خرجت مانشيتات الصحف الأمريكية الأسبوع الماضي تجمع بين الرفض والسخرية بشأن قوانين الهجرة التي تنتهجها إدارة ترامب منذ إصدارها للقانون الجديد، في 7 مايو الماضي تجاه المهاجرين غير الشرعيين وأطفالهم، والتي وصفتها الصحف الأمريكية بأبشع أساليب الإذلال والردع لمن يفكر في الهجرة لأمريكا. وقد دفع هذا الاستنكار تجاه تجارب سياسة ترامب الجديدة التي تُعلى "عدم التسامح" إلى تراجع ترامب عن هذه السياسة التي قوبلت بالسخط الكبير والانتقادات الواسعة التي طالت كل أطياف المجتمع الأمريكي يوم الأربعاء الماضي. البداية كانت من شبكة "إن بي سي" الأمريكية، التي عرضت صورة مخيفة ومرعبة تصف بها ما وصلت إليه أمريكا من أساليب الإذلال والردع لمن يفكر في الهجرة إليها، لتستنكر ما يحدث للأشخاص الذين تم احتجازهم فيما يتعلق بحالات الدخول غير القانوني إلى الولاياتالمتحدة، حيث قامت إدارة الهجرة بإيداعهم في أحد الأقفاص بمنشأة ماكالين للاحتجاز في تكساس، يوم الأحد الماضي، ويعد مركز ماكالين لإدارة الهجرة والجمارك وحماية الحدود بتكساس هو الأكبر في الولاياتالمتحدة. وأوضحت الشبكة الأمريكية أنه يتم الاحتفاظ بمئات من المهاجرين الشباب خلف الأسلاك المعدنية – من النوع الذي يستخدم كأقفاص للكلاب – داخل أكبر مركز لإدارة الهجرة في البلاد. ونقلت "إن بي سي" عن مانويل باديلا المسئول في وزارة الأمن الداخلي بمركز"أورسولا" للاحتجاز ، أن المركز فصل ما يقرب من 1174 طفلا عن أمهاتهم وآبائهم. وكانت "إن بي سي نيوز" ضمن مجموعة من الصحف والشبكات العالمية التي اقتحمت أبواب مركز "أورسولا" المحصن للغاية يوم الأحد الماضي لتنقل بثًا حيًا مباشر لما يحدث للمهاجرين قبل حدوث الانفصال. ومن "أورسولا"، يتم إرسال الأطفال إلى مرافق منفصلة تديرها وزارة الصحة و الخدمات الإنسانية، في حين يتم إرسال آبائهم إلى مركز الاحتجاز انتظارًا للمقاضاة أمام القضاء الاتحادي، وطبقًا لما تمليه السياسة الأمريكية بعدم احتجاز أي شخص من أي عمر في أحد مراكز المراجعة والتفتيش هذه لأكثر من 72 ساعة، لكن ما أكدته الصحف الأمريكية يكشف غير ذلك، حيث يُجبر المئات من القُصّر على البقاء أكثر من هذه المدة المقررة، بحسب شبكة "إن بي سي" الأمريكية. "بطانيات مايلر" وداخل مراكز الاحتجاز تلك غطت بطانيات مايلر، وهي نوع من أنواع البطانيات التي يستخدمها متسابقو الماراثون ليلتفوا بها بعد الانتهاء من السباق، أجساد المهاجرين طوال الوقت، حيث كانوا ينامون على مراتب فوق الأرضيات الخراسانية،على مساحة 55 ألف قدم مربع مخصصة للعائلات والقُصَّر غير المصحوبين بذويهم، وتم تصنيف المحتجزين على أساس العمر و الجنس و الوضع العائلي، وفي هذا الصدد قال وكلاء التغطية الدورية إن حالة من الفوضى تشمل المكان في وقت لا يعرف فيه اللاجئون متى يخرجون من هذا القبو المظلم . ويجد بعض الأطفال الذين وصلوا مع والديهم للتو، أنفسهم بمفردهم في المرفق، قبل أن يتم اعتقالهم ونقلهم إلى عهدة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وسط غياب كامل للرعاية الاجتماعية، التي ترعى الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، فيما صرح رئيس حرس الحدود بأن المسئولين في "وادي ريو جراند" يسمحون للعائلات التي لديها أطفال دون سن الخامسة بالبقاء معا في معظم الحالات. من جانبه، ألقى ترامب اللوم على الديمقراطيين المعارضين لاقتراحه الخاص بإصلاح نظام الهجرة، الذين يحتجون بشكل زائف، وهم الذين لم يعترضوا من قبل على قانون مكافحة الاتجار الذي صدر بالإجماع في عام 2008 في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وإن احتجاز الأطفال بعيدًا عن والديهم هو نتيجة للسياسة التي أصدرها المدعي العام جيف سيونس، ولا يوجد قانون يتطلب فصل العائلة. وقال المدعي العام الأمريكي هذا الأسبوع "الذين يعبرون حدودنا بصورة غير قانونية بين موانئ الدخول لدينا مع الأطفال ليسوا استثناءا، هم الذين خرقوا القانون، وهم الذين عرضوا أطفالهم للخطر في رحلتهم"، وعلي الرغم من قرار ترامب إلا أنه ليست هناك خطة واضحة لإعادة لم شمل العائلات التي تم تفريق شملها وفصلها عن أبنائها. وإلى مجلة "التايم" الأمريكية التي نشرت علي غلاف عددها الأسبوعي، صورة تعبيرية تعكس مناورة ترامب الوحشية على الحدود، كما وصفته ب"الرئيس غير المريح"، وهاجمت سياسته تجاه المهاجرين، حيث أظهر الغلاف ترامب، بينما يقف قبالة طفلة صغيرة من أبناء المهاجرين، تبكي بعد فصلها عن عائلتها، وهو ينظر إليها وكتبت المجلة الأمريكية تعليقا على الصورة "أهلا في أمريكا"، لتكون غلاف عددها الجديد المقرر نشره في أول يوليو المقبل، في إشارة منها لسياسة الرئيس الأمريكي الصادمة التي تسببت في فصل آلاف الأطفال عن ذويهم على الحدود الأمريكية. وعادت المجلة لتستطرد تاريخ الولاياتالمتحدة خلال ال 240 سنة الأولى، على الأقل، حيث قام الرؤساء السابقون الأكثر تبجيلا بإعلاء مجموعة من القيم الإنسانية السامية التي تربط بين دولة تؤمن بالتنوع بتسمية مثل "الديمقراطية، الإنسانية، المساواة"، فقد اعتبر توماس جيفرسون المثل الأعلى للتنوير في إعلان الاستقلال، ولم يتخلف أحد عن ذلك منذ جورج واشنطن وصولا إلى باراك أوباما. واسترجعت المجلة الأمريكية تاريخ الدولة التي أسسته سعيًا وراء الديمقراطية والإنسانية مقارنة مع سياسة رئيسها الحالي دونالد ترامب في الأشهر الثمانية عشر الماضية منذ تنصيبه، وراحت المجلة تحصى تلك القيم التي تعهدها الأسلاف، حيث ذكر ترامب "الديمقراطية" أقل من 100 مرة، و"المساواة" 12 مرة، و "حقوق الإنسان" 10 مرات، والتي لا تطابق تمامًا مع سياساته لتتساءل "التايم" ما هو نوع البلد الذي ننتمي إليه؟. كما رأت مجلة التايم الأمريكية أن ترامب يحتضن مجموعة مختلفة من القيم، يتحدث غالبًا عن الوطنية لينحصر معناها الضيق في الواجب العسكري، أو كنوع من اختبار الولاء له. ومن "التايم" إلى "النيوركر"، حيث صممت غلافا صادما يفضح الرئيس الأمريكي ترامب، بسبب سياسته المشينة لعزل الأطفال اللاجئين عن ذويهم، ويظهر على غلاف "نيويوركر" خمسة أطفال لاجئين يبدو عليهم الذعر الشديد ويتعلقون بأقدام تمثال الحرية الأمريكي الشهير ليحتموا به، وذلك في إشارة واضحة إلى غياب الحرية في فترة ولاية ترامب.