«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديبة الأردنية سميحة خريس:مكتبتي وزن زائد.. ولها قصة حزينة
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 10 - 2018


ردا علي سؤال لماذا تكتب؟
أجابت الروائية الأردنية سميحة خريس: لعلنا نشعر بالخوف دائما من تبدد الحياة التي نعرفها، نخاف من تلاشي شهادتنا علي الحياة.. ونسعي لطرائق مختلفة في تثبيتها وترك بصماتنا حية تدل علينا، الكتابة بهذا المعني محاولة للبقاء، حيلة لإبعاد الملل.. صوت يكسر الصمت، معني يملأ الفراغ.
عندما شاهدت مكتبتها بعمان.. استرجعت عبارتها السابقة عن الكتابة، فهي بشكل من الأشكال تنطبق – أيضا – علي مكتبتها التي تشعر أنها بمثابة شهادتها علي الحياة.. فتكوين المكتبة لديها أشبه بسيرة ذاتية حية.. كل ركن فيها لديه قصة.. بل كل كتاب اقتنته يعد جزءا من رحلتها، ولولا هذا الكتاب أو ذاك لظلت تفاصيل من هذه الرحلة في طي النسيان، فالكتب عندها شاهدة علي أماكن أحبتها، لكنها لم تستقر فيها طويلا، فالسفر كان عنوانا دائما لفترات طويلة من حياتها، وكما كان السفر دافعا في كل مرة لبناء مكتبة من جديد، كان –أيضا – عاملا من عوامل فقد المكتبة القديمة برمتها أو الجزء الأعظم منها، فقد تنقلت في طفولتها وشبابها ما بين الأردن، قطر، السودان، والإمارات، والعودة مرة أخري للإستقرار في عمان ببلدها الأردن.. وبسبب هذا التنقل شبه المستمر لظروف عائلية في البداية ولظروف عمل بعد التخرج في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، حرمت ذات يوم من مكتبتها التي أسستها في الدوحة، فقد نظر إليها علي أنها » وزن زائد»‬.
سميحة خريس عندما لاحظت تأملي في أرجاء المكتبة.. لم تنتظر السؤال.. فجاءت الإجابة: لمكتبتي قصة حزينة لم أدونها بعد، فاستأذنتها في أن أقوم بهذه المهمة، وأن تسمح لي أن أدونها نيابة عنها.
صمتت ثم استطردت قائلة: نعم لمكتبتي قصة حزينة، إذ قضيت سنوات طوالاً من عمري في ترحال إجباري بسبب ظروف العائلة، التي تسافر دوما، فما ألبث أن أحقق حلمي في أن تكون لي مكتبة.. حتي يطلب مني التنازل عنها.. تركت في الدوحة بقطر، مكتبتي الأولي حلمي الذي تفتح معي وأنا مازلت طفلة صغيرة في المرحلة الإبتدائية، التي احتفظت فيها بأعداد كثيرة من السلسلة الخضراء، وكذلك الأعداد الأولي من مجلة العربي الكويتية 1970، وعندما انتهت المرحلة الابتدائية، واستعدت الأسرة للعودة إلي الأردن، بدأت في وضع كتبي في حقائب، فقيل لي لا تفرغي محتويات المكتبة فلن تنتقل معنا، فهي »‬ وزن زائد» ، هذه الجملة تكررت في مناسبات عديدة، وبسببها فقدت كتبا جمعتها وكنت سعيدة بها.
فقد المكتبة الأولي
وعندما عدت من قطر، فاقدة مكتبتي الأولي، بدأت في بيتنا في عمان تأسيس مكتبتي الثانية، التي كانت أكثر نضجا من الفائتة، فقد ضمت ترجمات للأدب الروسي، وإبداعات لمبدعين مصريين: يوسف السباعي، يوسف إدريس، توفيق الحكيم، إحسان عبد القدويس، نجيب محفوظ وغيرهم، وهذه المكتبة استغرقت في تكوينها ما يقرب من سنوات ست من عمري، وتحديدا في مرحلتي الإعدادية والثانوية، ولكنني للمرة الثانية أفقد وجودها، وإن لم أفقدها، بمعني أنني لم أستطع لظروف الشحن التي تعودت عليها، أن أنقل محتوياتها إلي بلد الإقامة الذي سننتقل إليه هذه المرة وهي دولة السودان، ولكن لأنها في بيتنا في عمان، لم أضطر إلي أن أوزعها علي الجيران، كما فعلت في الدوحة، ولكن المفاجأة أنه بعد سنوات أربع، عندما عادت الأسرة من الخرطوم إلي عمان مرة أخري، طلب مني التنازل عنها وذلك في إطار ترتيب البيت لمعيشتنا كأسرة، إلا أنني في هذه المرة رفضت التفريط فيها، ولم يدم هذا الموقف طويلا، فبعد مفاوضات مع العائلة تم تقليص محتوياتها.. تنازلت عن البعض وتمسكت بالبعض الاخر، الأقل من حيث العدد، ومن وقت لآخر كنت أتعرض لحملات تفتيش ليس علي محتوي ما تضمه المكتبة، بل علي عددها الذي بدأ في التزايد مرة أخري، مما استرعي الانتباه وظللت سنوات من الشد والجذب، الذي يمنعني من أن أضيف الكثير إليها، وإن كان هذا الأمر لم يؤثر في أن أمدها بكل ما هو جديد في عالم الفنون والثقافة، وأن استبدل ما هو أحدث بما هو أقدم، واستمر هذا الوضع إلي أن انتقلت لمنزلي، فأخذت الكتب تتراكم، ولا أستطيع السيطرة عليها.. فقد أصبحت المكتبة في كل جزء في البيت، وفشلت في السيطرة عليها، فكان قراري.. التمسك بجزء منها، الذي تراه الآن، وأن أتنازل عن بعض من مكتبتي، لكن هذه المرة لم تكن من نصيب الجيران مثلما حدث في قطر وفي السودان، وإنما منحتها لأماكن عامة، حتي تعم الفائدة لأكبر عدد من القراء، وسعيت بقدر الإمكان إلي أن أهدي الكتب لمكتبات القري البعيدة عن العاصمة الأردنية عمان، وفي هذا المرة لم تكن فقط كتب الغير هي فقط المهداة، بل أهديتهم رواياتي ومجموعاتي القصصية، التي أصبحت تمثل ركنا أصيلا في مكتبتي، كما أنني منذ سنوات ساهمت في »‬ كشك الكتب» الذي افتتحته مكتبة شومان في الشارع، لكي يستعير منه العابر أي كتاب يريده، كما أن هذا الكشك متاح ليس فقط أن تأخذ منه، بل أن تزوده – أيضا – بما تريد من كتب.
إذن أنت تسيطرين علي مكتبتك بأن تمنحي بعضها للغير.
صمتت سميحة خريس قليلا ثم قالت: لا .. فبالرغم من كل المحاولات السابقة للسيطرة علي مكتبتي وتوضيبها.. إلا أن ذلك يواجه دائما بالفشل، فلا تزال الكتب تتراكم، لاسيما القادمة من رحلاتي لمعارض الكتاب في: القاهرة، تونس، أبوظبي، الشارقة، عمان، فضلا عن زياراتي التي لا تنقطع للمكتبات داخل وخارج الأردن، فالمكتبة بالنسبة لي مثل مؤلفاتي هما جزءا أصيلا من رحلتي في هذه الحياة.
الكتاب الأم
ورغم تجربتها الطويلة في الترحال وترك مكتبتها خلفها في هذا البلد أو ذاك، وكذلك بداياتها المبكرة مع القراءة والكتابة منذ صغرها، مما علمها أن تحتفظ بكل مرحلة في حياتها بكتاب تعتبره »‬الكتاب الأم» الذي لا تتنازل عن اصطحابه معها في أي مكان، وهو ما شعرت به عندما تأملت بعض العناوين..وهذا ما قلته لصاحبة »‬تقاسيم العشق» ولم تنفه، بل زادت: من الكتب التي اقتنيتها في المرحلة الإعدادية، وللأسف ضاع مني وظللت لسنوات أبحث عنه، حتي أعدته مرة أخري لمكتبتي، كتاب »‬أحجار علي رقعة الشطرنج» لمؤلفه وليام جاي كار، الذي قرأته مرات عدة، وفي كل مرة ومع تقدم العمر والخبرات، يفقد الكتاب جزءا من بريقه، وكلما أعيد قرأته.. اكتشف ملامح الزمن والتكوين.. بمعني كل مرة ونتيجة لتراكم المكتسبات الشخصية والحياتية تقل درجة الانبهار به، لأصل الآن إلي مرحلة نقده، وعدم الاعتراف بأفكاره الرئيسية، فهذا الكتاب يتحدث عن المؤامرات التي تحاك علي العالم العربي، لا أنكر ذلك ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالطرف الاخر، بقدر ما أن الأرض عندنا رخوة، وهناك ثغرات كثيرة في أنظمتنا، تسمح باختراقنا، وهنا المسألة معقدة فهذا الاختراق ليس فقط لذكاء الآخرين بقدر ما هو استثمار لسلبياتنا.. هذا الكتاب يميل إلي أن هناك مؤامرة عظيمة من جهات تفوقنا خبرة وذكاء، وهذه هي وجهة نظر مؤلفه، في حين أري أن نقاط الضعف لدينا هي السبب الأساسي، بهذه القراءة الأخيرة للكتاب لم أعد منبهرة به مثلما كنت في السابق.
ما إن انتهت من الحديث عن هذا الكتاب، الذي كانت في السابق تحمله معها من مكان لآخر منبهرة به، إلا أنه مع تقدم العمر وتقلبات الحياة والمجتمعات، بدأ الانبهار يتلاشي رويدا رويدا إلي أن تحول الأمر إلي النقيض تماما، لكن ألا يوجد كتاب آخر بدأت به رحلتها في عالم القراءة ومع تقدم العمر تمسكت به أكثر، ومازالت حريصة علي الرجوع إليه وتصفحه من جين لآخر.. بحسها الروائي شعرت في قرارة نفسها بما يدور داخلي، لذا واصلت حديثها دونما انقطاع قائلة: لا يمنع ما قلته عن هذا الكتاب، أن لدي تجارب مختلفة مع عدد من الكتب، التي تمثل لي بنية معرفية ومرجعية لا غني عنها، وكلما قرأتها أضاءت لي جوانب كانت غافلة عني.. وازداد بها أنبهارا.. فهي تملأ الروح والإحساس بالجمال والمتعة، وأقصد علي سبيل المثال عدداً من المؤلفات منها ألف ليلة وليلة.. هذا العالم الأسطوري والملاذ لنا نحن معشر الأدباء في الاستمتاع بعوالم قادرة علي إثارة كل حواسك، وفي هذا المعني – أيضا – يأتي كتاب »‬كليلة ودمنة» لأبن المقفع، و»‬الحيوان» للجاحظ، وأضف إليهم الموسوعة العبقرية »‬شخصية مصر» التي أقرأها مررا وتكراراً لأتوقف عند الذكاء الخارق لمؤلفها الفذ جمال حمدان، فبعض ما ذكره حينها كان أقرب للخيال، ومع مرور الوقت كل ما دونه صار حادثا وواقعا، وأتوقف دائما عند سؤال؛ كيف رأي هذا الشخص العظيم ما ستسفر عنه الأحداث بهذه الواقعية التي نشهد عليها الآن؛ كيف وصلت بصيرته منذ عقود طويلة إلي ما صارت إليه الأمور في وقتنا الراهن، هذه الكتب التي ذكرتها داعبت كثيرا عقلي وروحي، أضف إليها كتبا لامست عاطفتي بشكل جعلها جزءا من تكويني في مختلف سنوات عمري، فكتاب »‬المنشق» ل نيكوس كازانتزاكيس، صرت لمدة عاما لا أنام إلا بعدما اقرأ صفحات منه، وكان موضعه الدائم في هذه الفترة بجانب السرير، فقد سيطر علي تماما، فالنوم لا يقترب من جفوني إلا بعد أن يطمئن أنني عشت ساعة علي الأقل مع هذا الكتاب، الذي يمثل واحدا من الكتب التي تندرج لدي تحت ما يسمي »‬الكتب العاطفية» التي نشب بيني وبينها نوع خاص من العلاقة، ففي كل فترة من حياتي هناك »‬الكتاب الأم» الذي يمتلك حواسي وعقلي، ومن ذلك رواية »‬ ذهب مع الريح» ل مارجريت ميتشل، ولها قصة طريفة أحب أن أرويها، هذه الرواية أهدتني إياها معلمتي في المدرسة الإعدادية، عندما لاحظت أن وجهي دائما يتجه ناحية الأرض وهي تشرح، فجاءت إلي جانبي لتكتشف انني وضعت أحد دواوين نزار قباني بين رجلي، وبينما هي تشرح أنا مشغولة بالقراءة، فسكتت ولم تعلق وفي اليوم التالي جاءت لي بهذه الرواية، وقالت: سميحة هذه رواية أتمني أن تقرأيها، ولكن ليس في الحصة، وإلا سأنزل من علاماتك، واستكملت عباراتها وهي تضحك: »‬ علي فكرة هذه الرواية أحلي من ديوان نزار قباني»، وبالفعل سمعت الكلام ولم أعد اقرأ في الحصة وانهمكت فيما بعد في قراءاتها، وبعد سنوات وجدت طبعة جديدة منها فاشتريتها، وإذا بي أكتشف أن الرواية المهداة لي من معلمتي لم تكن كاملة، وهي كانت موجهة لليافعين، فقرأت – بعد سنوات طوال - الرواية في نصها الأصلي كاملة غير منقوصة.
التشكيل الوجداني
ألمح في مكتبتك مؤلفات لكبار المبدعين المصريين، وبعضها لطبعات نفدت من زمان، تقاطعني قائلة: بالفعل هذه الكتب تعبر في اقتنائها عن مراحل مختلفة من التشكيل الوجداني، النابع من تدرجنا العمري، ففي مرحلة المراهقة كنا متعلقين بكتابات يوسف السباعي، ولكن لما كبرت ونضجت اقتنيت إلي جانب إبداعات السباعي أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فمما لاشك فيه أن هؤلاء الرواد شكلوا المزاج العربي للرواية، فهم بمثابة المدرسة التي تخرجنا منها جميعا، فنحن ندين لهم بفضل كبير في تكوين هذا المزاج الحلو الذي جاء إلينا من مصر.
صياغة العالم
أكاد أجزم أن مكتبة سميحة خريس هي معادل موضوعي لما تؤمن به من أفكار ورؤي خاصة بالكتابة، فالمكتبة في حالتها هي الواقع الفعلي الذي تراه انعكاسا لذلك، هذا ما رسخ في يقيني وأنا أتأمل أرفف المكتبة المختلفة، وهو – أيضا – ما يتواءم مع مقولات عديدة لها تخص العملية الإبداعية، فهي تري ان الكتابة لا تخلو من »‬ رغبة دفينة في صياغة العالم علي ما نحب ونشتهي ونتوقع، وأنها بحث عميق في دواخلنا وتحايل للبوح بالأفكار والمشاعر»، ومن وجهة نظري أن من يمهد لها للبوح بالأفكار والمشاعر أدوات كثيرة من أهمها هذا التكوين لمكتبتها، الذي ينحاز – علي سبيل المثال - للمشهد الروائي العربي بكل تجلياته، فمن يطلع علي مكتبة صاحبة »‬ دفاتر الطوفان »‬لا يراها سوي أنها واحدة من رواياتها كتبتها بعمرها وبانحيازاتها المعرفية.. هذا ما ذكرته لها وأنا لا أنظر إلي وجهها بل إلي انعكاسه في مكتبتها، لتجيب: عندك حق.. لايمكن لأي أحد أن يكتب دون معرفة قوية، وأهم مصادر المعرفة هي القراءة المتواصلة التي تبني علي بعضها البعض، ومما لاشك أن المكتبة توفر لي هذه المتعة، التي تنعكس في مفهومي لما أقدم عليه من أعمال إبداعية، فكما أشكل مكتبتي كما أريد، نفس الأمر في الإبداع، وللحقيقة فإن المكتبة بوضعيتها الراهنة تمثل لي عالمي القرائي، كذلك الكتابة، فكل رواية هي عالم جديد يشكل علي سن القلم، أو في بقعة الحبر، إذ يولد هذا العالم محملا بدلالاته ومعانيه، فالكتابة مثل المكتبة صورة حية عن الحياة التي نأملها ونتمناها؛ صورة ليست جامدة، بل هي نتاج بحث عن أسرار الأشياء الصغيرة وتطلقها علي السطح، فالكتابة تتيح للإنسان أن يتمني وأن يحقق حلمه ويغير مصيره بالحلم.
التجربة .. سيدة الموقف
أراك تضعين رواياتك تحديدا ليس طبقا لزمن الصدور، ولكن تبعا للتجربة الروائية نفسها، أي أن هناك عدداً من الروايات مجتمعة تمثل مرحلة ما في تجربتك؟ معك كل الحق، فتجربتي في روايتي الأخيرة »‬فستق عبيد» الحاصلة علي جائزة كتارا للرواية، هي تجربة تنبع من انشعالي في السنوات الأخيرة بموضوع الحرية والعبودية، ولا أخفي عليك سرا أن في هذه الرواية جزءا حياتيا عشته في السودان، وفيه اقتربت من نماذج قريبة مما عبرت عنه في هذا العمل، الذي جاء – أيضا – بعد قراءة دراسات مستفيضة في علم الاجتماع، ساهمت في معرفتي الكثير عن هذه المجتمعات، فالرواية مزيج بين مشاهدات حياتية وجهد شاق في معرفة تاريخ »‬ دارفور »‬ في الماضي والحاضر، بينما في أعمال أخري أكون مشغولة ومهتمة برصد التاريخ المسكوت عنه في المنطقة وتحديدا بالأردن، وانعكاس ذلك علي التطور الاجتماعي والسياسي، وهذا ما ينطبق علي رواياتي: شجرة الفهود، تقاسيم العشق، القرمية، وفي مجموعة أعمال أخري تكون ذات طابع نسوي، مثل روايتي الصحن، وخشخاش، وأنا هنا لا أصنف هذين العملين بشكل نوعي، أي أن الكاتبة سيدة، بل بشكل يحلل طبيعة التجربة، ففي هذين العملين الطبيعة الأنثوية بكل معانيها هي الطاغية، ولا يعني ذلك أن المراة فقط هي القادرة علي التعبير عنها، بل هناك رجال يستطيعون ذلك وآخرون لا يتمكنون من خوض هذه التجارب، فالعبرة هنا بمدي التمكن من التعبير عن العالم الأنثوي، أما في رواية »‬ الرقص مع الشيطان» فقد كانت التجربة مختلفة تماما، فقد ملت فيها إلي التحليل النفسي، وما جعلني أقدم علي هذه التجارب المختلفة، إيماني بأن الإبداع الروائي يتطلب التصدي في كل مرة لتجربة جديدة، تفرض عليه تجاوز نفسه في كل نص يكتبه، وتحاسبه حسابا عسيرا إذا ارتخي أو تهاون أو استسهل.
سجل للجوائز
مكتبتها لا تضم فقط، الكتب التي اقتنتها علي مر الحياة، ولا مؤلفاتها، بل – أيضا – هي سجل لجوائزها المختلفة، فقد علقت الخطابات والشهادات التي تشير لهذه الجائزة أو تلك، منها حصولها علي جائزة الدولة التشجيعية في الأردن عن روايتها »‬ شجرة الفهود»، جائزة أبو القاسم الشابي عن روايتها »‬ دفاتر الطوفان»، جائزة الإبداع من مؤسسة الفكر العربي عن مجمل أعمالها، جائزة الدولة التقديرية الأردنية، جائزة كتارا للرواية العربية عن روايتها »‬ فستق عبيد» كما توجت بوسام الإبداع الثقافي من الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، بعد أن قرأت هذه الشهادات التفت إليها لأسألها: هل يعني ذلك شغفك بالجوائز وحرصك علي أن تناليها؟. وبدلا من أن تجيب صاحبة »‬ فستق عبيد »‬ فوجئت بها تسألني: ماذا تفعل الآن؟، ارتبكت للحظات ثم أجبت أنظر إلي »‬ الجوائز »‬ ضحكت لتستكمل قائلة: وأنا مثلك تماما أنظر إليها؛ ولكنني لا أفكر فيها، ولما أحصل عليها أعتبرها كلمة »‬ شكرا »‬، فهي لا تؤثر في المسيرة، بقدر ما تسعدني باعتبارها كلمة شكر وتقدير.
كلمات المهدين
لا تحتفظ المتوجة بالشخصية الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب في دورته ال 18 بالكتب التي اشترتها، بل لديها كتب تعتز بها، فهي تحمل إهداءات من أصحابها لها، تعبر عن تقدير عميق لشخصها وفنها، فسميحة خريس تتمتع بشخصية إنسانية رفيعة المستوي، وهو ما بدا واضحا علي بعض المهدين الذين ركزوا في إهداءاتهم علي هذا الجانب، فقد كتبت لها الروائية سحر ملص في إهدائها لمجموعتها القصصية »‬الوجه المكتمل»: »‬أختي الفاضلة سميحة خريس، من أجل صباح لطيف بصحبتك، ويوم أجمل، من أجلك زهر محبة وأمنيات بالعافية أبدا.. سحر ملص»، وبمعني قريب مما كتبته ملص، يأتي إهداء إبراهيم نصر الله علي روايته »‬شرفة رجل الثلج»:
»‬ صديقتي العزيزة سميحة خريس، مع اعتزازي ومعا للأجمل .. إبراهيم نصر الله».
أما الكاتبة العراقية هدية حسين، فقد خصتها بإهداءين متقاربين، الأول مكتوب علي روايتها »‬مطر الله»: »‬المبدعة الكبيرة والصديقة العزيزة سميحة خريس.. محبتي الدائمة.. هدية حسين»، في حين أهدتها مجموعتها القصصية »‬ كل شيئ علي ما يرام» بذات المعني، وإن كانت أضافت أمنياتها لسميحة بمزيد من الإبداع: »‬المبدعة العزيزة سميحة خريس، إلي مزيد من الإبداع والمحبة، ولك تقديري .. هدية حسين».
ومن جانبه يصفها الروائي مؤنس الرزاز بالنبل، حينما كتب في إهدائه علي روايته »‬ليلة عسل» : »‬إلي أنبل الأديبات العربيات.. إلي سميحة خريس مع المحبة.. مؤنس الرزاز»، بينما يصفها الكاتب إحسان الفرحان بالمبدعة، وذلك علي كتابه »‬ الكناش.. أوراق من دفاتر الأيام»، إذ كتب: »‬الروائية المبدعة سميحة خريس.. مع التحية والتقدير»، في حين يكتفي الأديب سليمان القوابعة بوصفها »‬الروائية بحق»، وذلك في إهدائه لروايته »‬الرقص علي ذري طوبقال»: »‬إلي الزميلة العزيزة الروائية بحق.. سميحة خريس، مع خالص تقديري»، وعلي مجموعتها القصصية »‬تقارير السيدة راء» تصفها الراحلة الكبيرة المبدعة رضوي عاشور بالجميلة: »‬إلي الكاتبة الجميلة والعزيزة سميحة خريس.. رضوي»، وعلي روايته »‬أوراق العاشق الأخير» يكتب عبد الإله عبد القادر: »‬ سميحة.. مع كل تقديري واعجابي».
وفي إشارة واضحة لتقدير عميق لإبداعاتها وإنسانيتها، وفي ذات الوقت في ربط بين اسم العمل وما تصبو إليه سواء المهدية أو المهدي إليها، يجئ إهداء الروائية سحر الموجي علي روايتها »‬نون»، المحمل بالكثير من الدلالات الإنسانية والأنثوية: »‬ المبدعة والإنسانة الجميلة سميحة خريس.. ليس غريبا أن تكمل النون دائرتها في غفلة منا.. محبتي سحر». وبذات الربط بين عنوان العمل والإهداء، تأتي جمل الشاعرة مها العتوم علي ديوانها »‬أشبه أحلامها»، لكنها هنا لا تتحدث عن مشترك بينهما، إنما تبين طموحها في الكتابة، وأنها تحاول أن تشبه أحلامها لكي تكتب: »‬ المبدعة الرائعة والصديقة العذبة الأستاذة سميحة خريس.. أهديك ما يشبه الأحلام، وما أحاول أن أشبهه.. لأكتب.. كل المحبة والتقدير.. مها العتوم».
وبفلسفة حياتية وإبداعية يكتب لها الشاعر والأديب سيف الرحبي إهداءين ليسا بنمطين، إنما يحملان همه ورؤيته للحياة والكون والبشرية، ففي واحد منهما يفرق بين دم المبدعين ودم الآخرين، الذين يصف دمهم بالأزرق، في حين جنس المبدعين يكون دمهم »‬ أسود او أبيض»، وفي هذا تفرقة اخري، تتضح جلية في التناقض بين اللونين، وإن كان يفهم ضمنا الفارق بين الموهوبين من أصحاب القضايا التي يعبرون عنها، وهؤلاء بالتاكيد دماؤهم بيضاء، وذلك في إشارة لما تتمتع به سميحة خريس علي المستويين الإبداعي والإنساني، أما الآخرون الذين لا تمثل الكتابة بالنسبة لهم هما عاما، فهؤلاء من أصحاب الدماء »‬السوداء»، وفي إهداء آخر يهاجم الحيتان من البشر الذين سيطروا علي التراب، في إشارة إلي الأرض، بينما يطمح ويطمع سيف في أن تبقي السماء للمبدعين، ففي إهدائه علي رواية »‬حيتان شريفة»: »‬الأستاذة سميحة خريس.. الحيتان وقد جالت في ترابنا.. هرمنا. فالتراب ترابهم.. والسماء عليها أن تبقي لنا»: ، وفي الإهداء الثاني علي مجموعته القصصية »‬دم أزرق» فجاء: »‬أستاذة سميحة خريس.. دم أزرق يسير في شرايينهم، أما شرايين الكتاب، فهناك دم.. أبيض/ أسود. دمت مبدعة».
وبإحساس عال بمعني الإهداء، يكتفي الأديب هاشم غرابية بثلاث كلمات، بعد أن دون اسمها علي روايته »‬القط الذي علمني الطيران»: »‬ سميحة خريس.. أكبر من الإهداء»، وبإهداء علي عكس الكلمات القليلة التي دونها غرابية، يأتي إهداء الدكتور خالد الكركي، الذي يعد الإهداء الأطول بين الإهداءات السابقة، فهو يحلل في جمل مكثفة رحلة سميحة خريس ويصفها بأنها صاحبة رؤية وطنية سواء في إبداعاتها أو ممارساتها الثقافية الرصينة، وأن ما يجمع بينه وبينها هو انتماؤهما لجدهما »‬المتنبي» جاء هذا الإهداء علي كتابه »‬ الصالح المحكي.. صورة المتنبي في الشعر العربي الحديث»: »‬الأخت العزيزة السيدة سميحة خريس.. هذا هو »‬جدنا» المتنبي، أرجو أن يظل قريبا منك، وأنت تقفين عند رؤية وطنية قومية من خلال الكتابة الروائية المتميزة والأداء الثقافي الرصين، واعذري أخاك لجرأته علي جمر أبي الطيب.. د. خالد الكركي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.