أتعامل بكثير من الحذر مع المواقع التي يطلق عليها مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك، تلك المنصة الإعلامية الشعبية العالمية الكاسحة. بالتأكيد يملك الفيسبوك سحراً لا يقاوم بما ينشر عليه كل لحظة من أخبار وصور وفيديوهات تعجز أي وسيلة إعلامية كبري عن بثه، ويتفنن صناعه في اللعب علي شهوة الفضول عند الناس بكل أساليب التشويق والإثارة والمتعة. هذا يحدث بفضل 2 مليار محرر ومحررة نصوص حول العالم هم حضراتكم وأنا معكم، مستخدمو الفيسبوك من كل الأعمار والثقافات والجنسيات واللغات والمستويات الاقتصادية. لذلك يسرق الفيسبوك أعمارنا ويفصل الكثير من البشر عن الحياة الواقعية ليعيشوا داخل الحياة الافتراضية. ويحدث الانفصال الاجتماعي الحقيقي، والتوحد مع الذات، والاستغناء عن الآخرين، وأقرب المقربين. وسط هذه الصورة القاتمة لأثر الفيسبوك، وما يفعله بحياتنا، تظهر أحياناً مبادرات فيسبوكية تسعد القلب، وتضيء شمعة صغيرة وسط الخواء، أخيراً طالعت فكرة إبداعية هادفة، رائعة، يبدأ من خلالها ناقد أو كاتب كبير في اختيار 7 كتب مهمة أثرت في حياته، كل يوم ينشر كتابا وملخصا بسيطا عنه، وغلاف الكتاب، ويستمر هذا علي مدار 7 أيام متتالية، ثم يرشح زميلا آخر في كل يوم من الأيام السبعة ليقوم بنفس الشيء. الحقيقة أن حصيلة اختيارات تلك الشبكة الرائعة من المثقفين والكتاب أنعشت ذاكرتي تجاه كتب قرأتها منذ زمن وشعرت برغبة جارفة في إعادة قراءتها، وكتب أخري أقتنيتها لكني لم أجد الوقت بعد لقراءتها من بين الكتب الرائعة التي اختارها أصدقاء الفيسبوك المثقفون؛ الحرافيش لنجيب محفوظ، المسيح يصلب من جديد نيكوس كازانتزاكيس، لغة الآي أي ليوسف إدريس، سندباد المصري لحسين فوزي، سيرة ذاتية لتشيكوف، وغيرها من روائع الكتب، إذاً ليس الفيسبوك شراً دائماً، هناك أفكار غاية في الروعة ومبادرة اختيارات الكتب واحدة من أعظمها في رأيي. وهنا لابد أن أعترف أن هذه المبادرة العظيمة جعلتني أشعر أنني لابد أن أعود إلي الكتب الجميلة لقراءتها مرة أخري، بالإضافة إلي التزود بالإصدارات الجديدة أيضاً، حتي لو كنت قرأتها قبل ذلك، فالكتاب الجميل كالأغنية العذبة التي لا تمل من سماعها، بل تري فيها مواضع وتفاصيل جميلة كلما استمعت إليها. وتشعر أنك تشتاق إليها وإلي سطورها، تماماً مثل الصديق الذي تشعر بالوحشة تجاهه. وبالصدفة البحتة؛ وجدت مبادرة أخري مماثلة عن الأفلام السينمائية، فمن خلالها يختار كل شخص 7 أفلام شاهدها وأعجب بها، وأثرت في حياته كل يوم بوستر الفيلم، ل7 أيام متتالية، ثم يرشح زميلا آخر ليقوم بنفس الشيء، وهنا أيضاً شعرت بقيمة الأفلام السينمائية الجميلة التي تأخذنا لعالم آخر، سواء كانت قديمة أو حديثة، مصرية أو عربية أو أمريكية أو أوروبية، بل فتحت شهيتي لأشاهد أفلاماً ربما أسمع عنها لأول مرة، منها ما هو ليس هوليوودياً، ومثلما نقول »الكتاب بيبان من عنوانه» فأنا أضيف و»الفيلم بيبان من الأفيش»، فالأفيش هو أحد عناصر الفيلم الرئيسية يظهر فيه الإبداع تماماً كلقطاته السينمائية المختلفة. وهنا لابد أن أتطرق لقضية لم أكن أود أن أطرحها من الأساس لكثرة ما تحدثنا فيها وبحت أصواتنا، يا حكومة يا وزيرة الثقافة نداء عاجل؛ »الكتاب والسينما» يبنيان حضارات ويهدمان أيضاً، ينيران عقل الإنسان أو يجعلانه عشوائياً متطرفاً، أجدني عائدة كل مرة لأقول نفس الجمل التي مللت من تكرارها، الثقافة ثم الثقافة.. أزمتنا بالأساس أزمة إنسان.. لا حل لها سوي بالثقافة، فما نقدمه الآن كدولة عريقة بحجم مصر من منتج ثقافي سواء كان دراما أو مسرحا أو كتبا أو سينما؛ لا يليق أبداً لا كماً ولا كيفاً، ولا يعبر عن شعب وأمة أنارت العالم لقرون، في النهاية ذكرتني مبادرتا الفيسبوك بكتب وروايات وأفلام جميلة وعظيمة، وبكل حذر وحيطة أقول له شكراً فيس بوك.