تصوير - محمد أبو زيد محصل كهرباء: «رئيسي قالي أنا سايبك في الشارع كلب، ولازم تحصل فواتيرك». مواطنة: «والله ما لاقيين ناكل، هندفع منين كهربا ولا ميه؟». مسؤول بالكهرباء مهددًا المحصلين المتضررين: «هبلغ عنكم إنكم إخوان». المتحدث باسم وزارة الكهرباء: «الأسعار ارتفعت بسبب خفض الدعم من 48 مليار جنيه إلى 30 مليار جنيه». تعاني الأسر المصرية من ارتفاع متواصل لا يكاد يتوقف في أسعار الكهرباء خلال الأعوام القليلة الماضية، وجاءت الزيادة الأخيرة في أغسطس الماضي، وأصبحت مستحقة مع تحصيل فاتورة سبتمبر الجاري، ما دفع "التحرير" إلى مرافقة محصل كهرباء، خلال "مغامرته" لتحصيل الفواتير من سكان منطقة "بشتيل" بمحافظة الجيزة، والتي تكتظ بالمواطنين محدودي الدخل. جولة في «بشتيل» البداية كانت مع المنزل رقم "80" بشارع "إبراهيم علام"، كان اللقاء الأول مع قاطن الدور الأرضي بالعقار، وهو رجل في العقد السادس من عمره، يُدعى "خليفة أحمد سليم، موظف سابق "على المعاش" بمديرية الصرف الصحي، ويعيش وحده في شقة مكونة من غرفة صغيرة ومطبخ ودورة مياه، بالإضافة إلى صالة خالية من الأثاث. وحينما أخبره المحصل بقيمة الفاتورة الجديدة التي بلغت 43 جنيهًا، انتابت الرجل حالة من الغضب العارم، متسائلًا: "الفاتورة الشهر اللي فات كانت 28 جنيه، إزاي بقت 43 جنيه؟ ده على كده يبقى قلة النور أحسن". وقال "خليفة" إنه لا يستهلك سوى لمبة للحمام، ولمبة لغرفة المعيشة "لمدة ساعتين في اليوم"، ومروحة "ساعة اللزوم"، مؤكدًا أن التلفزيون "عطلان"، متعجبًا كيف وصلت الفاتورة إلى هذا المبلغ. وفي الطابق الأول من ذات العقار، انتقلت "التحرير" مع المحصل إلى شقة مكونة من ثلاث غرف، كل غرفة منها تحوي بين جدرانها أسرة كاملة. هبطت الفاتورة الجديدة على رؤوس الأسر الثلاث كالصاعقة، فقد اكتشفوا زيادتها 84 جنيهًا مقارنةً بسابقتها، حيث جاءت فاتورة سبتمبر ب241 جنيهًا عن استهلاك 550 كيلو وات، فيما بلغت قيمة فاتورة أغسطس 157 جنيهًا. ومن جانبه، قال "محمد رسمي"، أحد سكان الشقة، إن استهلاكه في غرفته لا يتعدى "ثلاجة ومروحة ساعة واحدة في اليوم"، وتابع بقوله: "المشكلة إحنا مش معانا، والله ما لاقيين ناكل، هندفع منين كهربا ولا ميه؟ حرام اللي بيحصل فينا ده؟". ولفت "رسمي" - الذي رفض دفع قيمة الفاتورة - إلى أنه رب أسرة ولديه ثلاث بنات، كما أن جيرانه في الشقة "ظروفهم زفت"، على حد قوله، وكل أسرة تدفع 50 جنيهًا إيجارًا شهريًا. واصلنا جولتنا مع المحصل "أحمد زينهم"، حيث انتقلنا إلى حارة "جاد الرب"، وفي الدور الأرضي المكون من "غرفة وصالة وحمام ومطبخ"، بالعقار رقم 2 بالحارة، يقطن مواطن يُدعى "عادل فرج"، وبمجرد أن أخبره المحصل بقيمة الفاتورة وهي 48.25 جنيه، رد "فرج" بغضب قائلًا "مش دافع". أما في الطابق الأول، فالتقينا السيدة "أم روماني"، والتي بلغت قيمة فاتورتها 98 جنيهًا. قالت "أم روماني" ل"التحرير": "أنا بشغل الغسالة مرة في الأسبوع، وعندي مروحة، وتلفزيون، وتلاجة، يرضي ربنا تيجي ليا الفاتورة بالفلوس دي كلها؟"، مشددةً على أنها لا تمتلك سخانًا كهربائيًا، ولم تتمكن من إدخال الغاز الطبيعي لمنزلها بسبب ضعف حالتها المادية. وفي الشقة المقابلة ل"أم روماني" التقينا "جمال خضر"، وهو رب أسرة مكونة من 7 أفراد، وراتبه لا يتعدى 1700 جنيه، وعندما علم أن قيمة الفاتورة الجديدة 88 جنيهًا، قال "مش هدفع، أقسم بالله ما معايا". وحملت الفاتورة الجديدة مفارقة بالنسبة لاستهلاك أسرة "جمال خضر"، حيث جاءت ب88 جنيهًا نظير استهلاك 251 كيلو وات في الشهر، بينما بلغت قيمة فاتورة الشهر السابق 63 جنيهًا فقط، نظير استهلاك 377 كيلو وات، ما يعني انخفاض استهلاك الأسرة بمقدار 126 كيلو وات، فيما ارتفعت الفاتورة بقيمة 25 جنيهًا. أما أسرة "سمير جاد الرب"، القاطنة بنفس العقار والمكونة من 6 أفراد، فقد وصلتها فاتورة بقيمة 75 جنيهًا، وتمتلك الأسرة داخل شقتها المكونة من غرفتين وصالة "مروحة وتلفزيون و4 لمبات". وقال "سمير" ل"التحرير": "أنا راجل أرزقي على باب الله بشتغل باليومية في العتالة، ويوم بشتغل و10 أيام قاعد". وعلى غرار جاره "جمال خضر"، أصبح "سمير" ملزمًا بدفع 75 جنيهًا نظير استهلاك 151 كيلو وات، بينما بلغت قيمة فاتورة الشهر الماضي 32.5 جنيه فقط نظير استهلاك أكبر، بلغ 247 كيلو وات، وذلك قبل تطبيق الزيادة الأخيرة، وهو ما يعني تضاعف قيمة الفاتورة في مقابل انخفاض الاستهلاك. ولم يختلف رد "سمير" كثيرًا عن سابقيه، فكان رده "مش دافع.. لما ربنا يفرجها أبقى أدفع". المحصلون في وجه المدفع لا تقتصر المعاناة في مواجهة فواتير الكهرباء على الأهالي فيما يبدو، فهناك طرف آخر يعاني همومًا لا تقل وطأةً، وهو محصلو الكهرباء المكلفين بجمع المال من أُناس لا يملكونه، وهي مهمة يبدو أنها لا تقل صعوبةً عن الحرث في البحر. يقول المحصل "محمد الشاهد"، المسوؤل عن منطقة البصرواي "يمين" بحي إمبابة، التابعة لإدارة كهرباء "بشتيل"، إنه مُلزم بتحصيل قيمة فواتير ما بين 1800 و2000 مشترك، موضحًا أنه يعمل في النصف الأخير من الشهر على تحصيل الفواتير من المشتركين، الذين لم يستجيبوا لدفع الفاتورة خلال ال15 يومًا الأولى، لكنه اكتشف أن نسبة التحصيل مع حلول نهاية الشهر الحالي لم تتعد 24%. ويُبرر "الشاهد" هذا التدني في نسب التحصيل بارتفاع الأسعار في الأساس، إلى جانب إجازة عيد الأضحى، وبداية العام الدراسي الجديد، معتبرًا أن اختيار هذا التوقيت بالذات لتطبيق زيادة أسعار الكهرباء "خاطئ"، مضيفًا: "الناس مخنوقة لوحدها وهتجيب منين؟". لا يجب أن تقل نسبة تحصيل فواتير الكهرباء عن 100%، هذا ما يفرضه مسؤولو وزارة الكهرباء على المحصلين. ويرى المحصل "محمد الشاهد" أن حقه وزملاءه مهضوم، نظرًا لأن كل التعاطف ينصب على "المواطن الغلبان"، دون الالتفات لمعاناة المحصلين، معتبرًا أنهم "الأكثر غلباً". يقول "الشاهد" إن أحد رؤسائه في العمل قال له نصًا: "أنا سايبك في الشارع كلب، ولازم تحصل فواتيرك"، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين يدفعون قيمة الفاتورة تضامنًا مع المحصلين، مضيفًا: "بيقولولنا إحنا بندفع الفاتورة علشان خاطركم إنتو بس والله، وعلشان إنتو عشرة قديمة، بس لو على الكهربا والله ما هندفع ولا شلن"، لكنه لفت إلى أن بعض المواطنين الآخرين رفضوا دفع قيمة الفواتير، وهددوه قائلين: "لو شيلت العداد هنشيل رقبتك". ويواصل "محمد سليمان"، المسؤول عن منطقة البصراوي "شمال"، شرح "معاناة" المحصلين، موضحًا أنه لا يحصل على إجازات، ويعمل حتى في يوم الجمعة، لافتًا إلى أن عمله المفترض أن يبدأ الساعة 10 صباحًا، ويستمر حتى الساعة 4 عصرًا، إلا أنه في الواقع يعمل حتى الساعة 11 مساءً، في محاولات يائسة منه لتحصيل الفواتير. يقول سليمان إن أحد المشتركين تعدى عليه، وأشهر سكينًا في وجهه، وهو ما دفعه للتوجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، إلا أن القسم طالبه بجلب تفويض من شركة الكهرباء بعمله في ساعات المساء، نظرًا لأن "تمامه" كمحصل هو الساعة 4 عصرًا، وليس 8 مساءً، وهو الموعد الذي تعرض فيه للاعتداء. 1% عجز في تحصيل الفواتير يقابله 2% خصم من راتب المحصل وتطرق "سليمان" - في تصريحاته ل"التحرير" - إلى عقاب شركة الكهرباء له في حال عجزه "الطبيعي" عن تحصيل قيمة الفواتير، موضحًا أن كل 1% عجز في التحصيل يقابله خصم 2% من راتب المحصل الشامل، والذي يتراوح ما بين 2000 و2200 جنيه، وفي حال تخطى العجز 70% من قيمة الفواتير - كما هو الحال معه في سبتمبر الجاري - فإنه يحصل على راتبه الأساسي فقط، والذي لا يتعدى 700 جنيه. وفيما يتعلق بحديث وزارة الكهرباء عن أنه في حال عدم دفع المشترك الفاتورة لمدة شهرين، يتم رفع العداد أو تركيب عداد آخر مسبق الدفع، قال المحصل إن "كلام الوزارة كذب وملوش أساس من الصحة، الوزارة سايبانا في مواجهة البلطجية"، مؤكدًا أن بعض المشتركين لم يدفعوا الفواتير منذ عام 2012، وعند الشكوى بفرع شركة الكهرباء يكون الرد عليه "سيبك منه وشوف غيره"، على حد قوله. وأضاف "سليمان" أنه عندما طالب هو وزملاؤه برفع الظلم عنهم، رد عليهم حينها المهندس مدحت فودة، رئيس شركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء حاليًا، قائلًا لهم "هبلغ عنكم إنكم إخوان"، وهو ما مثل تهديدًا حقيقيًا للمحصلين، ما أدى إلى تراجعهم عن مطالبهم و"تفويض أمرهم إلى الله"، بحسب المحصل. 90% من غرامة «سرقة التيار» للشرطة.. و10% فقط ل«الكهرباء» ويقول المحصلان "محمد سليمان" و"محمد الشاهد" إن شرطة الكهرباء، في حال قيامها بحملة، فإنها تقوم بالتفتيش على سارقي التيار فقط، دون أن تُعير سلامة المحصلين أي اهتمام، موضحين أن الشرطة تحرر هذه المحاضر نظرًا لأنها تحصل على 90% من الغرامة المقررة على السارق، فيما تبلغ حصة وزارة الكهرباء من هذه الغرامة 10% فقط، مطالبين الشرطة بأن تحمي المحصلين من المخاطر التي يواجهونها، لا أن تتحرك "من أجل مصلحتها فقط". وحول زيادة قيمة الفواتير، قال "الشاهد" إن من كان يستهلك 248 كيلو وات في عام 2012 كان يدفع 28.43 جنيه، بينما ستبلغ فاتورته الآن 94 جنيهًا إذا استهلك نفس العدد من الكيلوات، لافتًا إلى أن من يستهلك ما بين 150 و300 كيلو وات شهريًا يستخدم الكهرباء في الغالب لتشغيل "غسالة وثلاجة ومروحة وتلفزيون"، وهو الاستهلاك الطبيعي للطبقة المتوسطة صاحبة النصيب الأكبر من مشتركي الكهرباء في مصر. «الكهرباء»: الخطأ وارد.. والجزاءات «بالهبل» وردًا على ما سبق، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، الدكتور محمد اليماني، ل"التحرير"، إن الفواتير تُحدد بناءً على قراءة العداد، وإن زيادة الاستهلاك ترجع لاحتمالين، أولهما: أن تكون هذه القراءات حقيقية ويقتنع بها المواطن ويدفع قيمتها، أو يطلب من شركة الكهرباء تقسيطها، والاحتمال الثاني أن يكون هناك خطأً في قراءة العداد، معتبرًا أن "هذا وارد، لأن عند الحديث عن 32 مليون مشترك، يخدمهم أكثر من 12500 قارىء كشاف ومحصل، فإن المنظومة اليدوية قد تحدث بها أخطاء"، على حد قوله. وشدد "اليماني" على أن "قراءة العداد هي الفيصل"، فلابد أن يحصل المواطن على قرائته بنفسه، وأن يقارنها بقيمة الاستهلاك في الفاتورة، وفي حال وجود "خلل" عليه أن يتوجه إلى فرع شركة الكهرباء التابع لها، ويتقدم بشكوى ثم يسدد قيمة الفاتورة، وليس العكس. وقال إنه يثبت في الكثير من الأحيان أن قارىء العدادات "استسهل ووضع قراءة خاطئة"، وفي هذه الحالة يتم مجازاته، بعد عمل معاينة على الأرض من قبل لجان فنية، وتابع بقوله "في قرارات مجازاة بالهبل بخصوص تجاوزات قارئي العدادات مع حرمانهم من الحافز، وممكن تشوفها في شركات التوزيع". وأضاف المتحدث باسم وزارة الكهرباء أن هناك عدة صور أخرى للخطأ في قيمة الاستهلاك، "منها مشترك مسروق منه التيار، وواحد يتم وضع استهلاك إضافي له لوجود مشكلة في العداد نفسه"، بحسب قوله. وأشار إلى أن بعض المشتركين بدأوا في التوجه لإدارات الكهرباء، للشكوى من العداد لكونه يعمل منذ 20 أو 25 سنة، حيث يطالبون بتغييره بعداد آخر مسبق الدفع، موضحًا أن هذا النوع من العدادات "هيريحنا من الدوشة دي". وفيما يتعلق بزيادة أسعار الفواتير، قال "اليماني" إن الحكومة خفضت دعم الكهرباء إلى 30 مليار جنيه بدلًا من 48 مليار جنيه، خلال العام المالي الحالي 2016 - 2017، وهو ما استدعى رفع الأسعار.