الصديق، الأستاذ، الدكتور: إرادة من حديد لا يلين

عرفت الدكتور فيصل وأحببته منذ أن كنت طالبًا في قسم علم النفس (كان وقتها شعبة ضمن قسم الفلسفة) بينما كان هو أول معيد يعين في القسم وكان يقوم بتعليمنا بعض المصطلحات السيكولوجية الإكلينيكية، كان أخًا وصديقًا، مبتسمًا ومتفائلاً ومتفهمًا، شديد الحزم، وبالغ الحنان، ملتزمًا بالدقة والانضباط وعميق التفهم والرحابة والإنسانية خلال الوقت نفسه، ثم كان أن عينت معيدًا في القسم (مع الزميلتين فادية علوان وسهير فهيم) وأصبحنا صديقين خارج هذه الدائرة كلها، وقد تعلمت أو حاولت أن أتعلم خلال هذه الرحلة التي تكاد تقترب من أربعين عامًا من الدكتور فيصل الكثير والكثير من الدروس والاتجاهات، ومنها تمثيلا لا حصرًا:
تعلمت منه أن الدقة في العلم والمنهج حجر الأساس الذي يمكن أن يُبني عليه البحث العلمي والتقدم في مجال التخصص وأن الخروج عن الإطار إنما يكون بحسابات ومراجع ووثائق وإجراءات منتظمة ومنضبطة.
قمنا في عام 1994 بنشر كتاب مشترك بعنوان »دراسات في الشخصية والابداع"»‬ وقد اهتم الدكتور فيصل في هذا الكتاب بدراسة العلاقة بين سمات النمط الفصامي والقدرات الابداعية بينما اهتممت بدراسة الفروق بين الجنسين في التعلم والتفكير والابداع، وفي عام 1995 تمت ترقيتنا معا في جلسة واحدة إلي درجة أستاذ في علم النفس ثم ذهبنا للعمل معا في جامعة الامارات العربية المتحدة عام 1998 فكان نعم الأخ ونعم الصديق ونعم الاستاذ. وقد تعلمت منه حين عملنا معًا هناك كيف يكون الإنسان المصري محبوبًا خارج وطنه من خلال أخلاقه في عمله وتفانيه في خدمة المكان الذي يوجد فيه.
وتعلمت منه أيضًا بعض تقنيات الدخول علي الانترنت (لم أكن أعرف عنها شيئًا) لكنه علمني كيف أدخل علي موقع شركة أمازون وكيف اشتري كتابًا، وبقدر ما كان لهذا التعلم أهمية في تطوري البحثي والثقافي بقدر ما كان له من آثار سلبية لأنني ومنذ تلك اللحظة (حوالي عام 2000 تقريبًا) لم أتوقف عن شراء الكتب ولا تبديد النقود في هذه العملية أحيانًا بشكل يصعب تخيله.
لكن الدرس الأكبر الذي تعلمته من الدكتور فيصل كان هو درس الإرادة، فقد كان فيصل يونس نموذجًا للإرادة القوية الشديدة المتماسكة المستمرة والمعبرة عن شخصية شديدة القوة وعزم إنساني لا يلين ولا يضعف ولا يتوقف، واجه المرض والظروف الصعبة والعمليات والمتاعب بوجه مبتسم ونظام لا يختل ورحابة إنسانية لا تلين، سافر إلي أماكن كثيرة من العالم، وقام بالاشتراك مع هيئات دولية مرموقة بإجراء العديد من البحوث، ونشر كتبًا ودراسات وأشرف علي رسائل وأبحاث وأحاط أسرته بالاهتمام وطلابه بالرعاية، وقرأ وكتب ونظم أماكن وقطاعات وهيئات وساعد كثيرين علي أن يرتقوا بحياتهم ووضع السعادة في قلوب من حوله، استمتع بحياته علي الرغم من أنها كنت حياة قاسية وقادرة علي أن تزلزل الجبال.