»لو رجعت قليلاً إلي زمن الطفولة، فستجد أنك تعرضت للتنمر كثيراً، ومع الأيام أصبحت متنمراً». أنت متنمر.. وحضرتك متنمرة.. وأنا قبلكم متنمر.. يا عزيزي كلنا متنمرون.. فكر قليلاً فستجد أنك تمارس التنمر ليل نهار، وأنت في الشارع، وفي العمل، ليس هذا فحسب، بل وأنت في المسجد أو الكنيسة.. آفة »التنمر» طول عمرها موجودة، وإلا ما نهت عنها الأديان.. والشرائع السماوية، ولكنها استفحلت فينا، ولم نعد حتي ندري أننا متنمرون. لو رجعت قليلاً إلي زمن الطفولة فستجد أنك تعرضت للتنمر كثيراً، ومع الأيام أصبحت متنمراً!.. أنا أولكم لا أبرئ نفسي.. الأمر يبدأ باستظراف، واستهداف شخص ما، لأي سبب ومن غير سبب، وأحيانا يتم استهداف طفل أو صبي، به ما يمكن أن نعتبره عيباً خلقياً لا ذنب له فيه، ثم تحويله إلي مادة للضحك والتريقة، وينتهي الأمر بكارثة إنسانية في كثير من الأحيان للضحية، يقاطع المدرسة إذا كان تلميذاً، يفشل في التعليم، وقد يكره الذهاب إلي الفصل، وإذا ذهب فهو لا يستوعب، كل تفكيره ينصب علي محاولة الهروب من »المتنمرين»، وقد ينتهي الأمر بانتحار الشخص الذي وقع عليه التنمر !. كان زميلاً لنا في المرحلة الابتدائية، وكان نحيفاً بصورة شديدة، أطلق عليه زميل لقب » خيال المآتة»، ورد آخر بأنه »نقار الخشب»، ومن ساعتها وزملاؤه لا ينادونه إلا بهذا النداء السيئ.. طبعا هذا مجرد نموذج بسيط. هؤلاء المتنمرون الذين يتواجدون عادة في كل كيان :فصل دراسي، مدرج جامعي، أو حتي مكان عمل، يستهدفون دائماً الآخرين بسهام السخرية القاتلة: »فلان فيل» .. »فلانة شكارة مورتاديلا»، »علان أذنه مثل أذن الفأر»، » فلان أبو مناخير».. »فلانة دي كشافات».. لانها ترتدي نظارة »قعر كباية»!! إلي غير ذلك من عشرات الآلاف من أساليب التهكم التي نرمي بها بعضنا الآخر. وللأسف ساهمت الدراما في ترسيخ قيم التنمر بداخلنا بتحويل الأمر عادة لمادة للسخرية واستدرار الضحكة من الناس.. ولكن الضحكة التي تطلقها سيادتك، هي طلقات رصاص في قلوب آخرين وجدوا أنفسهم رغماً عنهم مادة للتريقة والضحك والسخرية.. مثلاً »التهتهة» التي يعاني منها البعض هي في النهاية مشكلة نفسية تحتاج أن نتفهمها، لكي تتحسن حالة المريض، ولكن ما يحدث هو العكس.. نسخر دائماً من مرض »الشفة الأرنبية» التي تجعل المريض بها كلامه غير واضح، ولكن أحد الممثلين الذي وجد أكل عيشه هو أن يسخر من نفسه، ويكون مادة للضحك، وهو لا يعلم أنه يقضي علي أقرانه من المرضي. لا أدعي أنني برئ من التنمر، مارسته طفلاً ورجلاً، فنحن دائماً نطلق سهام التنمر حولنا في كل اتجاه، دائما ننظر علي عيوب الناس بالتأكيد هناك من يفعل معنا نفس ما نفعله. التنمر إمتد إلي السوشيال ميديا وأصبح هناك »تلقيح جتت» - وآسف لإستخدام اللفظ - من قبل أشخاص تجاه آخرين، ومن قبل دول تتنمر بدول أخري سياسياً. العلماء يعرّفون التنمر بأنه سلوك عدواني يأخذ صفة الاستمرارية لإلحاق ضرر نفسي أو بدني بشخص آخر سواء بتصرف فردي أو بتواطؤ جماعي. أحد الأطفال كان يرجع من المدرسة كل يوم باكياً.. لأن زميله في الفصل منع كل زملائه من الحديث معه أو حتي اللعب معه في حصة الألعاب أو في استراحة اليوم الدراسي »الفسحة».. وعندما كان يشكو لمدرسته كان زملاؤه يكذبونه، واضطر في النهاية أن يضرب زميله الذي تواطأ عليه، وكادت تحدث جريمة قتل داخل أسوار المدرسة لولا لطف الله. الإسلام عالج القضية، وكتاب الله المنزّل يقول فيه الله عز وجل: » ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون». (الآية 11 الحجرات). علموا أولادكم ألا يسخروا من زميل لهم امتحنه الله بشيء، او بلون بشرة مختلف، أو بلزمة لافتة، علموهم أن يحترموا الآخر في شكله، ودينه، ولونه، وعقيدته، علموا أولادكم الثقة في النفس لأنها أول حائط صد ضد المتنمرين. أنا أدعم حملة أنا ضد التنمر وأعتذر عن أي يوم كنت فيه من المتنمرين !. الطبيب الذي كان زمان كانوا يطلقون علي الطبيب لقب الحكيم.. من الحكمة. لذلك كانت منزلة »الحكيم» لا تدانيها منزلة لأن الله جعله سبباً، بعلمه، وأخلاقه، لشفاء المرضي، وحياتهم. ولكن.. ولكن للأسف طال الثوب الأبيض الكثير من الشوائب في العقود الأخيرة، من ضعف مستوي بعض الأطباء الذين يتخرجون بدون حد أدني من الخبرة العلمية أو العملية، وينتهي الأمر بأن بعضهم للأسف »يتعلم» في المرضي. كل هذا معروف، ونردده، ولكن ما أحزنني هو ما قاله لي طبيب جراح يعيش بعيداً عن العاصمة، قضي كل حياته في المهنة، ويعرف أسرارها، ليس كطبيب فقط، ولكن أسرار المستشفيات الحكومية والجامعية، وكيف أنها انحرفت كثيراً عن أداء الرسالة السامية. للأسف الشديد، أصبح هناك شعار آخر مرفوع يتحول معه المريض إلي مجرد رقم، أو »رأس» تباع عبر حلقة جهنمية.. تبدأ هذه الحلقة بوصول مريض إلي الطوارئ في حالة خطيرة، فيتلقفه أحد أطراف هذه السلسلة بداية من بعض الممرضين والممرضات، وموظف حسابات الاستقبال، وأحياناً موظف الإسعاف.. إذ يتواطأون ويصورون للمريض ولذويه أن الحالة خطيرة، وأنه لا توجد أماكن أو أسرّة للحالة، وأن طبيباً كبيراً بعينه (متفق عليه) هو الوحيد الذي يستطيع أن يجري العملية، والحل هو إدخال المريض للعلاج الاقتصادي باسم الدكتور المشترك في السلسلة، وبدلاً من أن يقوم المريض بعمل الجراحة مجاناً يقوم بعملها بعشرة آلاف جنيه مثلاً، وللأسف من يقوم بها طبيب نائب صغير في السن، ولكن من يظهر لأهل المريض ويتعامل معهم ويقبض المال هو الطبيب (الكبير) ويقوم بعدها بسداد جزء يسير للطبيب الشاب وتوزيع مبلغ »حلاوة» لباقي أعضاء الشبكة التي وردت له » الرأس»! نار الفواتير أصبحت أخاف صوت جرس الباب.. لأنه اصبحت عندي قناعة أن من يطرقه هو إما محصل الكهرباء، او محصل الغاز، أو البواب يجمع فلوس الصيانة والمياه، وكهرباء نور السلم والموتور.. حتي وقت قريب كنت اقول لمن في البيت من الأبناء او المدام: »افتح الدرج ستجد »فلوس».. وحاسب».. كانت الدنيا غير الدنيا وكانت جنيهات معدودة تحل الأزمة.. الآن تغير الوضع وأصبحت فاتورة الكهرباء تصعق بجد، وجعلتني أدور في الشقة اطفئ الأنوار أولاً بأول، الأبناء لا تفرق معهم، ولكن »لسعات» الفواتير المتعاقبة جعلت العبد لله »ينفخ في الزبادي» كما يقولون، وتحملت تغيير كل إضاءة الشقة إلي »ليد»، ولكن كل هذا فشل في إطفاء لهيب فاتورة الكهرباء، وزاد الطين بلة دخول فاتورة المياه التي أصبحت مثل العقدة التي فشلنا جميعا، سكان العمارة، في حلها.. إما دفع 90 ألف جنيه، جنيه ينطح جنيه، وإما قطع المياه عن العمارة.. العداد اليتيم الذي يقرأ استهلاك العمارة تعطل منذ عامين من دون أن نعلم، والمحصل لم يعد يزور المكان، وعندما تحرينا الأمر قالوا ان هناك »تجاري» في العمارة، لابد من الدفع المجمع أو قطع المياه، ولكن الشقق »التجاري» ترفض الدفع، والشركة ترفض وتهدد : إما دفع نص القيمة علي الأقل، وإما قطع المياه، اكتشفنا أن الكشاف قام بعمل »ربط» لكل شقة وضرب في عدد شقق العمارة وأصبحت مديونية معلقة في رقاب كل السكان، ولكن هناك شققاً مغلقة أصحابها مهاجرون لكندا وأمريكا. وهناك آخرون يمتلكون ولا يقيمون في المكان.. اذن المطلوب مني كساكن في شقة أن أسدد استهلاك المهاجر، والذي لا يقيم في المكان.. والتجاري الذي لا تفرق معه.. قال إنه يرحب بقطع المياه ؟ الشركة قالت: غيروا العداد ب 8 آلاف جنيه ونعيد التقسيط.. وأصبحنا كالمستجير من الرمضاء بالنار.. عندما ذهبت لشركة المياه، وجدت العشرات يصرخون مثلي، وأنا أسأل لماذا لاتقوم شركة المياه بتسهيلات تساعد المواطنين، خاصة أنها رفعت سعر متر المياه بعد زيادة العام الماضي بنسبة تقارب 70% ولماذا لا تفض الإشتباك بين التجاري والسكني، أم أنها تريح نفسها؟. ما ان استريح من فاتورة الكهرباء، ومحاولة حل مشكلة فاتورة المياه، يطرق محصل الغاز الباب ويقدم لي فاتورة الشهر، قلبت في جيوبي »بنطلون وقميص» والمحفظة كلها بيضاء من غير سوء، استدرت لأصغر ابنائي، واستعرت منه مصروفه الذي كنت قد اعطيته له للتو، واعطيت محصل الغاز الفاتورة، بمجرد ان أغلقت الباب رن الجرس من جديد، مشيت علي أطراف أصابعي ونظرت من العين السحرية لأجد البواب يقف وفي يده فواتير، عدت أدراجي وأطفأت كل أنوار الشقة، وذهبت للسرير محاولا النوم، ولكن كيف أنام وهؤلاء الديانة علي الباب ؟.. رحمنا الله من لسعات الفواتير ! مننا فينا ! العدو كان زمان واضحا وصريحا ومعروفا، وبنفس الوضوح والراحة، ارتضينا عن طيب خاطر أن تتجه كل موارد مصر، لصالح إعادة بناء الجيش المصري في أعقاب انتكاسة 67، عشنا ست سنوات عجافا، ورغم ذلك لم نبخل علي جيشنا لا بالدم ولا بالعرق، وقدمت مصر صفوة شبابها من أجل تحقيق النصر، وبفضل الله تحقق، وأذقنا العدو الإسرائيلي كأس الهزيمة النكراء التي قبل بعدها بشرط السلام، وكان علي رأسها اعادة كل شبر وذرة رمل إلي حضن هذا الوطن، كرها وقهرا، وذلا وليس عن طيب خاطر. بعد 45 سنة علي انتصار أكتوبر أصبح عدو اليوم أخطر، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة، »بقي معانا وجوانا واستطاعوا بالفكر إنشاء عدو جوانا بيعيش بأكلنا وبيتبني بهدمنا».. يعني أصبح العدو »مننا فينا» من داخلنا، بين ظهرانينا، وجاء اليوم الذي أصبحنا نسمع فيه استخدام لفظ »العسكر» بسوء نية للنيل من أشرف من خاضوا الحروب علي وجه الأرض، ومن أراد الله أن يبقوا في رباط إلي يوم القيامة، ونسمع من يتشفي في استشهاد أبنائنا في مواجهات مع الإرهابيين، ويتخرّص آخرون علي رموز مصر. عدوك اليوم ممكن - للاسف- يكون جارك في نفس العمارة، أو جارك في العمل، تسميه بإيه الذي يتمني الخراب لبلده؟ تسميه بإيه الذي يفرح لأية مشكلة يتعرض لها البلد ؟ تسميه بإيه الذي يشنع علي بلده في المحافل الدولية ؟ تسميه بإيه الذي يروج كل لحظة شائعات وأكاذيب علي وسائل التواصل الاجتماعي؟ في سلسلة »كتاب اليوم» الثقافية أعدنا نشر الكتاب الرائع للكاتب الكبير الراحل وجيه أبوذكري »حرب أكتوبر.. شهادة اسرائيلية» حتي لا يأتي يوم يتخرص فيه بعض الجهلة ويدعي أن حرب أكتوبر كانت سجالاً بيننا وبين العدو الصهيوني!.