الارتفاع المبالغ في قيم فواتير المياه، وطريقة حساب الاستهلاك غير المنصفة في حالات كثيرة، لم يشفعا لدي شركة المياه لتقدم تسهيلات للسداد، بل على العكس عن طريق تحرير محاضر مزيفة، تستغل فيها اسم النيابة العامة وتسطو بها على صلاحيات وزارة العدل، ليجد المشترك نفسه متورطا أمام خيار "الدفع أو الحبس". "محل سياحي" عبد الباسط الطيب رجل ستيني العمر، سبعيني الملامح، تملكه الخوف عقب استلامه محضر ضبطية "مزيف"، لمديونية قيمتها 12 ألف جنيها على محل السمك الذي يقتات منه وثلاثة من أبناءه بأفراد أسرهم. ويقول الطيب: قبل 8 شهور قمت بتركيب عداد مياه، لمحلي الكائن بمنطقة أبوصير، أحد المناطق الشعبية بالمرج، وفوجئت بأول فاتورة قيمتها 1200 جنيه، عن استهلاك محدود لمحل، لا تزيد مساحته عن 30 مترا، وعندما اعترضت على قيمة الاستهلاك علمت أنه يتم محاسبتي كمحل سياحي ضمن شرائح المحلات الموجودة بمناطق سياحية، واضطررت للدفع بعد شكاوى عديدة. وتابع: انقطعت الفواتير عن المحل لمدة 7 شهور، وفوجئت بعدها بمحصل يطلب مني سداد فواتير بقيمة 12 ألف جنيه من خلال محضر ضبطية قضائية، وإلا سيتم تحويل المحضر إلى النيابة بعد 3 أيام. بخطوات سريعة هرول عبد الباسط، في صباح اليوم التالي متكئا على ابنه "الطيب" بدلا من عكازه، ليستوضح تلك المديونية، محاولًا تخفيض هذه القيمة والتأكد من وجود قراءات صحيحة، وبعد محاولات يائسة لم يصل من خلالها إلى شئ مع رئيس التحصيل، -بحسب قوله-، بدأ في التوسل إليه لعدم تحريك المحضر، وطلب منحه مهلة حتى الشهر المقبل لتدبير المبلغ حتى وافق، وبسلامة نية قدم الرجل صورة بطاقته التي طلبت منه قبل أن ينصرف. ولم يمض الشهر حتى فوجئ الرجل المسن، بالمحصل يحرر له محضر ضبطية قضائية جديد، ولكن هذه المرة بقيمة 18 ألف جنيه منها 6 آلاف جنيه غرامة تأخير! لتتحول المديونية من 12 إلى 18 ألف جنيه، وبسوء معاملة استقبله رئيس التحصيل، عندما ذهب إليه وقال له: محضرك عندي، و"يا الدفع او الحبس". وبحسب روايته، فقد اضطر الرجل إلى بيع أثاث من منزله، واستدانة جزء من المبلغ المطلوب، ثم قامت زوجة ابنه ببيع "حتة دهب"، لكنه قبل أن يذهب إلى الشركة لسداد المبلغ المطلوب، فوجئ بمحضر رسمي من قسم الشرطة التابع له، وعندما أسرع إلى الشركة لسداد ال18 ألف جنيه، كانت الصدمة الأكبر، بأن المديونية تحولت إلى 26 ألف جنيه ليصبح الدين الأصلي 12 ألف جنيه وغرامته 14 ألف جنيه!! في مدة لا تصل إلى 3 شهور، وعندما واجه رئيس التحصيل كان رده : "كل ما تتأخر يوم الغرامة هتزيد، وفيه ناس بيجيلها أكتر من كده، احمد ربنا". (ترويع البسطاء) حكاية عبد الباسط مثلها حكايات أخرى ، لإجبارهم على دفع مديونيات وغرامات يتم تقديرها بطريقة عشوائية، مثل عم مرسال عبد الحي الرجل الستيني الذي فقد بصره في حادث، وحرر له محضر بقيمة تجاوزت الأربعة آلاف جنيه بالرغم من اعتماده على المياه الارتوازية في الاستخدام، وحكايات أخرى شديدة الغرابة، لاستخدام محاضر الضبطية المزيفة، منها أيضا المحضر الخاص بورثة محمد حسن علي اشتراك رقم 171240 محل بقالة، والذى لا يوجد به مياه من أغسطس 2008 حتى الآن، إلا أنهم مطالبين من خلال محضر ضبطية قضائية بمديونية 6 آلاف جنيه ! محاضر "فشنك" وفقًا لرئيس تحصيل أحد الفروع بالشركة، والذي طلب عدم ذكر إسمه، فإن دفاتر محاضر الضبطية القضائية الأصلية - التى يحق استخدامها بشكل قانونى - تطبع بمعرفة الشركة، ويحتوي كل منها على 50 محضرًا، بأرقام مسلسلة، عبارة عن أصل وصورتين، وتوجد بحوزة مدير عام الإيرادات، وتوزع من خلاله على رؤساء التحصيل، اللذين يقتصر دورهم فقط على كتابة بيانات المشترك في المحضر وتسليمه لرئيس العدادات الذي يحمل صفة الضبطية القضائية، وهو بدوره يذهب لقسم الشرطة التابع له المشترك، ويسلم أصل المحضر ويحتفظ بصورة له مدون عليها رقم المحضر، مشيرًا إلى أن المٌحَصلين غير مسموح لهم بحيازة أي دفاتر، ويقتصر دورهم على جلب بيانات المشتركين لرؤساء التحصيل فقط. (محاضر الضبطية) أحد المحصلين الذي طلب عدم ذكر اسمه، يوضح أن محاضر الضبطية القضائية، التي يتم تداولها فعليا على مستوى فروع الشركة هي محاضر "فشنك"، تطبع في مكاتب خارجية، ويقوم ببيعها رئيس التحصيل بالإجبار للمحصلين! بمبالغ من 7 إلى10 جنيهات، ليستخدمها المحصل في الضغط على المواطنين، خصوصا "الغلابة" الذين ينتفضون بمجرد سماع كلمة محضر. وتبدأ "النصبة" على المواطن - بحسب وصفه - باصطحاب المحصل، زميل له، على أنه أحد مفتشي الإدارة، ويذهب للمشترك، ويبلغه بأنه مطالب بدفع الفواتير أو تحرير محضر ضده بقيمتها بالإضافة إلى غرامة 10 آلاف جنيه، وسيتم تحويل المحضر إلى النيابة خلال يومين. وتابع المحصل: المواطن أمام "زنقة" الموقف بوجود مفتش من الإدارة، وتحرير محضر، في حالة عدم الدفع، وأضاف، عندما يلتقي المشترك برئيس التحصيل -الذي يكون على علم بتحرير محضر شامل المديونية والغرامة مني في الصباح- يبدأ المشترك بسيل من التوسلات، خصوصا إذا كان من السيدات أو أصحاب المعاشات، حتى لا يتم تحريك المحضر إلى النيابة، وفي هذه الحالة يستغل رئيس التحصيل الموقف بإيهام المشترك أنه سيتحدث مع المحصل لرفع الغرامة وعدم تحريك المحضر، ولكن ذلك مقابل دفع ثلثي المبلغ، ولن تجدي قلة حيلة المواطن وعجزه عن توفير المبلغ وقد يلزم رئيس التحصيل المشترك على تحرير إقرار على نفسه مدون فيه جميع بياناته كاملة، وتقديم صورة من البطاقة الشخصية، التي قد تكون الفخ الذي يتم بها اصطياد المشترك بإيهامه، استخدمها في عمل محضر تصالح، في حين يتم استخدامها لعمل محضر رسمي ضده، وبعدها يتم تقطيع محضر الضبطية القضائية. (المحاضر المزورة) يوضح أحد المحصلين، طالبا عدم ذكر اسمه، أنهم أنواع هناك من "يركن قلبه على رف"، ويتعامل بهذه المحاضر ، لتحصيل الفواتير بأي طريقة، خصوصا في المناطق الشعبية التي تكون أكثر عرضة للتهديد بالمحاضر، وبمجرد رؤيتها، يهرول المشترك للسداد، وفي بعض الأحيان يطلب المواطن مهلة أسبوع أو 10 أيام للدفع، و"يكرمش إيده" ب 50 جنيه للمحصل مقابل عدم تحرير محضر. وتابع: النوع الثاني من المحصلين يتعامل بهذه المحاضر فقط مع ميسوري الحال من المشتركين، أما "الغلابة" -على حد تعبيره-، فيتفق معهم على تسديد فاتورتين في كل مرة لحين سداد قيمة الفواتير المتراكمة. ويوضح المحصل: أن مشكلة تراكم الفواتير على المشتركين هي في الأصل خطأ الشركة، التي تجبر المحصل على توريد مبلغ معين يوميا، بما يصل في نهاية الشهر إلى 100 ألف جنيه، بالإضافة إلى تحصيل 1500 فاتورة، وهناك مناطق ضعيفة الإيرادات، لا يمكن تحقيق هذا المعدل بها، ولأن رئيس التحصيل يرفض استلام الإيراد إذا كان أقل من المبلغ المحدد، وبالتالي، خصم الحوافز بالكامل، لذا يلجأ المحصل إلى ترك منطقة ما، حوالي 3 شهور، بسبب ضعف الإيراد المحصل منها وليكن مثلا 3 آلاف جنيه يوميا، والذهاب لمنطقة عالية الإيراد عند التحصيل، حوالي 10 آلاف جنيه، وترك تلك المنطقة يعني تراكم أكثر من فاتورة على المشتركين وبالتالي عند التحصيل تكون نسبة الإيراد أعلى، ويتجنب المحصل الخصم. (الضبطية القضائية) أحد هؤلاء المحصلين يروى لنا أن هذه المحاضر الوهمية كادت أن تتسبب في اقتياده إلى قسم الشرطة، عندما أوقعه الحظ مع أحد المشتركين (محامي)، والذي استوقفه عند تحرير محضر الضبطية له، وسأله: "انت معاك كارنيه ضبطية قضائية علشان تحرر هذا المحضر"، ولولا توسل هذا المحصل وتوضيحه للضغوط التي يمارسها عليه رئيسه لتوريد المبلغ المطلوب، لما تم انقاذه من تحرير محضر ضده بانتحال صفة مأمور ضبط قضائي. (مخالفات مسئولين) اللافت أن عددا من قيادات الشركة، ممن يحملون صفة الضبطية القضائية، والتي تمكنهم من ضبط أي مخالفات وتحرير محاضر لأصحابها وإحالتهم للنيابة، من بين هؤلاء أصلا من يستحق متابعة عاجلة من الجهات الرقابية، لما تأكد من تورطهم في مخالفات مالية لا تجعلهم فوق مستوى الشبهات، أحدهم مدير عام حصل على مكافأة مالية من شركة الكابلات دون وجه حق، وأصدر تعليمات بتوزيعها على أعضاء اللجنة المشكلة من إدارة حماية الشبكات واشتراكات فرع "بهتيم"، بالمخالفة للنظم واللوائح، لكن الشئون القانونية رضخت لقرار مجلس الإدارة ولم تحول الواقعة للنيابة الإدارية، ورفضت محاسبته، بحجة أن الأمر عديم الأهمية! أصحاب الضبطية القضائية المستشار محمد عيد محجوب مساعد أول وزير العدل يوضح مفهوم الضبط القضائي بأنه وفقا للأصل العام، فإن أصحاب الضبطية القضائية هم القائمين على تنفيذ أحكام قانون الإجراءات الجنائية وتحددهم المادة 23 من القانون، وهم أعضاء النيابة، وضباط وأمناء ومندوبي الشرطة، كما أن هناك جهات تتمتع بالضبطية القضائية كل في اختصاصه مثل المخابرات العامة والمخابرات العسكرية والرقابة الإدارية ولكل منها قانون يحدد إطار عملها. ويوضح مساعد أول وزير العدل، أن هناك ضبطية خاصة تصدر لبعض الفئات مثل التفتيش على التغذية بوزارة الصحة، ومواجهة الغش في وزارة التجارة والصناعة أو التموين، وكذلك شركات الكهرباء ومياه الشرب، والصرف الصحي، وغيرها، وهذه فئات محددة يصدر بها قرار من وزير العدل، بالأسماء، بناء على طلب من الوزير المختص في إطار محدد، كل في دائرة اختصاصه فقط، وبالطبع الجهات الرقابية تحاسب من يسيئ استخدامها أو يخرج عن الإطار المحدد لممارسة صفة الضبطية القضائية. ويؤكد المستشار محجوب، أنه لا يمكن لأي جهة كانت، منح موظفيها صفة الضبطية القضائية دون الاتفاق مع وزير العدل، وإذا كانت هناك جهة قد منحت موظفيها صفة الضبطية القضائية فإن هذا يشكل جريمة، موضحا أنه، من لم تصدر له ضبطية قضائية من وزير العدل فإن العمل المترتب على ذلك يصبح باطلا، وفى تلك الحالة فإنها تخضع للمحاسبة من قبل الجهة المراقبة لها وهي النيابة الإدارية التي من حقها أن تحيل الأمر إلى النيابة العامة في حال المخالفة وتقوم الأخيرة بالتحقيق في الواقعة التي يشترط في إحالتها للمحاكمة توافر أركان مادية ومعنوية، وعند الوصول إلى عدم تمتع المستخدمين بالضبطية القضائية تتم الإحالة إلى المحاكمة. (انتحال الصفة) مصطفى الشيمي رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة لمياه الشرب، نفى كل ما ذكرناه عن إجبار المحصلين على استخدام محاضر وانتحال صفة مأموري الضبط القضائي وقال: "من يحصلون على صفة الضبطية القضائية هم من في موقع مديروا عام الشبكات والتحصيل والاشتراكات والفروع والإيرادات، ويتم ذلك بقرار من وزير العدل ، ولا يحق للمحصل أن يقوم بتحرير أي محضر لأنه ليس لديه صفة الضبطية القضائية".. رئيس الشركة بدا منزعجا وهو يقول: "حتة عيل محصل عنده 25 سنة ما ينفعش اديله الضبطية القضائية، ولو كانت هناك محاضر يتم تحريرها بتكون باسم صاحب الضبطية القضائية المخول له هذه الصفة". وعندما أكدنا لرئيس الشركة أنه يتم تداول محاضر الضبطية القضائية، بين المحصلين ويتم استخدامها على مستوى الفروع، قال: "وإيه يعني هو شايل مخدرات، هذا المحضر غير رسمي، والعبرة بمن يوقع على هذه المحاضر، وهي مسئولية مدير عام الإيرادات". حاولنا تفصيل الأمر مع رئيس الشركة وسؤاله عما إذا كانت محاضر الضبطية القضائية الرسمية ذات تسلسل رقمي، من عدمه، وما إذا كان يتم طبعها بمعرفة الشركة، أو تصويرها خارجيا بالمطابع والمكتبات، لكنه رفض الإجابة مبررا ذلك بأنه لا علم له بتلك التفاصيل.