لواء أ.ح. سيد غنيم ست سنوات مضت منذ شغل بوتين لمنصبه في يونيو 2012، وبدء قيامه بإعداد تعديل إستراتيجية الأمن القومي الروسي، كان من أهم أهدافه دفع وتحسين العلاقات مع أهم الأطراف الإقليمية كمصر وتركيا وإسرائيل وإيران، وبما يضمن إنجاح مراحل إستراتيجيته (إستعادة الهيبة - فرض النفوذ - توسيع النفوذ - تحقيق المصالح) في الشرق الأوسط وشرق المتوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، وذلك علي حساب النفوذ الأمريكي والأوروبي، حيث وضع قواعد لعبته ومارسها مستغلاً بمهارة الفوضي التي تمر بها المنطقة وثغرات الإستراتيجية الأمريكية. فمنذ عام 2013، ومع الحرب الروسية في أوكرانيا، ثم ضم شبه جزيرة القرم وتوغل الإرهاب في المنطقة عام 2014، استغل بوتين العلاقات السيئة بين نتنياهو وأوباما، وعمل علي تقريب وجهات النظر مع نتنياهو (الصيد في المياه العكرة) في محاولة تصل لتوطيد العلاقات بين البلدين.. فاستطاع بوتين بدهاء وحذر شديدين إستعادة هيبة روسيا، وتوطيد علاقاته مع مصر، وفرض تواجد ونفوذ بلاده عسكرياً وسياسياً في سوريا، وبدء تطلعه لتوسيع نفوذه تجاه اليمن وآريتريا، وكذا توسيع نفوذه تجاه ليبيا، كما استطاع نسبياً طرح مصالح قومية إقليمية ضمت إيرانوتركيا تحت مظلة بلاده. كل ذلك مع الحذر الشديد لعدم استفزاز أي من الأطراف ومن أهمها تركيا التي وفرت له مشروع تمرير الغاز لأوروبا »ترك ستريم» ومكنته من استغلال مضيق الدردنيل والبوسفور للوصول لسوريا وشرق المتوسط، وكذا عدم استفزاز إسرائيل التي لم تحاول إعاقة فرص تواجده بالمنطقة في مقابل ضمانات بشأن تحجيم حزب الله وإيران. وفي نفس الوقت عمل بوتين مستهدفاً تقليص النفوذ الأمريكي والأوروبي، وتحييد أي تواجد عربي في مسار إجراءات الإستراتيجية الروسية عدا مصر وربما الأردن. واليوم وبعد تزايد تصادم المصالح بشكل مباشر بين روسيا وإسرائيل، وتعالي التصريحات بين وزيري الدفاع للبلدين، نجد الأمور تبدو خطيرة وقد تؤدي إلي ما لا يحمد عقباه، خاصة بعد وضع اسم الولاياتالمتحدة في جملة مفيدة بصفتها الداعم الرئيس لإسرائيل.. ولكنّ رئيسي الدولتين لم يصرحا بشيء للآن ولم يكتب ترامب تويتة واحدة بذات الشأن. الجعجعة العسكرية بين الدول أمر معروف، ولكنها تتزايد اليوم بين الدول الأقوي عسكرياً بشكل مقلق. فقد ذكرت من قبل أن السيناريو الثالث والذي يبدو مستحيلاً أو الأقل احتمالاً هو نشوب حرب إقليمية/ عالمية محدودة في المنطقة، إلا أن هذا السيناريو يصنف أيضاً الأكثر خطورة، وهو رغم وروده يبقي شبه مستحيل علي أي حال. لا شك أن صناع القرار بكافة الدول الفاعلة يسألون أنفسهم دائماً: »في حالة نشوب حرب أطرافها دول مثل إسرائيل وإيران، والمحتمل أن تشمل السعودية، هل تمتد لتشمل روسياوالولاياتالمتحدة؟ وهل ستتدخل تركيا، ومع أي طرف ستكون؟ وماذا سيكون موقف مصر والأردن في تلك الأزمة؟ علي أي حال، أري إيران تستفيد بتحويل زاوية المواجهة العسكرية مع إسرائيل تجاه روسيا، وأن تكسير عظام القوي العسكرية الإقليمية تأتي في صالحها. وأخيراً، علينا أن نتذكر أن إسرائيل هي العابث الأول باستقرار المنطقة، وأن إيران واطرافا إقليمية أخري لا تقل عنها عبثاً، وأن روسياوالولاياتالمتحدة لا تعرفان إلا مصلحتهما، وتبقي مصر المسئول الأول والدائم عن استقرار المنطقة التي تعاني من عبث أطراف اقليمية ودولية منذ زمن. • زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا