في الظلم. • نقيب الصحفيين المغاربة