ذهبتُ في موعدنا غير المتفق عليه.. فأنا أرسلت لك.. وأنت كالعادة لم تُجب، هذه المرة كان الأمل حليفي، أن تأتي وتُخلف ظنوني.. وصلت إلي محطة المترو التي اعتدنا أن نلتقي عندها، جلستُ علي الرصيف أتابع القطارات في الاتجاهيْن.. وما أن تفتح أبوابها.. حتي تتراقص عيناي يميناً ويساراً في حركة جنونية بحثاً عنك، خوفاً من فقدانك في الزحام.. تذكَّرتُ كم كنتَ تقبض علي يديَّ أثناء خروجنا من المترو.. وتحتضني بقوة غير مبالٍ بنظرات الآخرين، وتلك المرَّة التي رأتنا فيها صديقة قديمة لي واضطررت أن أغيِّر اسمك، فلا يمكن أن أخبرها أن من كنتُ في حضنه ليس من أبناء ملتنا، وكم آلمتنا تلك الكذبة المقيتة، إلا أننا ضحكنا لاختياري اسم غريب ليدلل بقوة علي وضوح هويتك، وأدركت أني كنت أعشق ركوب المترو لاختبئ في حضنك، حتي إن اضطررت للكذب وتغيير اسمك عشرات المرات.. تنبهتُ إلي أن طريقك سوف يستقر به القطار علي الرصيف الآخر، صعدتُ مسرعة متجاهلة السلالم الكهربائية، وكأن قدماي سوف تصلان أسرع.. جلستُ أتابع القطارات وأحدِّق، رغم أني لم أكن أحتاج بذل مجهود لأدرك أنك وصلت، عطرك أنت وحدك يتخلل كياني، منذ تلك الأيام التي كنت أمتنع فيها عن غسل يديَّ عقب رجوعي إلي المنزل، لأحتفظ برائحتك معي، حبنا وحده ممنوع، وحلم النوم في فراش واحد يكفي لتشتعل أزمة تُهدر فيها أرواح، فلم يكن لي سوي عطرك يشاركني فراشي، ويقاسمني أحلامي المحرَّمة. ساورني الشك مرة أخري أنني ربما أجلس علي الرصيف الخطأ، فأنت قد تصل إلي هذا الرصيف، وتنتقل إلي الآخر لملاقاتي، ويجوز أن أفقدك، ركضت علي السلالم، ووصلت إلي النقطة ذاتها، التي بدأت منها، جلست علي مقعد خالٍ، شاردة وعاقدة العزم علي العودة إلي المنزل، لأشم علي جسدي كله وليس يديَّ فقط رائحتك، سوف أحتضنك أمام الجميع دون خوف، ودون حتي أن أفكر هل سترفضني أم لا، شعرتُ أنك من ستبادر بفتح ذراعيك لي، لأنك تعرف أني لم أكن أستطيع أن آخذك بين ذراعي دون مساعدة منك، لم أسعد من قبل أني قصيرة القامة إلا عندما سندتُ رأسي علي صدرك، أول مرة وبكيت، واحتويتني بذراعيك القويتين، وعندما تحملني لأحتضنك، كانت قدماي ترتفعان عن الأرض، فأشعر أن مصيري كله تعلّق بك. لا أعرف كم من القطارات مر عليَّ وأنا غارقة في الذكريات والأمنيات، اكتشفتُ دموعي وهي تنهمر بغزارة، دون أي محاولة مني لإستحضارها، تلطَّخ وجهي الذي وقفت لتزيينه بعناية أمام المرآة.. وها هي هيئتي تنهار بأكملها، في البداية تمنيتُ أن تراني وأنا في كامل زينتي، الآن أريدك أن تراني هكذا، ربما فهمت. لا أعرف كيف حملتني قدماي، عائدةً إلي منزل مرة أخري، وطوال الطريق لا يدور في ذهني سوي شئ واحد، أنك قررت أن تفاجئني، وسوف أسمع صوتك في محطة الوصول بجوار منزلي، وكلماتك المميزة التي تناديني بها.. هل حضرتَ بعد رحيلي، ألم أجلس وقتاً كافياً، هل أخطأت عندما غرقت في دموعي وتوقفت عن متابعة القطارات، تعذبني فكرة أنك لم تعد تفكر فيًّ، ورغم مطاردتها لي، إلا أني انتظرتُك عشرين قطاراً علي الأقل.