وكيل الطرق الصوفية: السيد البدوي من أولياء الله.. والطقوس المنحرفة لا تمت للتصوف بصلة    إيقاف سيارة لمخالفة تعريفة الركوب والحمولة الزائدة بالمنوفية    ويتكوف يزور الشرق الأوسط الأحد لمتابعة تنفيذ اتفاق غزة    أكسيوس: المبعوث الأمريكى ويتكوف سيزور مصر وإسرائيل ومن المرجح أن يزور غزة    التعادل السلبى يحسم الشوط الأول بين غزل المحلة وكهرباء الإسماعيلية فى الدورى    الدوري المصري، المقاون يتعادل 1-1 أمام إنبي في الشوط الأول    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    إخلاء سبيل نجل رئيس حزب شعب مصر و11 آخرين على خلفية مشاجرة في مقر الحزب    جيهان الشماشرجي ونجلاء بدر أبرز الحاضرات لعرض "عيد ميلاد سعيد" بالجونة السينمائي (صور)    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    جندى روسى يقتل زميله وينتحر داخل قاعدة عسكرية قرب موسكو.. اعرف التفاصيل    حسين عبد البصير لإكسترا نيوز: المتحف المصرى الكبير هدية مصر للعالم والإنسانية    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    وكيل المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثى    جومانا مراد: بقدم شخصية جديدة ومختلفة في مسلسل خلايا رمادية    توزيع 1000 سماعة طبية بالأقصر ضمن حملة "نرعاك تسمع".. صور    مستشار رئيس الجمهورية يشهد انطلاق فعاليات مهرجان التعامد بأسوان    الأردن: هبوط اضطرارى آمن لطائرة متجهة من عمّان إلى حلب بعد عطل فنى بسيط    الأوقاف تطلق قوافل دعوية موسعة بجميع المحافظات لتصحيح المفاهيم الخاطئة    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    مبابي جاهز لقيادة ريال مدريد أمام خيتافي بعد التعافي من إصابة الكاحل    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا توعويًا لمحاربة العنف في المجتمع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الخطيب: ميزانية الأهلي وصلت إلى 8.5 مليار جنيه بفضل الاستثمار والابتكار المالي    المؤسسات الرياضية فى مخاطبات رسمية: التجنيس أحد أنواع الهجرة غير الشرعية    الصحة تنظم ورشة عمل تدريب مدربين لمسئولي التثقيف الصحي    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    الضفة.. إصابة 4 فلسطينيين باعتداء مستوطنين على موسم جني الزيتون    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    مصر تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للكرة الطائرة جلوس في أمريكا    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    تعرف على الحالة المرورية اليوم الجمعة 17-10-2025    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنيس القلب
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 10 - 2018


خليل المصري
يقرؤني من نظراتي وتلميحاتي وأفكار جبهتي ويتسبب في بهجتي ولهفتي وشوقي لدقائق وساعات أوقات مقابلته علي مائدة الزمان الرحبة رحابة ثنائه والخير من كرمه ورقرقة قلبه الشاعر بدفء عطائه واحتوائه العطوف.. هو نبع من نهر ملائكي يفيض.. يتكلم فيثير انتباهك ودهشتك وتقسم علي أن تضحي بأثمن أوقاتك من أجل وداد أوقاته وبلسم حديثه الشافي الذي يسحب من داخلك اليأس والملل وشحوب الفكر فيمنحك بشائر الأمل وخبرة الصبر ونتائج عصارة تفوقه وآخرين مثله في العائلة والمجتمع فتخرج منه علي انفتاح أسارير إيمانك وبصيرتك السمحاء التي تتجلي من صفائه ووفاء روحه وذكاء علاجاته الإنسانية لجروح البشر حتي تلتئم علاقتك بنفسك والعالم..
هو الخال.. الأب.. الصديق.. حسن أنيس أو أنيس القلب يستشعرني من صوتي عبر الهاتف فيقاطعني بعد السلام عليكم يرد عليَّ بالسلام ثم (ماذا بك) أتعجب هل السلام عليكم تقص عليه أحوالي أم ذكاء سريرته وشفافية ما بيننا من عمق إحساس مزدوج يشرح انفعالاتي.. ماذا بك.. فأنخرط في الحكي سواء برضاي أم رغماً عني حتي لا أحمله هم شكواي بجانب مشاغله ومسئولياته فيقاطعني أحيانا بحديث قدسي أو عبارة قالتها أمه التي هي جدتي العظيمة نتقاسم حبها والإعجاب بأدق تفاصيلها، فهي تدخلنا رغم وفاتها منذ عام 1977 ورغم أنني الآن أحتفظ بخبر وفاتها في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام دون أن أصدق أنها فارقتني وتركتني بعد هذا الحب وحيدة أصطدم في الحياة الصعبة مندهشة دائما من البشر الذي لا يشبه وجهها وطبائعها وملائكيتها.. خالي حسن يشبهها كثيرا.. كانت دائمة الدعاء له ولنا.. أنا وخالي نحبها، نعشقها كل منا بطريقته ولكننا نتوحد علي متعة الحديث عنها والإدلاء بذكرياتها ورائحة كلماتها التي تحيينا أمد الدهر.. لذلك أعشق حي الشاطبي الذي كانت تقطنه جدتي وتسعد بحياتها في هذا المكان الساحر في شارع بور سعيد علي بعد دقائق من مكتبة الإسكندرية العريقة وخلف الشارع كورنيش البحر والكابينة رقم 7 التي يملكها جدي فكانت للعائلة ذكريات رائعة في هذا المكان الذي يصادق البحر وبالقرب من مسجد سيدي الشاطبي.. كانت جدتي وجدي يستمتعان بتجمع أولادهما واحفادهما في الكابينة كنا صغاراً نلعب تحت ظل حنانهما وحبهما يضيئان لنا الحياة بأكملها.
جدتي صاحبة الملامح النورانية والقلب المضيء بتقوي الله ضياؤها سراج منير يشفي ويطيب الجرح والشكوي ولفحات الأنين.. تمنحك الرضا والاستكانة عبر ترحال المواقف كلماتها تغير دفة الإحساس بالحزن وتحوله إلي هدوء يسكنه الإيمان والخشوع لله الرحمن. تهدهد نوة الريح العاتي وتجعل الساعات تفتح مغاليقها للفرح والتفاؤل.. صدق جدتي يتحدي الزمن ويجمع شمل الأجزاء المتناثرة من أوجاع البشر ويحتويها ويضمها بكلمات الله.. يلفلفك شعاع النور ويشتد العود بفاتحة الكتاب فلا شجن ولا دموع ولا غبار ولا عذاب ولا آهات.. هي تدخلك بكلماتها وإيمانها ببهجة نورانية ترفرف علي نفحات اللحظة وتسقي العمر وتصلب الظهر فيجتمع إحساسك وتنتشي. تسرح في الملكوت وتناجي رب الوجود وتحمده وتسبح له علي ما أنعم عليك به وتندم علي غفلتك في طيات الذكري الحائرة بين السواد والضباب والتخبط في اللاوعي واللااتزان واللاإدراك ولسرد أوقاتها وحلاوة روحها وصفائها ونقائها وولائها وأصالتها وانتمائها وعذوبة الحياة. تسجد برغبتك وسماحتك ووجدانك مع قطرات دموع وخشوع لعدم إدراكك للحقيقة إنه الله الذي يحتوينا ويملأ الضعف قوة ويدفئ قشعريرة التوجس.. فتعود لتكون أنت إنسانا جديدا بقلب جديد يطرق باب المستحيل بإيمان القضاء والقدر وتتوب عن الغفلة وضياع الوقت.
تغير صياغة الأيام والأوراق بشمس التفاؤل. وتشرب نخب الرضا هكذا يكون الحكي مع جدتي إلي دائرة الثبات والجنات ترفرف علي قارعة طريق الأمن تسمو وتعلو فوق شرور البشر وضيق الأفق تتذكر وصايا رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) والصحابة والتابعين والأحاديث الكريمة تلمحها ملاكاً فتجدها بشرا وتحسبها بشرا فتكتشف أنها ملاك إنها من زمن الصدق والصفاء والحكمة، حبها لي كان نبراساً وتواجدا وحياة نجمة هي في عمري وبهاء في صدري وإحتواء بركة ودعاء وصباح بنور التقوي والأمل. أنا حفيدتها الكبري وفرحتها الأولي حفاوتها ملامح جمالية وجنة مخملية تغزل خيوطها أثواب الفرح شوقها لي واستقبالها يشبه قلبها وبسمتها وحضنها الأمين يشبه انتصار الشاطئ علي البحر ليكون مرسي لبواخر السلام وهدنة المشاوير والأسفار. طقوس أفراحها قبلات وأحضان مشاعر توحد القلوب.. والمسافات والطرق.. وتذوب عشقاً في حلمها بحفيدتها الأولي هكذا كانت أو أكثر فالكلمات لا تسعفني في ترجمة المشاعر والأحاسيس علي أوراق العمر.
عيون النهار مشاعل ساحرة تسحر اللحظة وتبلورها في مخيلتي كأنها الآن أتمني حكيها وصحبتها حينما كنا نجلس علي الشاطئ في كابينة رقم 7 بشاطئ الشاطبئ في حي الشاطبي شارع بور سعيد حيث كان مسكن جدي وجدتي.
حبيبتي علمتني أن أنظر إلي البحر إلي المدي وعندما كنت أطرح السؤال كي يروي فضول طفولتي علي ماذا تنظرين يا جدتي؟ تجيب الحنونة: انظر إلي المدي إلي آخر البحر أسبح لله علي قدرته وأحمده.. سبحي معي يا صغيرتي، حتي يرضي الله عنك تهمهم بأدعية وتسبح علي مسبحتها البيضاء بلون النهار ترفرف الملائكة في المكان وتبث الجمال في أوقاتها والخيرات الدنيوية هي دستور حياة وقوانين حماية ودروس وموعظة ثقتها في الله وحبها لرسوله سر قوتها.. كان البحر يقاسمنا اللحظة وجدي يتابعنا حيناً ويشاركنا حيناً.
وكان خالي حسن قدوة لطاعته لوالدته ووالده وحنانه عليهما وظل نبراساً للعائلة ومثلاً أعلي سواء في عمله كمدير لأحد البنوك المصرية.. يتفاني ويرعي الله في وقته وجهده وأولاده ومنزله. الوقت لديه من ذهب لا يضيعه هباء فلديه هوايات ومهارات متعددة مثل العزف علي آلة الكونترباس والتشيلو والبيانو ومهارات أخري زخرفية وديكورية وأيضا لديه حجرة مكتب بمنزله بالمنشية شارع الإسكافية بالإسكندرية حجرة عندما تدخلها تلمح العالم بين يديك يستقبلك بحفاوة اللقاء وود الأدباء العظماء فيمنحك بعضا من مخزون حصيلته وآدابه وفنونه التي حباه الله إياها لا يبخل ولا يمل من العطاء حجرة المكتب حوالي 4×9 أمتار مقسمة كالآتي: مكتبة علي هيئة نصف دائرة علي بعد 3 حوائط من الأرض لأعلي السقف بها ما لذ وطاب من المعارف.. وبعدها مكتب باللون البني الجوزي مطعم بزخارف عليه بعض الأوراق والأقلام والكتب الحميمة والصور التي يعتز بها.. وأمام المكتب أنتريه جلد أسود وسجادة بألوان متناسقة تحكي أمجاد الماضي ونجاح المستقبل وعلي الحوائط صور فوتوغرافية ببراويز تقص عليك مراحل شبابه وحياة طفولته وأدواته الموسيقية أيضا داخل حجرة المكتب فهي الصومعة الخاصة به مع آلة كاتبة ماركة ممتاز يكتب عليها أشعاره ومؤلفاته. وستائر حريرية ترفرف لاستقبال ضوء القمر لتأنس به.. وعندما تدخل حجرة المكتب تكون بحالة وتخرج منها بحالة أخري تماما يصحبك أنيس القلب لعالمه ويحجز لك مقعداً في طائرة معارفه فتتحول في ألف ليلة وليلة بفيلم تسجيلي يصول ويجول في الماضي البعيد والقريب والأجداد والعائلة وتراثها منذ أن كانوا في الدار البيضاء في المغرب عائلة والدته وعائلة والده اسطنبول بتركيا وكيف حضروا للقاهرة وتعارف العائلتين وارتباطهم ببعض وكيف كان والده في بداياته حيث إنه أول من حصل علي توكيل شركة فورد للسيارات وبدأ في تجارة السيارات حكي يتجلي بصدق يتحلي بكبرياء وشموخ وعراقة الأصل وعن أمه ووالدها الملتزم الذي له مريدون وطلبة لعلمه ويستطرد الحديث عن أمه حتي البكاء نبكي سوياً تجمعنا حلقة ذكر الرحمة من الله للأموات والأحياء. نجلس علي نهر
الذكري تدور بنا المقاعد بالأشخاص كل منهم يأخذ طرف الحديث ذي الشجون في محراب الأذكار.. أما الكتب الخلفية فشهد بأسماء كتابها العالميين والعرب والمصريين علي لقائنا وتباركه وكأننا في دار علم بأذكار تعلوها نفحات إيمانية بين قريب وبعيد وشقي وسعيد وأفضال واختيار وااقتدار وثمار وأقدار نسبح في عمق الافتراضات ونسبح لله ونحمده علي ما نحن به.. تنفتح الجدران.. حدائق.. وينابيع.. وأنهار.. بلدان.. معارف.. تشاركنا الكتب والمعاجم والآلات الموسيقية والبيانو تنفتح أسارير خزائن الأسرار وتنجلي وتتجلي وتتحلي بساعات من جنات ودقائق من كنوز ببسمات تنفرج بفرج الله إلي أن ينتهي اللقاء ونتفق علي لقاء ونلتقي يأسرني أنيس القلب فيسعد الوجدان أحسب الأيام وأناشدها أهدهد الأسابيع أراوغ الشهور حتي لقاء آخر يمنحني فيه بعضا منه يقرأ كتاباتي وخواطري ويحمسني ويشجعني بعمر جديد يأخذني إلي قصر ثقافة الحرية 1 ش طريق الحرية بالإسكندرية أدخل في صحبته لأتصفح أركان القصر والبهو الرائع الملكي والسلالم الرخام.. قصر من الخيال وعيون الحوائط المرسومة والمطرزة بعبق التراث.. ليعرفني علي الشاعر الكبير القدير أحمد السمرة والشاعر الكبير القدير محمد مكيوي كنت في المرحلة الثانوية ميزني عن كل بنات العائلة عندما لمح موهبتي التي أوقدها والدي ووالدتي واستكمل معي المشوار صعدنا إلي الدور الأول قشعريرة تتملكني وقدمي لا تملك إلا المتابعة أرتعش من الفخامة المدهشة واطمئن بنظراته.. يلمس كفي ليهدئ من روعي يستشعر قلقي ويكلمني ويهمس لي بأن من هنا بداية المجد.. أصدقه لأنني تعودت الثقة به فهو هدية الله لي يسأل أحد الأفراد المسئولين عن الشاعر أحمد السمرة لتجده في قاعة توفيق الحكيم معه بعض من تلاميذه يأخذ خالي حسن بالأحضان ويقول له مقولته المشهورة: الغالي ابن الغالي ويسترسل الحديث عن خاله صديق العمر للشاعر أحمد السمرة خليل المصري المؤرخ الموسيقي والملحن وسعيد المصري ومحمد أخيهم يعبرون الحاضر الذي أنا أقف علي بابه إلي الماضي وأنا أزداد ارتعاشا من وهج اللقاء، ابتسم قليلا حينما ينظر لي الأستاذ أحمد السمرة ويقدمني له خالي هذه ابنة أختي الكبيرة لاحظت موهبتها فجئت بها للأساتذة لتبدأ من هنا يرحب بي الأستاذ وينصرف خالي حسن ويتركني يسألني الأستاذ أحمد السمرة عما أكتب أعرض عليه بعض الأوراق يقرؤها ويقول لي كويس جدا والموهبة تحتاج جهدا وعلما لابد أن تتعلمي عروض الشعر حتي تكتبي الشعر بأصول وقراءة دائمة ومن هنا بدأت الرحلة بعدها تعرفت علي الأستاذ الشاعر الكبير محمد مكيوي الذي تبناني أيضا لإحساسه بمسئولية فضل خالي الكبير خليل المصري عليه عندما قرأ إحدي القصائد له في الجريدة عن الحج ولحنها ودار يبحث عن محمد مكيوي حتي عثر عليه.. وكانت بداية الأستاذ مكيوي من هذا اللحن الذي أهداه له خليل المصري وأذيع في إذاعة القاهرة بصوت أحد المطربين فكانت الانطلاقة الكبيرة له في مجال الشعر الغنائي وخليل المصري هو المؤرخ.
ولد الفنان خليل المصري بمدينة الإسكندرية في 8 يونيو 1911 وتوفي ودفن بها في يناير 1975 وهو من حي محرم بك شارع عرفان بالإسكندرية ثم انتقل وعاش بحي العجوزة بالقاهرة.
حصل علي دبلوم الثقافة سنة 1940 وتعلم أصول الفن بالمعاهد الموسيقية المختلفة وحصل منها علي عدة دبلومات موسيقية، ولحن في بداية حياته الفنية عدة ألحان ناجحة، وغني ألحانه العديد من المطربين والمطربات، كما لحن عددا كبيرا من الاسكتشات والأوبريتات الغنائية لمختلف الفرق الاستعراضية، وشركات الأسطوانات.
وخليل المصري هو أول ملحن قدم الفنان عبد الحليم حافظ للإذاعة حين لحن له أغنية »الكون الجميل حواليك»‬ ولحن أيضا وسجل له أسطوانة »‬بيني وبين قلبي حكاية» وقد ابتدع خليل المصري مقام نغمة جديدة باسم أشواق وإيقاع 4 من 4 و3 علي 4 وابتدع أيضا ريتم الصبا في الخمسينات.. وهو أول من قدم أغنية في صورة إعلان توعية اسمها »‬بشويش الناس نايمين حتعلي الراديو لمين الناس أسرار والجار للجار بشويش الناس نايمين» وهي للتوعية ضد الضوضاء والأصوات المزعجة وكان وقتها الراديو والإذاعة في أوج شهرتها وكانت مدة الإعلان دقيقة ونصف غناء سعاد مكاوي.. ومن أشهر ألحانه أغنية »‬الدنيا بهجة» كلمات الشاعر أحمد السمرة وغناء عائشة حسن.. وأيضا أغنية »‬عديني يا معداوي» كلمات الشاعر أحمد السمرة.. وأغنية »‬كتير اتخاصمنا» كلمات الشاعر سعيد المصري، غناء عباس البليدي.. وأغنية »‬ع الرملة» كلمات سعيد المصري وغناء محمد قنديل، وأيضا أغنية »‬مهما يقسي قلبك» كلمات سعيد المصري شقيقه، وغناء محمد قنديل صاحب الصوت الجميل العبقري.
وقد جمع خليل المصري، وسجل تراث جميع أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب، وترك عند شقيقه الفنان سعيد المصري، مدير عام الإنتاج الفني لشركة أسطوانات صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، مجلدات من نصوص أعمال سيد درويش ومجلدات لداود حسني وكامل الخلعي وزملائهم.
وقد كان خليل المصري من محبي فن سيد درويش ومن أشد المعجبين به.. وهو من مؤسسي جمعية أصدقاء موسيقي سيد درويش الموجودة حتي الآن، وكذلك من مؤسسي جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقي. كما كان أول من أسهموا في صدور قانون حماية المؤلف رقم 354 لسنة 1954.
وتضم مكتبته الموسيقية النادرة آلاف التسجيلات الغنائية من الأسطوانات التي تعتبر تراثا فنياً قديما أصيلا. وفد اختاره المجلس الأعلي للفنون والآداب، ليكون عضوا بلجنة تحقيق التراث بعد أن رشحته الهيئات والمعاهد الفنية، وقد استفادت اللجنة من دراساته وخبراته الواسعة في هذا المجال الفني، وكان أيضا نائبا لرئيس جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقي، وعضوا فنيا لمعهد الموسيقي العربية وأمينا لصندوق جمعية أصدقاء موسيقي سيد درويش مع صديقه الحميم الفنان محمد فوزي، وأنشأ أيضا ناديا للمؤلفين والملحنين بشارع عرابي بالقاهرة.
وقد اختارته شركة أوديون لتسجيل الأسطوانات والبرامج الإذاعية ليكون مديرها الفني، وسافر إلي مختلف البلاد العربية للتعاقد والاتفاق علي البرامج والأغاني.
وقد خصص خليل المصري في سنواته الأخيرة، وقته وماله لجمع التراث للموسيقي الشرقية، واستفاد بذلك معظم الهيئات والمعاهد الفنية التي كانت تلهث وراء جمع التراث دون جدوي.
وفد أنشأ خليل المصري شركة أسطوانات ألف ليلة وليلة، وحافظ عليها شقيقه سعيد، وأهدي جمعية أصدقاء موسيقي سيد درويش أربعمائة لحن وتسجيل لأوبريتات وأغاني سيد درويش.
وبمناسبة ذكراه الخامسة عشرة، قررت عائلته إنشاء جمعية لإحياء تراثه أطلقوا عليها اسم »‬ابن النيل»، يتولاها الأستاذ حسن أنيس ابن شقيقته، وقد أطلقت محافظة الإسكندرية اسم المؤرخ الراحل علي أحد شوارع حي رشدي بمناسبة ذكراه الثالثة ونتمني أن تتذكر الإسكندرية دائما فنانيها ونوابغها وتكرمهم.
ونضم صوت فناني الإسكندرية إلي صوت الأستاذ عبد الفتاح البارودي بجريدة الأخبار في كلماته لماذا لا ننشئ مكتبات لكل أعلام موسيقانا ابتداء من عبده الحامولي، ومحمد عثمان إلي المعاصرين؟ ولماذا لا تتبادل الجمعيات والهيئات والمعاهد الموسيقية تسجيلات أعلامنا وتذيعها علي الجمهور وتناقشها في ندوات لنشر الوعي الفني لدي المعاصرين؟ ولماذا نتجاهل الأدباء والفنانين أصحاب المدارس القومية في الأغنية وشتي الفنون المصرية الأصيلة لأنه تاريخ عبق الأجداد؟ هكذا كان برواز اللقاء علي ومضة من ومضات أنيس القلب الذي انساب ينثر الشموس حتي تلمح ابتسامته الزهور ويصبح قصيدة تمشي علي الأرض لتنير الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.