العشوائية وغيبة الوعي بضرورة ترشيد الزيادة السكانية وتعداد الاسرة، حولتنا من عشرين مليون نسمة إلي ما يزيد عن المائة مليون في سبعين عاما فقط. للاسف.. لابد أن نعترف بحالة القصور وحالات التقصيرالبالغ، في تعاملنا مع قضية أو مشكلة الانفجار السكاني العشوائي التي ابتلينا بها منذ فترة ليست بالقصيرة، وصمتنا عليها وتعايشنا معها سنوات ليست بالقليلة، حتي بلغت ذروتها وتضخمت وأصبح من غير المحتمل ولا المستطاع أن نظل علي صمتنا وقبولنا المرغم لها، وأن نظل علي عجزنا أو احجامنا عن مواجهتها بالقدر الواجب من الشجاعة والقدر المطلوب بل والضروري من الحسم. أقول ذلك ويدفعني اليه تلك المعاناة الشديدة التي نعيش فيها بسببها ليل نهار، في ظل حالة الزحام والضوضاء والضجيج التي تحيط بنا من كل جانب، وحالات التلوث السمعي والبصري التي تطل علينا في كل مكان،..، وعشوائية السلوك والأداء التي تطاردنا وتصاحبنا وتفرض وجودها الثقيل والسمج علينا في كل حين،..، والتي آن الآوان أن نواجهها ونتخلص منها. المسئولية جماعية وفي قضية الانفجار العشوائي للسكان وما أدت إليه من زيادة هائلة وغير محسوبة ولا مخططة، في أعداد المصريين خلال الخمسين أو السبعين عاما الماضية اذا توخينا الدقة،..، هناك حقيقة لابد أن نشير اليها بوضوح حتي تكون ماثلة في أذهاننا جميعا، دون لبس ودون إبهام ودون محاولة منا أو من غيرنا لطمس معالمها أو اخفائها أو إغماض العين عنها والإدعاء بعدم التنبه إليها.. أو حتي التقليل من شأنها والتهوين من خطرها. وإذا ما أردنا الصراحة والشفافية، وهذا ما يجب، فلابد أن نقول أن هذه الحقيقة التي نحن بصددها تتعرض لإصرار البعض منا علي تجاهلها، بينما يصر البعض الآخر علي تجنب الخوض فيها أو تسليط الضوء عليها،..، رغم اقتناع هؤلاء وأولئك بوجودها المادي والمعنوي، وتأثيرها الفاعل والمؤكد في سلبيته علي مجريات الأمور ووقائع الأحداث التي نمر بها ونتعرض لها. وتلك الحقيقة الماثلة أمام أعيننا جميعا، بالرغم من محاولات غض الطرف أو التجاهل، هي أننا جميعا ودون استثناء مسئولون مسئولية كاملة وشاملة عما وصلنا اليه من زيادة سكانية عشوائية ومنفلتة وغير مخططة الآن،..، ذلك هوالواقع للأسف الذي فرض نفسه علينا بقوة الأمر الواقع رغم قسوته، وبالرغم من المعاناة الشديدة التي نقاسيها بسببه. غيبة الوعي نعم نحن جميعا مسئولون عما نحن فيه وما نعايشه واعتدنا عليه وتآلفنا معه، من أخطاء في السلوك والأداء والفعل، وكلها ناجمة عن العشوائية وعدم التبصر وغيبة التفكير الواعي في تنظيم حياتنا الاجتماعية، وغياب الوعي الأسري الناضج بضرورة السعي الجاد لضمان حياة أسرية صحيحة في ظل الحرص علي توفيرمستوي اقتصادي لازم لتحقيق ذلك. وفي هذا نقول بصراحة ووضوح بالمسئولية الجماعية فيما وصلنا اليه من انفجار سكاني عشوائي، قفز بنا من تعداد يقل عن العشرين مليونا من البشر في نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، ليصل إلي ما يزيد عن المائة مليون نسمة الآن، أي في مدي زمني لم يتجاوز الثامنة والستين عاما، وهذا أمر بالغ الخطورة حيث تضاعف عدد السكان لدينا خمس مرات في مدي زمني لم يتجاوز السبعين عاما،..، أما ما هو أبلغ وأشد خطرا من ذلك، فهو أن معدل الزيادة السكانية لدينا وصل الي »2٫6٪» حاليا، أي اننا أصبحنا الآن نزيد في كل عام حوالي مليونين وستمائة ألف طفل. وهذه الأرقام لامبالغة فيها علي الاطلاق، حيث أنها موثقة، ومعلنة من كافة الأجهزة والهيئات الرسمية في الدولة رغم ما تحمله في طياتها من خطورة، وما تشير إليه من مسئولية ليست بالقليلة علي كل من تسبب في الوصول بنا الي تلك الحالة، التي أصبحت تهدد بالتهام كل برامج التنمية التي نقوم بها وتؤثر بالسلب علي الأمل في إحداث نقلة قوية علي طريق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. الحكومة والمجتمع ونحن هنا لا نبريء الحكومة من المسئولية ولا جهازها الاداري والتنفيذي، سواء كان في الوزارات المعنية أو في المحافظات بصفة عامة والمحليات بصفة خاصة، بل علي العكس من ذلك نحن نضعهم في مقدمة الصفوف وعلي رأس المسئولية فيما وصلنا اليه،...، ولكننا نحن أيضا مسئولون. ونحن هنا تشمل جميع فئات المجتمع ابتداء من الأسرة التي هي صاحبة القضية ومعمل التفريخ في الزيادة السكانية، وازدياد عدد المواليد كل عام،..، كما تشمل وزارة الصحة والسكان، باعتبارها المشرف والمسئول عن الصحة الانجابية في الأسرة والمجتمع، وبذل الجهود الواجبة للتوعية بأهمية ترشيد السلوك الانجابي، وتوفير التوعية والمعلومات الصحية اللازمة للمساعدة في عملية الترشيد الانجابي للأسر بصفة عامة، وللسيدات في المناطق الريفية والشعبية علي وجه الخصوص. والمسئولية تندرج علي أجهزة الاعلام والصحافة، بوصفهم قاطرة التنوير ووسائله في أي مجتمع ولهم وعليهم دور نافذ ومؤثر في هذه القضية كان يجب عليهم القيام به باعتباره ضرورة ومسئولية وواجبا،..، ولكنهم، ولكننا للأسف لم نقم به علي الوجه الأكمل طوال السنوات الماضية، والتقصير في ذلك واضح وجلي،..، وحان الوقت الآن لدق نواقيس الخطر التي غفلنا عن دقها قبل ذلك. ونحن هنا أيضا تشمل المثقفين والمفكرين وقادة الرأي والفكر في المجتمع، الذين تعايشوا مع الواقع المر ورأوا ولمسوا الزيادة العشوائية أو الانفجار العشوائي للسكان وصمتوا عليه،..، أو حتي الذين عبروا عن رأيهم مرة أو مرتين ثم صمتوا،..، وكان الواجب عليهم ألا يصمتوا. والمسئولية يتحملها أيضا كل اشكال وهيئات ومنظمات المجتمع المدني وجميع مؤسساته، سواء في الأحزاب أو الجمعيات الأهلية، وكذلك أعضاء البرلمان والمجالس المحلية باعتبارهم جميعا الأكثر اتصالا بالجماهير والأكثر احتكاكا وتفاعلا مع طبقات المجتمع علي اختلاف أنماطه ومستوياته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. أو المفروض أنهم كذلك. الانفجار العشوائي وحتي نستشعر الخطر الداهم الذي يحيق بنا الآن في ظل الزيادة أو الانفجار العشوائي للسكان في وطننا، يجب التوقف بكل الجدية امام الأرقام التي ذكرناها من قبل، وأن نتدبر في معانيها ودلالاتها دون تهويل أو تهوين. وإذا ما فعلنا ذلك نجد أننا أمام زيادة سنوية في السكان تصل الي مايزيد علي مليونين ونصف المليون كل عام، أي اننا سنزداد في عدد السكان بمقدار يصل إلي عن الخمسة والعشرين مليون نسمة في العشر سنوات القادمة اذا ما ظلت الحالة علي ما هي عليه والمعدل علي ثباته ولم يزد عن ذلك. ولمن يحسنون قراءة الأرقام نقول ان ذلك يعني ببساطة ان عدد سكان مصر المحروسة سيصل الي ما يزيد عن مائة وثلاثين مليونا بعد عشر سنوات من الآن،..، وإذا ما ظل معدل الزيادة علي ما هو عليه الان سنويا، يصبح تعدادنا خلال العشرين عاما القادمة اكثر مما هو عليه الآن بستين مليون نسمة علي أقل تقدير، أي اننا سنصل في عام 2038 الي ما يقارب المائة والستين مليونا وقد يزيد علي ذلك، وهو رقم هائل يحتاج الي ادراك واع وحكيم لمعناه ومتطلباته، وما يفرضه ذلك من جهد كبير وعمل مكثف للوفاء بالاحتياجات الأساسية، اللازمة لتوفير الحياة الكريمة لهذه الملايين،..، وهي مهمة لانقول أنها مستحيلة أوغير ممكنة ولكنها بالقطع ليست بالمهمة اليسيرة بل هي بالتأكيد شاقة وصعبة، وتتطلب أن ننظر اليها بكل الجدية والاهتمام وبأكبر قدر من المسئولية. وفي ذلك علينا ان نبذل غاية الجهد لترشيد هذه الزيادة العشوائية والسيطرة عليها، حتي لاتصبح عقبة جسيمة امام النمو الاقتصادي الذي نسعي إليه، وحتي لانتحول الي غول يلتهم كل الجهود المبذولة علي طريق التنمية، وحتي لاتحبط محاولاتنا للخروج من الأزمة الاقتصادية التي نواجهها. الخطر يهددنا وحتي يكون الأمر واضحا والصورة ظاهرة لنا جميعا دون لبس أو خطأ في الفهم، علينا أن ندرك أن أي زيادة في الانتاج لن تكون محسوسة بالقدر الكافي في ظل الزيادة السكانية السارية الآن، بل إن الخطر من استمرار هذه الزيادة العشوائية يمكن أن يؤدي الي تفاقم وتصاعد الأزمة الاقتصادية بكل صورها واشكالها. هذه للأسف هي الحقيقة التي يجب علينا أن ننتبه إليها، وهي الخطر الذي يمكن أن يحيق بنا اذا استمرت الأمور علي ما هي عليه واستمرت الزيادة العشوائية للسكان غير مرشدة ولامنضبطة، وهو مالايجب أن يكون،..، وفي ذلك يجب علينا أن نعلم ان هذه الزيادة العشوائية اذا ما استمرت ستدفع إلينا في كل عام ملايين الأطفال الذين يحتاجون الي مئات الآلاف من المدارس والفصول الدراسية الجديدة، ومعهم مئات الآلاف من المدرسين، ومئات الآلاف من وسائل النقل والمواصلات، ومئات الآلاف من أطنان الطعام، وملايين الاعداد من الملابس وآلاف المستشفيات ودور العلاج والأطباء وهيئات التمريض،..، وغيرها وغيرها من الادوات والوسائل والحاجات الضرورية للحياة والمعيشة والنشاط الانساني في الخدمات والمرافق والانتاج. الله المستعان وقد يتصور البعض اننا نبالغ في هذا الذي نقوله، ولكن ذلك غير صحيح بالمرة،..، بل علي العكس تماما حيث أنه عين الحقيقة، حيث يجب أن ندرك باليقين أننا عندما نزيد كل عام مليونين ونصف المليون طفل فإن معني ذلك ان هناك احتياجات أساسية لأزمة وضرورية لابد من توفيرها لهم.. من طعام وشراب وملبس وتعليم وعلاج ومسكن وانتقال ومواصلات وطرق و..و.. وهذا يعني المزيد من المصانع والمشروعات والأراض الزراعية.. واشياء أخري كثيرة في مقدمتها بالطبع توفير فرص العمل وضمان حياة كريمة لهم ولأولادهم من بعدهم،..، وهذا يعني مليارات بل تريليونات الجنيهات التي يجب علينا أن نوفرها لتحقيق ذلك،..، والله المستعان.