كان رئيسا لمدة أربع سنوات فقط، إلا أن جورج إتش. دبليو. بوش، الذي أعلنت عائلته وفاته يوم الجمعة الماضي عن 94 عاما بعد مضي سبعة أشهر فقط علي رحيل زوجته باربرا، وهي شريكة حياته التي دام زواجه بها 73 عاما، شكّل تاريخ الولاياتالمتحدة لعقود من الزمان تولي خلالها مهام جساما شملت العمل في الصين (1974-1975) وفي المخابرات المركزية الأمريكية (1976-1977). ويضاف إلي ذلك أن إدارته أوعزت للرئيس العراقي الراحل صدام حسين باحتلال الكويت، وما أن ابتلع صدام الطعم، حتي وجدها بوش ذريعة مناسبة لشحن جحافل الجيش الأمريكي إلي الشرق الأوسط، لتحرير الكويت بعملية عسكرية عُرفت ب"عاصفة الصحراء"، وتحت هذه الذريعة حصلت واشنطن من خزائن العرب علي كم غير معلوم من مليارات الدولارات، فضلاً عن امتيازات نفطية هائلة. ولكن الأهم هو أن الرجل أب لمجرم حرب، بدرجة رئيس جمهورية، يُدعي جورج دبليو بوش، وهو الذي حكم الولاياتالمتحدة من 2001 إلي 2009، وخلال فترته الرئاسية الأولي، اتخذ قرار غزو العراق في مارس من عام 2003، بالاشتراك مع بريطانيا.. جريمة راح ضحيتها قرابة المليون عراقي، وعلي إثرها اشتعلت حرباً مذهبية أهلية، سهّلت للمحتلين نهب ثروات بلاد الرافدين، وهو ما أسس لتمدد تنظيم القاعدة ومن بعده داعش.. ومازالت المنطقة تعاني تبعات رئاستهما حتي الآن.. ورغم أن التحالف العسكري لتحرير الكويت كان موسعا وشمل دولا عربية، ولكن البعض في الشرق الأوسط ينظر للتدخل الأمريكي في حرب الخليج علي أنه انتهاك للسيادة العربية، مما دفع بعض الجماعات المتشددة، وعلي الأخص تنظيم القاعدة الذي شكّله آنذاك أسامة بن لادن، إلي تحويل اهتمامها إلي مجابهة النفوذ الأمريكي. وبعد عشر سنوات، وفي عام 2001 وقعت هجمات 11 سبتمبر كالصاعقة بفترة رئاسة الابن جورج دبليو. فترة رئاسة بوش الأب من عام 1989 حتي عام 1993 تتسم بحدثين رئيسيين: تعامله القوي مع غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت عام 1990، وتعهده بعدم زيادة الضرائب خلال حملة ترشحه للرئاسة عام 1988 الذي أخلفه فيما بعد. وبينما كانت الحرب الباردة في سبيلها للانتهاء ومع تراجع نفوذ الشيوعية السوفيتية، جعلت تحركات بوش العسكرية والدبلوماسية الولاياتالمتحدة أكبر قوة عظمي في العالم. وبعد تحرير الكويت بعشرين شهرا، وتحديدا في عام 1992، خسر بوش الجمهوري مسعاه للفوز بفترة ولاية ثانية عندما تغلب عليه المرشح الديمقراطي بيل كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية. فطريقة كلينتون في الاقتراب من الجماهير وتركيزه علي الاقتصاد مست وترا عند العديد من الأمريكيين في حين بدا بوش بعيدا عن الناخبين لتركيزه علي السياسة الخارجية علي حساب القضايا الداخلية.. وأصبح آل بوش ثاني أب وابن يتوليان رئاسة الولاياتالمتحدة بعد جون آدامز (1779-1801) وجون كوينسي آدامز (1825-1829). وتضم أسرة بوش السياسية أيضا والده الذي كان عضوا بمجلس الشيوخ وابنه جيب الحاكم السابق لولاية فلوريدا الذي رشح نفسه للرئاسة عام 2015 ولكنه خرج من السباق في فبراير عام 2016 إذ لم ينجح مسعاه للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية. وفي انتخابات الرئاسة عام 2016، لم يؤيد بوش المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي هاجم جيب وجورج بوش الابن خلال حملته الانتخابية. ولم يعلن بوش الأب لمن أدلي بصوته في الانتخابات ولكن مصدرا أبلغ شبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية الإخبارية أنه صوّت لمنافسة ترامب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. اقرأوا شفتيَّ جورج هربرت ووكر بوش كان جمهوريا معتدلا معروفا بدبلوماسيته وقدرته علي التواؤم مع الديمقراطيين. كان رمزا لفترة توحد نسبي في واشنطن، لكنها مهدت الساحة رغم ذلك أمام انقسام حزبي تعاني منه الولاياتالمتحدة حتي الآن، فعندما قبل ترشيح الحزب الجمهوري عام 1988 كان بوش، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب الرئيس الأسبق رونالد ريجان، يحاول خطب ود المحافظين الذين كانوا أكثر تحمسا لريجان. وفي معرض رده علي أسئلة عما إذا كان محافظا قال بشكل قاطع أمام المؤتمر العام للحزب الجمهوري. إلا أنه بعد أن أصبح رئيسا وافق علي زيادة الضرائب للمساعدة في خفض العجز الحكومي. وأغضب تراجعه هذا المحافظين مما أدي إلي مواجهة غير معتادة في الانتخابات التمهيدية للحزب بينه وبين جمهوري آخر هو المحافظ بات بوكانان. وتغلب بوش بسهولة علي بوكانان ليفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة ولكن موقفه من الضرائب وديون البلاد وتراجع الاقتصاد أدي إلي خوض ملياردير من تكساس، هو روس بيرو، حملة انتخابية مستقلة. وفاز كلينتون في السباق الرئاسي بحصوله علي 43٪ من التصويت الشعبي ليطيح ببوش من البيت الأبيض بعد فترة ولاية واحدة. وكانت هزيمة بوش في انتخابات 1992 بمثابة صفعة لجيل من الجمهوريين ودرس في مواجهات اليوم بشأن الميزانية الاتحادية والإنفاق. وبعد ذلك بأعوام كرمت مؤسسة جون كنيدي في عام 2014 بوش بتقليده وسام الشجاعة مشيدة "بقراره وضع البلاد فوق أي مصالح حزبية وسياسية". ومع منحه الجائزة كتبت المؤسسة "رغم اعترافه بأن إنفاق ميزانية عام 1990 قد يضر بفرص إعادة انتخابه فقد فكر في الأنفع للبلاد، ويعود إليه منذ ذلك الوقت فضل وضع أسس النمو الاقتصادي في التسعينيات". ومن الإنجازات الرئيسية في عهد بوش التي يمكن رؤيتها كل يوم في أنحاء أمريكا تلك المنحدرات والمنحنيات في الشوارع وأمام المباني بشكل يسهل علي أصحاب المقاعد المتحركة استخدامها. وسمح بذلك (قانون الأمريكيين ذوي الاحتياجات الخاصة) الذي وقعه بوش عام 1990 وحظر التمييز ضد المعاقين في مجال العمل وضَمِن حصولهم بشكل متساو علي مساكن عامة. وأيد بوش القانون رغم مخاوف بعض المحافظين في حزبه من التكلفة والنزاعات القضائية المحتملة. نشأة مميزة ولد بوش في 12 يونيو عام 1924 في ميلتون بولاية ماساتشوستس لعائلة أرستقراطية من نيو إنجلاند وهو ابن الخبير المالي بريسكوت بوش الذي تم انتخابه لاحقا في مجلس الشيوخ عن ولاية كونيتيكت ووالدته هي دوروثي بوش. نشأ في ضاحية جرينويتش الراقية في نيويورك وتعلم في مدارس خاصة شديدة التميز وفي جامعة يائيل. كانت معرفة بوش بالحروب معرفة مباشرة، فقد ترك المدرسة عندما كان في سن الثامنة عشرة ليصبح أصغر طيار يعمل لدي سلاح البحرية في الحرب العالمية الثانية. وقام بثمانٍ وخمسين طلعة جوية من حاملات في المحيط الهادي وأُسقطت طائرته في اشتباكات مع القوات اليابانية ولكن غواصة أمريكية أنقذته. ومع اقتراب الحرب من نهايتها في يناير 1945 تزوج بوش من المرأة التي أحبها، باربرا بيرس ثم أنجب منها ستة أبناء. سياسة غير واقعية رشح بوش الأب نفسه للرئاسة عام 1980 وتنافس علي الفوز بترشيح الحزب الجمهوري مع الممثل السابق وحاكم كاليفورنيا رونالد ريجان الذي صور نفسه علي أنه محافظ صارم علي النقيض من الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر. وفاز ريجان في نهاية الأمر علي بوش بترشيح الحزب الجمهوري ثم طلب من بوش خوض انتخابات الرئاسة معه كنائب الرئيس لأسباب منها مساعدته في الحد من قلق الناخبين المستقلين إزاء آراء ريجان المحافظة. وبعد فترتي ولاية ريجان تمكن بوش من ترشيح نفسه للرئاسة كوريث لعباءة ريجان المحافظة ولكنه سعي لتمييز نفسه عن سلفه والتواصل مع من يعتقدون أن سياسات ريجان كانت بالغة القسوة علي الفقراء والمعوزين. واشتهر بوش بدعوته إلي "أمة ألطف وأطيب" في كلمة ألقاها عام 1988 في مراسم قبول ترشيح الحزب. ووصل إلي البيت الأبيض متغلبا علي منافسه حاكم ماساتشوستس السابق مايكل دوكاكيس بفوزه في 40 ولاية من 50 ولاية أمريكية.